الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
أن لا يكون مع أحد المتداعيين قرينة أقوي من القيافة، فإذا ادعى شخص ولدًا ولد على فراش رجل فإنه يحكم بالولد لصاحب الفراش ولا عبرة للقيافة.
ومن الوسائل الحديثة كما تقدم الحمض النووي (DNA) قد تستخدم هذه التقنية عند الاختلاف في النسب كما إذا ولدت امرأتان في مستشفى واختلط الأولاد وتعذر تمييزهم فيمكن تمييزهم عن طريق الحمض النووي.
الطريق السابع: قضاء القاضي بعلمه
.
المقصود بقضاء القاضي بعلمه أن يعتمد في حكمه على ما علمه اليقيني أو ظنه المؤكد (1).
حكم قضاء القاضي بعلمه:
أولًا: لا اختلاف بين الفقهاء أن للقاضي أن يحكم بعلمه في الجرح والتعديل (2).
ثانيًا: لا يختلف المذاهب الأربعة في عدم، جواز قضاء القاضي بعلمه في الحدود التي هي خالصة لله تعالى كالزنا وشرب الخمر (3)؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما في المتلاعنين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو رَجمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجمْتُ هذه"(4). وذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم بزناها.
(1) انظر: نهاية المحتاج (8/ 259)، إعانة الطالبين (4/ 235)، حاشية الجمل على شرح المنهج (5/ 349).
(2)
الاستذكار (7/ 93)، بداية المجتهد (2/ 351)، الحاوي الكبير للماوردي (16/ 321).
(3)
فتح القدير (7/ 314)، حاشية ابن عابدين (5/ 423)، بداية المجتهد (2/ 351)، الحاوي الكبير (16/ 324)، مغني الحتاج (4/ 190)، الغني لابن قدامة (10/ 101).
(4)
رواه البخاري (5/ 2036) في كتاب الطلاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لو كنت راجمًا بغير بينة" برقم (5004).
وأثر أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: "لو رأيت رجلًا على حد من حدود الله -تعالى- ما أخذته، ولا دعوت له أحدًا حتى يكون معه غيري"(1).
ولأن مبناها على الستر والاحتياط والدرء بالشبهات.
ثالثًا: اختلفوا فيما عدا ذلك هل يقضي بعلمه على أحد دون بينة أو إقرار:
القول الأول:
أن القاضي لا يحكم بعلمه في حقوق الآدميين، وسواء في ذلك علمه قبل الولاية وبعدها. وهو مذهب المالكية وغير الأظهر عند الشافعية، وظاهر مذهب الحنابلة، والمفتى به عند الحنفية لفساد الزمن (2).
واستدلوا بأدلة كثيرة أهمها ما يأتي:
1 -
حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلي وَلَعَلَّ بَعْضَكُم أَنْ يَكُونَ أَلحنَ بِحُجَّتِهِ من بَعْضٍ فَأَقْضِي على نَحْوِ ما أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ له بحق أخِيهِ شيئًا فلا يَأْخُذْهُ فَإِنَّما أَقْطَعُ له قِطْعَةً من النَّارِ"(3).
فدل الحديث على أنه إنما يقضي بما يسمع لا بما يعلم.
2 -
حديث وَائِلِ بن حُجْرٍ رضي الله عنه قال: كنت عِنْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ في أَرْضٍ فقال أَحَدُهُمَا: إِنَّ هذا انْتَزَى على أَرْضِي يا رَسُولَ الله في الجاهِلِيَّةِ -وهو أمرؤ الْقَيْسِ بن عَابِسٍ الْكِنْدِيُّ وَخَصْمُهُ رَبِيعَةُ بن عِبْدَانَ- قال: "بَيِّنَتُكَ"، قال: ليس لي بَيِّنَةٌ، قال:"يَمِينُهُ"، قال: إِذَنْ يَذْهَبُ بها! قال: "ليس لك
(1) قال ابن الملقن في البدر المنير (9/ 609): "رواه أحمد وإسنادُهُ صحيحٌ إليه".
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 423)، الاستذكار (7/ 94)، بداية المجتهد (2/ 352)، الحاوي الكبير (16/ 321)، المغني لابن قدامة (10/ 101)، الإنصاف للمرداوي (11/ 250).
