الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يصلح قاضيًا؛ لأن الشهادة أقل رتبه من القضاء لخصوصها وعموم القضاء وما لا يصلح للأدنى لا يصلح للأعلى (1).
أدلة من قال بصحة ولاية الفاسق:
1 -
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (2).
وجه الاستدلال: إن الأمر بالتبيّن عند إخبار الفاسق دليل على قبول خبره بعد التبيّن وإلا لما كان للأمر بالتبين معنى.
وأجيب: أنه ليس المراد بالتبيّن التثبت كما قال بذلك الحنفية وإنما المراد أن شهادة الفاسق تثير ظنًا وشبهةً ولكن هذا الظن لا يكفي للقبول فهو محمول على غير القضاء أما القضاء، فإنه يترتب عليه تأخير تنفيذ حكم القاضي إلى بعد التبين، وهذا لا يليق بمنصب القضاء لوجوب صدور الحكم فورًا (3).
2 -
ما رواه مسلم بسنده عن أبي ذَرٍّ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيْفَ أنت إذا كانت عَلَيْكَ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عن وَقْتِهَا، أو يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ (4) عن وَقْتِهَا؟ " قال قلت: فما تَأْمُرُني؟ قال: "صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، فَإِنْ أَدْرَكتَهَا مَعَهُمْ فَصَلِّ، فَإِنَّهَا لك نَافِلَةٌ". وفي رواية لمسلم أيضًا عن أبي ذَزٍّ أيضًا قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أَبا ذَرٍّ أنه سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ، فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا،
(1) المغني (14/ 14).
(2)
سورة الحجرات: 6.
(3)
نظام القضاء في الإِسلام للمرصفاوي (ص: 18).
(4)
معنى يميتون الصلاة: يؤخرونها فيجعلونها كالميت الذي خرجت روحه، والمراد بتأخيرها عن وقتها أي: عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحدٌ منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع. شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 147).
فَإِنْ صَليْتَ لِوَقْتِهَا كانت لك نَافِلَةً وَإِلَّا كنْتَ قد أَحْرَزْتَ (1) صَلَاتَكَ" (2).
وجه الاستدلال: إن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر فسق ومع ذلك صحح النبي صلى الله عليه وسلم توليتهم على الإمارة والقضاء.
وقد أجيب عن هذا: بأن الحديث سيق للإخبار بوقوع ذلك بعده صلى الله عليه وسلم وهذا لا يدل على مشروعية فعلهم ومع هذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بكونهم أمراء لا بصحة توليتهم على القضاء (3).
3 -
إذا قبلت شهادة الفاسق صح قضاؤه؛ لأن أهلية القضاء مستفادة من أهلية الشهادة (4).
وأجيب عنه بأن المقيس عليه معدوم: لأن شهادة الفاسق لا تصح، ومع تسليمنا بقبول شهادة الفاسق، فإن قياس القضاء على الشهادة قياس أدنى؛ لأن القضاء أعلى مرتبة من الشهادة والقياس مع الفارق لا يصح.
4 -
وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَجَازُوا حُكْمَ من تَغَلَّبَ من الأُمَرَاءِ وَجَارَ وَتَقَلَّدُوا منه الأَعْمَالَ وَصَلَّوْا خَلفَهُ وَلَوْلَا أَنَّ تَوْلِيَتَهُ صَحِيحَةٌ لمَا فَعَلُوا ذلك (5).
وأجيب عن هذا: بأن الصحابة فعلوا ذلك للأدلة الدالة على طاعة الإِمام ولو كان فاسقا وهذا لا يدل على مشروعية فعل الأمراء في تغلبهم وجورهم
(1) قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي: حصلتها وصنتها واحتطت لها. شرح النووي على صحيح مسلم (5/ 148).
(2)
صحيح مسلم (1/ 448)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، بَاب كَرَاهِيَةِ تأْخِيرِ الصلاةِ عن وَقْتِهَا المخْتَارِ وما يَفْعَلُهُ المَأمُومُ إذا أَخَّرَهَا الإِمَامُ، برقم (648).
(3)
المغني (14/ 14)، مذكرة في علم القضاء للدكتور عبد العال عطوة (ص: 70).
(4)
شرح العناية على الهداية المطبوع بهامش فتح القدير (5/ 453). ط: دار صادر.
(5)
تبيين الحقائق (4/ 176).
والنزاع في صحة ولايتهم لا توليتهم (1).
5 -
لو اعتبرنا العدالة شرطًا في صحة الولاية لانسد باب القضاء خصوصًا في هذا الزمان الذي قل عدوله (2).
أجيب عن هذا: بأن فقدان العدول وخلو الزمان منهم لا نسلمه؛ للأدلة الدالة على ذلك كقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3) فحفظ القرآن والدين يقتضي وجود فئة من الناس تتعلمه وتعي أحكامه ومن ثم تطبقه في واقعها وتنشره في الأمة وهذا شاهد على مر العصور.
وكذلك ما رواه البخاري بسنده عن المُغِيرَةِ بن شُعْبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تزال طَائِفَةٌ من أُمَّتي ظَاهِرِينَ حتى يَأتِيَهُمْ أَمْرُ الله وَهُمْ ظَاهِرُونَ"(4).
وعلى فرض وجود العدل في جماعة من المسلمين في مكان أو زمان ما وجواز قضاء الفاسق للضرورة فلا يلزم من ذلك جواز قضائه لما علم أنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها، قال الغزالي: فإن تعذرت الشروط وغلب على الولايات متغلبون فسقه فكل من ولاه صاحب شوكة نفذ حكمه للضرورة كما ينفذ حكم البغاة وإن لم يصدر عن رأي الإِمام (5).
الترجيح: الراجح -والله أعلم- هو مذهب الجمهور لقوة أدلتهم؛ ولأن القضاء أمانة عظيمة مرهون به الحفاظ على الضرورات الخمس فلا يستطيع القيام
(1) المغني (14/ 14).
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 356).
(3)
سورة الحجر الآية: 9.
(4)
صحيح البخاري (6/ 2667)، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا تَزَالُ طَائِفَة من أُمَّتي ظَاهِرِينَ على الحَقِّ" وَهُمْ أَهْلُ العِلمِ، برقم (6881).
(5)
الوجيز (2/ 237 - 238).