الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوصية كالوقف في كل ما ذكر، فتصح فيما يصح الوقف عليه، وتبطل فيما لا يصح عليه.
ولا يصح لديهم الوقف على طائفة الأغنياء وقطاع الطرق وجنس الفسقة والمغنين، ولا على التنوير على قبر، ولا على تبخيره، ولا على من يقيم عنده، أو يخدمه أويزوره زيارة فيها سفر؛ لأن المذكور ليس من البر.
ولايصح الوقف أيضاً على بناء مسجد على القبر، ولا وقف البيت الذي فيه القبر مسجداً، لقول ابن عباس:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج» (1).
ولا يصح الوقف على زخرفة المساجد ولا على عمارة القبور؛ لأنه إضاعة للمال وإتلاف له في غير منفعة.
وقف غير المسلم:
اتفق فقهاؤنا على بطلان وقف غير المسلم على جهة معصية ليست قربة في دينه ولا في دين الإسلام، كالمراقص وأندية القمار.
واختفلوا فيما تختلف فيه أنظار الأديان (2):
قال الحنفية: يشترط في وقف الذمي أن يكون الموقوف عليه قربة عندنا وعندهم، أي في نظر الإسلام وفي اعتقاد الواقف معاً، كالوقف على الفقراء أو على مسجد القدس؛ لأنه قربة في اعتقاد الواقف وفي نظر الإسلام. أما وقف غير المسلم على المسجد فغير صحيح؛ لأنه وإن كان قربة في نظر الإسلام ليس قربة في اعتقاد الواقف.
(1) أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي.
(2)
رد المحتار: 394/ 3، الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 78/ 4، الشرح الصغير: 118/ 4، مغني المحتاج: 380/ 2، المغني: 588/ 5، كشاف القناع: 273/ 4.
وكذلك وقف غير المسلم الذمي على كنيسة أو بيعة غير صحيح؛ لأنه وإن كان قربة في اعتقاد الواقف، لكنه ليس قربة في نظر الإسلام.
وقال ابن رشد من المالكية: إذا وقف الذمي على كنيسة، فإن كان على ترميمها أو (مرمتها ـ إصلاحها) أو على الجرحى أو المرضى التي فيها، فالوقف صحيح معمول به. فإن ترافعوا إلينا لنحكم في أوقافهم، حكم الحاكم بينهم بحكم الإسلام من صحة الوقف وعدم بيعه. وإن كان الوقف على عباد الكنائس، حكم ببطلانه، فالعبرة إذن بكون الوقف قربة في اعتقاد الواقف فقط في الأحوال الجائزة.
والمعتمد لدى المالكية قول آخر لابن رشد: وهو بطلان وقف الذمي على الكنيسة مطلقاً، وبطلان وقف الكافر لنحو مسجد ورباط ومدرسة من القرب الإسلامية، فالعبرة إذن بكون الوقف على جهة خيرية عندنا وعندهم، كما قال الحنفية.
وقال الشافعية والحنابلة: العبرة بكون الوقف قربة في نظر الإسلام. سواء أكان قربة في اعتقاد الواقف أم لا.
فيصح وقف الكافر على المسجد؛ لأنه قربة في نظر الإسلام، ولا يصح وقفه على كنيسة أو بيت نار ونحوهما؛ لأنه ليس قربة في نظر الإسلام.
وأخذ القانون المصري (م7) بمذهب الحنفية، وبقول بعض المالكية، فنص على أن: وقف غير المسلم صحيح، ما لم يكن على جهة محرمة في شريعته وفي الشريعة الإسلامية.
الشرط الثاني ـ لأبي حنيفة ومحمد (1): أن يجعل آخر الوقف الأهلي بجهة لا تنقطع أبداً، فإن لم يذكر آخره لم يصح عندهما؛ لأن التأبيد شرط جواز الوقف، وتسمية جهة تنقطع توقيت له معنى، فيمنع الجواز، ولأنه يصبح حينئذ وقفاً على مجهول، فلم يصح، كما لو وقف على مجهول في ابتداء الوقف.
