الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول ـ هل يجب الإرضاع على الأم
؟ اتفق فقهاء الإسلام على أن الرضاع واجب على الأم ديانة تسأل عنه أمام الله تعالى حفاظاً على حياة الولد، سواء أكانت متزوجة بأبي الرضيع، أم مطلَّقة منه وانتهت عدتها. واختلفوا في وجوبه عليها قضاء، أيستطيع القاضي إجبارها عليه أم لا؟
قال المالكية بالوجوب قضاء، فتجبر عليه، وقال الجمهور بأنه مندوب لا تجبر عليه، ولها أن تمتنع إلا عند الضرورة (1)، ورضاع الولد على الأب وحده، وليس له إجبار أمه على رضاعه، سواء كانت من مرتبة أدنى أو شريفة، وسواء أكانت في حال الزوجية أم مطلقة. وجاء في المقدمات الممهدات لابن رشد المالكي: ويستحب للأم أن ترضع ولدها.
ومنشأ الخلاف: كيفية فهم المراد من قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، لمن أراد أن يتم الرضاعة
…
} إلىقوله: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلَّمتم ما آتيتم بالمعروف} [سورة البقرة: 233/ 2].
ذهب المالكية: إلى أنه يجب على الأم إذا كانت زوجة أو معتدة من طلاق رجعي إرضاع ولدها، فلو امتنعت من إرضاعه بدون عذر، أجبرها القاضي، إلا المرأة الشريفة لثراء أو حسب فلا يجب عليها الإرضاع إن قبل الولد الرضاع من غيرها، فهم فهموا من الآية أنها أمر لكل والدة زوجة أو غيرها بالرضاع، وهو
(1) أحكام القرآن لابن العربي: 204/ 1 - 206، 1828/ 4، أحكام القرآن للجصاص: 403/ 1 ومابعدها، الدر المختار وحاشية ابن عابدين: 929/ 2 ومابعدها، تفسير القرآن لابن كثير: 283/ 1، فتح القدير: 345/ 3، المغني: 627/ 7، البدائع: 40/ 4، القوانين الفقهية: ص 222، بداية المجتهد: 56/ 2، الشرح الصغير: 754/ 2، مغني المحتاج: 449/ 3.
حق عليها، واستثنوا الشريفة بالعرف القائم على المصلحة. ولا يجب الإرضاع أيضاً على المطلقة طلاقاً بائناً، لقوله تعالى:{فإن أرضعن لكم، فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6/ 65] فإن هذه الآية واردة في المطلقات طلاقاً بائناً.
وقالوا: إن معنى قوله تعالى: {لاتضارّ والدة بولدها، ولا مولود له بولده} [البقرة:233/ 2] أن الأم لا تأبى أن ترضعه إضراراً بأبيه، ولا يحل للأب أن يمنع الأم من إرضاعه. وذلك كله عند الطلاق؛ لأن ذكر النهي عن الضرر جاء عند ذكر الطلاق، ولأن النفقة واجبة للمطلقة الرجعية لأجل بقاء النكاح في العدة، ولا تستوجب الأم زيادة على النفقة لأجل رضاعه. أما البائن فيجب لها أجر الرضاع بنص الآية السابقة.
وورد في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تقول لك المرأة: أنفق عليَّ وإلا طلقني، ويقول لك العبد: أطعمني واستعملني، ويقول لك ابنك: أنفق علي، إلى من تكلني؟!» .
وذهب الجمهور إلى أن الآية أمر ندب وإرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن، إلا إذا لم يقبل الولد ثدي غير الأم، بدليل قوله تعالى:{وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلاق:6/ 65] وإنما ندب للأم إرضاع ولدها، لأن لبن الأم أصلح للطفل، وشفقة الأم عليه أكثر، ولأن الرضاع حق للأم، كما هو حق للوليد، ولا يجبر أحد على استيفاء حقه، إلا إذا وجد ما يستدعي الإجبار.
ويفهم منه أن الفقهاء اتفقوا على وجوب الإرضاع على الأم في ثلاث حالات وهي: