الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنكول المدعى عليه بل لا بد من بينة أو إقرار، وإن كان المدعي لا يعلم بما يدعيه قطعًا بل المدعى عليه هو المنفرد بمعرفته ونكل المدعى عليه عن اليمين حكم بالنكول ولم ترد اليمين على المدعي.
وبه قال ابن تيمية وابن القيم (1).
الترجيح: ولعل القول الأخير هو الراجح؛ لما فيه من العمل بالأدلة كلها.
الطريق الخامس: القضاء بالقرائن
.
القرينة لغة: مأخوذة من قرن الشيء بالشيء أي سنده إليه ووصله به، كجمع البعيرين في حبل واحد، وكالقران بين الحج والعمرة، أو كالجمع بين التمرتين عند الأكل، وتأتي المقارنة بمعنى المرافقة والمصاحبة، ومنه ما يطلق على الزوجة قرينة، وعلى الزوج قرين (2).
وفي الاصطلاح: أمارة يستدل بها على المطلوب (3).
وقال في موسوعة الفقه الإِسلامي: "القرينة: هي التي توجد عند الإنسان علمًا بموضوع النزاع والاستدلال يكاد يكون مماثلًا للعلم الحاصل من الشاهد والعيان"(4).
مشروعية الحكم بالقرائن:
الأدلة على مشروعية القرائن من الكتاب والسنة.
(1) الطرق الحكمية (ص: 87، 122 - 124).
(2)
لسان العرب (13/ 335)، المصباح (2/ 686)، المعجم الوسيط (2/ 730).
(3)
انظر: التعريفات (ص: 174)، شرح مجلة الأحكام العدلية (1/ 353).
(4)
موسوعة الفقه الإِسلامي (2/ 168).
فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ} (1).
قال القرطبي: "لما أرادوا أن يجعلوا الدم علامة على صدقهم قرن الله بهذه العلامة علامة تعارضها وهي سلامة القميص من التنييب إذ لا يمكن افتراس الذئب ليوسف وهو لابس القميص ويسلم القميص من التخريق ولما تأمل يعقوب عليه السلام القميص فلم يجد فيه خرقًا ولا أثرًا استدل بذلك على كذبهم، وقال لهم: متى كان هذا الذئب حكيمًا يأكل يوسف ولا يخرق القميص"(2).
قال ابن فرحون: "استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل كثيرة من الفقه"(3).
وقوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} (4). هذه الآيات أصل في الحكم بالقرائن.
قال الشنقيطي: "يفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين وكذب الآخر؛ لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب؛ لأن كون القميص مشقوقًا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها وهي تنوشه من خلفه"(5).
(1) سورة يوسف: 18.
(2)
تفسير القرطبي (9/ 149).
(3)
تبصرة الحكام (2/ 117).
(4)
سورة يوسف: 26 - 28.
(5)
أضواء البيان (2/ 215 - 216).
ومن السنة: ما رواه البخاري ومسلمٌ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: "أن تسكت"(1).
وجه الدلالة من الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل صمات البكر قرينة على رضاها، ويعتبر هذا الحديث من أقوى الأدلة على الحكم بالقرائن.
وروى البخاري ومسلمٌ أيضًا عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال: يا عم هل تعرف أبا جهل قال: قلت: نعم وما حاجتك إليه يا ابن أخي قال: أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال: فتعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال: مثلها قال: فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت: ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال: فابتدراه فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه فقال: "أيكما قتله" فقال كل واحد منهما: أنا قتلته فقال: "هل مسحتما سيفيكما" قالا: لا، فنظر في السيفين فقال:"كلاكما قتله" وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. والرجلان: معاذ ابن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء (2).
فإن نظر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السيفين عمل بالقرينة ليرجح من القاتل بما يراه من أثر الطعان وصبغ الدم فأعطى السلب لمعاذ بن عمرو بن الجموح لوجود علامات على سيفه تشير إلى أن سيفه أنفذ مقاتل أبي جهل فكان هو المؤثر في قتله.
(1) صحيح البخاري، برقم (4843)، صحيح مسلم، برقم (1419).
(2)
صحيح البخاري، برقم (2972)، صحيح مسلم، برقم (1752).