وقال أبو يوسف: ليس هذا بشرط، بل يصح وإن سمى جهة تنقطع، ويكون بعدها للفقراء، وإن لم يسمِّهم، إذ لم يثبت هذا الشرط عن الصحابة، ولأن قصد الواقف أن يكون آخره للفقراء، وإن لم يسمهم، فكان تسمية هذا الشرط ثابتاً دلالة وضمناً، والثابت دلالة كالثابت نصاً.
وأخذ الجمهور (2) غير الحنفية بقول أبي يوسف، أما المالكية فلم يشترطوا تأبيد الوقف، وقالوا: إن انقطع وقف مؤبد على جهة، بانقطاع الجهة التي وقف عليها، رجع وقفاً لأقرب فقراء عصبة الواقف، مع تساوي الذكر والأنثى، ولو شرط الواقف في وقفيته أن للذكر مثل حظ الأنثيين، فيقدم الابن ثم ابنه، ثم الأب، ثم الأخ فابنه، ثم الجد، فالعم فابنه، فإن لم يوجدوا فللفقراء على المشهور.
وللشافعية قولان صحح صاحب المهذب أنه: إن وقف وقفاً مطلقاً ولم يذكر سبيله، يصح؛ لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فصح مطلقاً كالأضحية. والأظهر لدى الشافعية أنه لايصح الوقف بدون بيان المصرف كما سيأتي في شروط الصيغة.
(1) البدائع: 220/ 6، الدر المختار: 399/ 3 - 400، الكتاب مع اللباب: 182/ 2.
(2)
الشرح الكبير: 85/ 4، الشرح الصغير: 98/ 4، 121، المهذب: 441/ 1 ومابعدها، مغني المحتاج: 384/ 2، المغني: 567/ 5 - 570، 577، تكملة المجموع: 586/ 15 - 588.
لكن إن عيَّن سبيل الوقف، فلا بد من أن يكون على سبيل لا ينقطع أو لا ينقرض، كالفقراء والمجاهدين وطلبة العلم وما أشبهها.
وقال الحنابلة: إن كان الوقف غير معلوم الانتهاء، مثل أن يقف على قوم يجوز انقراضهم بحكم العادة، ولم يجعل آخره للمساكين، ولا لجهة غير منقطعة، فإن الوقف يصح؛ لأنه تصرف معلوم المصرف، فصح، كما لو صرح بمصرفه المتصل، ولأن الإطلاق إذا كان له عرف، حمل عليه، كنقد البلد وعرف المصرف.
واتفق الشافعية والحنابلة مع الرأي السابق للمالكية على أن الموقوف يصرف عند انقراض الموقوف عليهم إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأن مقتضى الوقف الثواب على التأبيد، فحمل فيما سماه على شرطه، وفيما سكت عنه على مقتضاه، ويصير كأنه وقف مؤبد، فإذا انقرض المسمى، صرف إلى أقرب الناس إلى الواقف؛ لأنه من أعظم جهات الثواب. والأصح عند الشافعية أنه يختص المصرف وجوباً بفقراء قرابة الرحم، لا الإرث، فيقدم ابن بنت على ابن عم.
والدليل عليه: قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صدقة، وذو رحم محتاج» (1) وحديث سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسلمين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة» (2).
والراجح لدى الحنابلة، والشافعية في أحد القولين: أنه لا يختص صرف
(1) هذا جزء من حديث طويل عن أبي هريرة، رواه الطبراني في الأوسط، وجاء فيه:«يا أمة محمد، والذي بعثني بالحق، لا يقبل الله صدقة من رجل، وله قرابة محتاجون إلى صلته، ويصرفها إلى غيرهم» قال الهيثمي: وفيه عبد الله بن عامر الأسلمي، وهو ضعيف.
(2)
رواه أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم، وحسنه الترمذي.