الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - التغليظ في الزمان والمكان:
التغليظ في الزمان هو أن تكون اليمين بعد صلاة العصر؛ لأنه وقت معظم تجتمع فيه ملائكة الليل والنهار، وعند الحنابلة بعد صلاة العصر، أو بين الأذان والإقامة؛ لأنه وقت يرجى فيه إجابة الدعاء فيخاف الكاذب من الحلف.
والتغليظ في المكان يكون بين المقام والركن في مكة، وفي المسجد النبوي عند المنبر أو فوقه في سائر البلدان، ويحلف أهل الذمة في الأماكن التي يعظمونها.
وقد اختلف الجمهور القائلون بجواز تغليظ اليمين في الألفاظ في تغليظ اليمين في الزمان والمكان على قولين:
القول الأول: أن التغليظ بالزمان والمكان جائز، وهو مذهب الشافعية والحنابلة في رواية والمالكية في قول.
القول الثاني: أن التغليظ في الزمان والمكان غير جائز، وهو مذهب الحنفية والحنابلة في رواية (1).
الأدله:
أدلة القول الأول: استدل أصحاب القول الأول على جواز تغليظ اليمين في الزمان والمكان بالكتاب والسنة.
أولًا: الكتاب:
قال الله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} (2).
(1) تبيين الحقائق (4/ 304)، القوانين الفقهية (ص: 335)، تبصرة الحكام (1/ 186)، الأم (7/ 33)، كشاف القناع (4/ 288).
(2)
سورة المائدة: 106.
وجه الدلالة: صريح في القسم بعد الصلاة وهي صلاة العصر كما قال ابن عباس وشريح والشعبي وسعيد بن جبير وغيرهم، وقال المفسرون؛ لأنه وقت اجتماع الناس، ولأن أهل جميع الأديان يعظمون ذلك الوقت؛ ولأن ملائكة الليل والنهار تجتمع في هذا الوقت (1).
قال القرطبي: الآية أصل في التغليظ (2).
ثانيا: من السنة:
ما رواه البخاري ومسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إمامًا لا يبايعه إلا لدنيا فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره لقد أعطيت بها كذا وكذا فصدقه رجل، وهو على غير ذلك"(3).
وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبر اليمين بعد العصر أشد في النكال والإثم من غيرها فدل على اعتبار هذا الوقت مناسبًا للتغليظ.
وروى أبو داود عن جَابِر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هذا على يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ على سِوَاكٍ أَخْضَرَ إلا تبَوَّأَ مَقْعَدَهُ من النَّارِ أو وَجَبَتْ له النَّارُ"(4).
(1) تفسير الطبري (7/ 110)، تفسير القرطبي (6/ 353)، تفسير ابن كثير (2/ 112)، أحكام القرآن لابن العربي (2/ 716).
(2)
تفسير القرطبي (6/ 353).
(3)
صحيح البخاري (2/ 831)، برقم (2230)، صحيح مسلم (1/ 103)، برقم (108).
(4)
سنن أبي داود (3/ 221)، كتاب الأيمان والنذور، بَاب ما جاء في تَعْظِيمِ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِ النبي صلى الله عليه وسلم، برقم (3246). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 313)، برقم (3246).
وجه الدلالة: أن الحديث صريح في جواز التغليظ بالحلف بالمكان وهو في الحديث مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحول منبره ويقاس عليه بقية المساجد والمنابر؛ لأنها أماكن للعبادة والتعظيم.
أدلة القول الثاني: استدل أصحاب القول الثاني على عدم جواز تغليظ اليمين في الزمان والمكان بالسنة والأثر.
أولًا: السنة:
روى البخاري ومسلمٌ عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه"(1). فالحديث دل على اليمين مطلقًا ولم يقيد بزمان أو مكان.
ثانيًا: الأثر:
ما روى الإِمام مالك عن دَاوُدَ بن الحصَيْنِ أنه سمع أَبَا غَطَفَانَ بن طَرِيفٍ المُرِّيَّ يقول: اخْتَصَمَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ الأنصَارِيُّ، وابن مُطِيعٍ في دَارٍ كانت بَيْنَهُمَا إلى مَرْوَانَ بن الحكَمِ وهو أَمِيرٌ على المدِينَةِ، فَقَضَى مَرْوَانُ على زيدِ بن ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ على المنْبَرِ، فقال زَيْدُ بن ثَابِتٍ: أحلف له مَكَانِي، قال: فقال مَرْوَانُ: لَا وَالله إلا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، قال: فَجَعَلَ زَيْدُ بن ثَابِتٍ يَحلِفُ أن حَقَّهُ لَحَقٌّ وَيَأْبَى أن يَحْلِفَ على المنْبَرِ، قال: فَجَعَلَ مَرْوَانُ بن الحكَمِ يَعْجَبُ من ذلك (2).
(1) صحيح البخاري، برقم (2379)، صحيح مسلم، برقم (1711).
(2)
موطأ مالك (2/ 728)، كتاب الأقضية، باب جَامِعِ ما جاء في الْيَمِينِ على المنْبَرِ، برقم (1410). ورواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم. صحيح البخاري (2/ 950)، كتاب الشهادات، باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره، رقم الباب (23). ووصله الحافظ ابن حجر في كتابه تغليق التعليق (3/ 392).