(3)
رواه البخاري (6/ 2622) في كتاب الأحكام، باب موعظة الإِمام للخصوم برقم (6748).
إلا ذَاكَ"، قال: فلما قام لِيَحْلِفَ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقْتَطَعَ أَرْضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللهَ وهو عليه غَضْبَانُ" (1).
3 -
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم على صدقة فلاحاه رجل في فريضة فوقع بينهما شجاج فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فأعطاهم الأرش ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إني خاطب الناس ومخبرهم أنكم قد رضيتم أرضيتم" قالوا: نعم، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فخطب الناس وذكر القصة وقال:"أرضيتم" قالوا: لا، فهم بهم المهاجرون فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم صعد المنبر فخطب ثم قال:"أرضيتم" قالوا: نعم، فهذا بين في أنه لم يحكم عليهم بعلمه صلى الله عليه وسلم.
4 -
عن الضحاك قال: اختصم رجلان إلى عمر بن الخطاب ادعيا شهادته فقال لهما عمر رضي الله عنه: "إن شئتما شهدت ولم أقض بينكما وإن شئتما قضيت ولم أشهد"(2).
5 -
ولأن علمه كشهادته والشهادة لا تجوز بأقل من اثنين فلو جاز للقاضي أن يحكم بعلمه لصار إثبات الحق بشهادة واحد.
6 -
ولأنه لو صار القاضي كالشاهدين لصح عقد النكاح بحضوره وحده لقيامه مقام شاهدين وفي امتناع هذا دليل على منعه من الحكم بعلمه.
7 -
ولأن العلة في القضاء بالبينة أو الإقرار انتفاء التهمة والحاكم إذا قضى بعلمه كان مدعيًا علم ما لم يعلم إلا من جهته فكان متهما.
(1) رواه مسلم (1/ 124)، في كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق المسلم بيمين فاجرة بالنار، برقم (139).
(2)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (4/ 441)، برقم (21930).
القول الثاني:
يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه سواء في ذلك علمه قبل ولاية القضاء أم بعدها. وهو مذهب أبي يوسف ومحمَّد من الحنفية وهو المعتمد عندهم والأظهر عند الشافعية، ورواية عند الحنابلة (1).
واستدلوا بأدلة كثيرة أهمها ما يأتي:
قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} (2)، فدل على أنه يجوز أن يقفوا ما له به علم.
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قالت: يا رَسُولَ الله إِنَّ أَبا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي ما يَكْفِينِي وَوَلَدِي إلا ما أَخَذْتُ منه وهو لَا يَعْلَمُ؟ فقال: "خُذِي ما يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ بِالمَعْرُوفِ"(4). فلم يكلفها النبي صلى الله عليه وسلم البينة؛ لأنه يعلم صدقها وحال زوجها.
2 -
أنه إذا جاز أن يقضي بالشهادة وهي تفيد غلبة الظن، فلأن يجوز قضاؤه بعلمه الذي يفيد اليقين من باب أولى.
(1) الحاوي الكبير (16/ 322)، المغني لابن قدامة (10/ 101).
(2)
سورة الإسراء: 36.
(3)
سورة النساء: 135.
(4)
رواه البخاري (5/ 2052) في كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف، برقم (5049).
القول الثالث:
أنه يجوز للقاضي أن يقضي في حقوق الآدميين بما يعلمه في زمن توليه القضاء وفي المكان الذي تسري فيه ولايته، ولا يجوز له القضاء بما يعلمه في غير زمن توليه للقضاء ولا في مكانه ولايته وهو مذهب أبي حنيفة (1).
وعلل ذلك بأن علمه زمن توليه القضاء وفي مكان ولايته علم حاصل في حالة هو مكلف فيها بالقضاء فأشبه البينة القائمة عنده، بخلاف علمه قبل زمن توليه القضاء وخارج مكان ولايته إذ هو غير مكلف بالقضاء في هذه الحالة.
الترجيح: الراجح قول الجمهور لما استندوا إليه وسدًا لباب الفساد لا سيما في الزمن الحاضر، وليس أحد من القضاة كرسول الله صلى الله عليه وسلم مهما بلغ من الورع والعدل.
(1) فتح القدير (7/ 314)، حاشية ابن عابدين (5/ 423)، مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (3/ 233 - 234).