الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث ـ أحكام تصرفات الوصي:
1) ـ البيع والشراء:
قال الحنفية (1): يصح بيع الوصي وشراؤه من أجنبي بما يتغابن فيه الناس عادة، وهو الغبن اليسير؛ لأنه لا يمكن التحرز عنه، لا بما لا يتغابن فيه عادة وهو الغبن الفاحش (2)؛ لأن ولايته مقيدة بالمصلحة، فليس للوصي بيع شيء من مال اليتيم بغبن فاحش، ويصح له البيع بالغبن اليسير.
وإن باع الوصي، أو اشترى مال اليتيم لنفسه: فإن كان وصي القاضي لا يجوز مطلقاً؛ لأنه وكيله. وإن كان وصي الأب، جاز عند أبي حنيفة بشرط توافر منفعة ظاهرة للصغير: وهي قدر النصف زيادة أو نقصاً. ولم يجز مطلقاً عند الصاحبين.
ويجوز للأب بيع مال صغير من نفسه بمثل القيمة، وبما يتغابن فيه عادة، وهو الغبن اليسير، وإلا فلا يجوز.
وهذا كله في المنقول. ويجوز للوصي البيع على الكبير الغائب في غير العقار، ويجوز له مطلقاً بيع العقار لوفاء دين، أو لخوف هلاك العقار. فإن كان الموصى عليه الكبير حاضراً، فليس للوصي التصرف في التركة أصلاً، إلا إذا كان على الميت دين، أو أوصى بوصية، ولم تقض الورثة الديون، ولم ينفذوا الوصية من مالهم، فإنه يبيع التركة كلها إن كان الدين محيطاً بها، وبمقدار الدين إن لم يحط بها، وله بيع ما زاد على الدين أيضاً عند أبي حنيفة خلافاً للصاحبين،
(1) الدر المختار: 500/ 5 - 503، 512 - 513.
(2)
الصحيح في تفسير الغبن الفاحش عند الحنفية: أنه مالا يدخل تحت تقويم المقومين.
وبقولهما يفتى. وينفِّذ الوصية بمقدار الثلث، ولو باع لتنفيذها شيئاً من التركة جاز بمقدارها باتفاق الحنفية.
ويجوز للوصي بيع عقار صغير من أجنبي، لا من نفسه، بضعف قيمته، أو لنفقة الصغير، أو أداء دين الميت، أو لتنفيذ وصية مرسلة (1) لانفاذ لها إلا منه، أو لكون غلاته لا تزيد على مؤنته (تكاليفه) أو لخوف خرابه، أو نقصانه، أو كونه في يد متغلب، كأن استرده منه الوصي، ولا بينة له، وخاف أن يأخذه المتغلب منه بعدئذ، تمسكاً بما كان له من اليد، فللوصي بيعه، وإن لم يكن لليتيم حاجة إلى ثمنه.
هذا إذا كان الوصي لا من قبل أم أو أخ ونحوهما من الأقارب غير الأب والجد والقاضي، فإن المعين من قبل أم أوأخ ونحوهما لا يملك بيع العقار مطلقاً، ولا شراء غير طعام وكسوة.
أما الأب المحمود عند الناس أو مستور الحال، فله في الأصح بيع عقار ولده الصغير بدون المسوغات المذكورة، لتوافر الشفقة الكاملة عنده على ولده.
وللأب أو الجد بيع مال الصغير من الأجنبي بمثل قيمته إذا لم يكن فاسد الرأي. فإن كان فاسد الرأي، لم يجز بيعه العقار؛ وللصغير نقض البيع بعد بلوغه، إلا إذا باعه بضعف القيمة. وكذلك لا يجوز له في الرواية المفتى بها بيع المنقول إلا بضعف القيمة.
ويملك الأب والجد بيع مال أحد طفليه للآخر، ولا يجوز ذلك للوصي.
وليس للوصي أن يتجر في مال اليتيم لنفسه، فإن فعل تصدق بالربح في رأي
(1) الوصية المرسلة: هي التي لم تقيد بنسبة كثلث أو ربع مثلاً، كما إذا أوصى بمئة مثلاً.
أبي حنيفة ومحمد، ويجوز له أن يتجر في مال اليتيم لليتيم، ولا يجبر على تنمية مال اليتيم.
وأجاز الجمهور غير الحنفية للوصي التصرف في مال الصغير بحسب المصلحة للصغير أو للحاجة.
أما الموصى عليه الكبير فقال المالكية (1): ليس لوصي الميت في حال الحضر أن يبيع التركة أوشيئاً منها لقضاء دين أو تنفيذ وصية إلا بحضرة الكبير (2) الموصى عليه، إذ لا تصرف للوصي في مال الكبير، فإن غاب الكبير أوأبى من البيع نظر الحاكم في شأن البيع، فإما أن يأمر الوصي بالبيع أو يأمر من يبيع معه للغائب، أو يقسم ما ينقسم. فإن لم يرفع الأمر للحاكم، وباع الوصي رد بيعه إن كان المبيع قائماً، فإن فات بيد المشتري بهبة أو صبغ ثوب، أو نسج غزل، أو أكل طعام، وكان قد أصاب وجه البيع، فالمستحسن إمضاء البيع.
أما في حال السفر، فلو مات شخص فلوصيه بيع متاعه. وعروضه؛ لأنه يثقل حمله.
وقال الحنابلة (3): إن دعت الحاجة لبيع بعض العقار، لحاجة صغار، وفي بيع بعضه ضرر، مثل أن ينقص الثمن على الصغار، باع الوصي العقار كله على الصغار، وعلى الكبار إن أبوا البيع، أو كانوا غائبين؛ لأن الوصي قائم مقام الأب، وللأب بيع الكل، فالوصي كذلك، ولأنه وصي يملك بيع البعض، فملك بيع الكل، كما لو كان الكل صغاراً، أو الدين مستغرقاً، ولأن الدين متعلق بكل جزء من التركة.
(1) الشرح الكبير: 453/ 4، الشرح الصغير: 607/ 4.
(2)
المراد بالكبير: البالغ.
(3)
كشاف القناع: 444/ 4، غاية المنتهى: 381/ 2.