الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَتْوَى غَيْرِهِ من العُلَمَاءِ فَكَذَا في القَاضِي لَكِنْ مع هذا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَلَّدَ الجاهِلُ بِالأَحْكَامِ، لِأَنَّ الجاهِلَ بِنَفْسِهِ ما يُفْسِدُ أَكْثر مِمَّا يُصْلِحُ بَل يَقْضِي بِالبَاطِلِ من حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ. . . إلَّا أنَّهُ لو قُلِّدَ جَازَ عِنْدَنَا، لِأنَّهُ يَقْدِرُ على القَضَاءِ بِالحقِّ بعِلمِ غَيْرِهِ بِالِاسْتِفْتَاءِ من الفُقَهَاءِ فَكَانَ تَقْلِيدُهُ جَائِزًا. . . حتى يَنْفُذَ قَضَايَاهُ التي لم يجاوِزْ فيها حَدَّ الشَّرْعِ" (1).
الأدلة:
1 -
ما رواه أبو داود بسنده عن عليٍّ رضي الله عنه قال بَعَثَني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليَمَنِ قَاضِيًا، فقلت: يا رَسُولَ الله، تُرْسِلُنِي وأنا حَدِيثُ السِّنِّ، ولَا علم لي بِالقَضَاءِ، فقال:"إِنَّ الله سَيَهْدِي قَلبَكَ، وَيُثبتُ لِسَانَكَ، فإذا جَلَسَ بين يَدَيْكَ الخَصْمَانِ، فلا تَقْضِيَنَّ حتى تَسمَعَ من الآخَرِ كما سَمِعْتَ من الأوَّلِ، فإنه أَحْرَى أَنْ يَتبيَنَ لك القَضَاءُ" قال: فما زِلتُ قَاضِيًا، أو ما شَكَكْتُ في قَضَاءٍ بَعْدُ (2).
وجه الاستدلال:
أن الإِمام عليًا رضي الله عنه كان غير متأهل من الناحية العلمية وكان ينقصه الاجتهاد وقد ولاه النبي صلى الله عليه وسلم القضاء، وذلك يدل على عدم وجوب توفر شرط الاجتهاد.
2 -
إن تقليد المقلد أو حتى الجاهل يحصل به الغرض من القضاء، وهو فصل الخصومات وقطع المنازعات وإيصال الحق إلى مستحقه، إذ يمكن أن يقضي بعلم غيره بالرجوع إلى قوله ورأيه وفتواه (3).
(1) بدائع الصنائع (7/ 3).
(2)
تقدم (ص: 6).
(3)
بدائع الصنائع (7/ 3).
3 -
أن المقلد بالتزامه الحكم بمذهب معين ينفي عن نفسه تهمة الحكم بالهوى فضلا عما فيه من سرعة وصول القاضي إلى الحكم ومعرفة المتقاضيين بما يقضي به القاضي فيكون تقليده جائزًا لما فيه من هذه المصالح (1).
الترجيح: ومما تقدم يتبين لنا ما يلي:
رجحان رأي القائلين باشتراط الاجتهاد عند توفره وإمكانية شغل مناصب القضاء من المجتهدين. أما إذا لم يوجد المجتهد حقيقةً أو حكما، فإن الفقهاء متفقون على صحة تقليد المقلد أو الإلزام بالحكم بمذهب معين وذلك للضرورة عند الجمهور، ولجواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل عند الفريق الثاني، لكن لا يلزم من ذلك جواز تولية القاضي الجاهل بناء على أنه يمكنه الحكم بفتوى غيره؛ لأنه وإن عرف الحكم بفتوى غيره إلا أنه لا يعرف إيقاعه وتطبيقه على موضوع القضية المعروضة عليه؛ لأن ذلك يحتاج إلى زيادة نظر لا تتوفر عنده وعليه فأقل درجات المقلد من التأهل في العلم والفهم ويستطيع استخراج الحكم من كتب المذهب.
وينبغي أن نعلم أن مراد الحنفية بالجاهل في بعض كتبهم هو ما يقابل المجتهد، فلا يقصدون بالجاهل العامي المحض كما قد يتوهم، وإنما يقصدون الذي يكون على علم ولكنه مقلد لإمام معين.
على أن الاجتهاد في زماننا هذا أيسر مما كان في أي عصر مضى فقد جمعت العلوم وحررت ودونت ولكن المشكلة أين الهمم والنفوس العالية.
قال السفاريني: "إن الاجتهاد المطلق الآن أيسر منه في الزمن الأول؛ لأن الحديث والفقه قد دونا وكذا كل ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات القرآنية والآثار
(1) بدائع الصنائع (7/ 3).