الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدله:
1 -
قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1).
وجه الاستدلال:
فإن الرد إلى الله معناه الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول معناه الرد إلى سنته ولا يتأتى الرد إلى الكتاب والسنة إلا من المجتهد فلا بد أن يكون من يفصل في النزاع مجتهدا.
2 -
قال تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} (2)، وقوله تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (3).
وجه الاستدلال:
أن الآيتين تأمران بالقضاء بالحق والعدل، والقضاء بهما لا يتحقق على وجه الكمال إلا من المجتهد؛ لأنه هو الذي يستطيع الوصول إلى الحكم الشرعي الذي هو الحق؛ لأن الجاهل لا يعرف الحق ولو قيل: إنه يسأل غيره، فإن الأمر سوف يختلط عليه؛ لأنه لا يستطيع تحديد ما يسأل فيه أو موضوع السؤال كما أنه لا يعرف من يسأل ومن لا يسأل والمقلد لا يعرف الحق كذلك؛ لأن الحق لا يعرف إلا بدليل، ثم إن الحوادث كثيرة والنصوص محدودة والقاضي لا يجد في كل حادثة نصًا خاصًا بها فيضطر إلى الاستنباط للوصول إلى الحكم فلو لم يكن مجتهدًا لما استطاع الوصول إليه ويؤيد ذلك قوله: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ
(1) سورة النساء: 59.
(2)
سورة ص: 26.
(3)
سورة المائدة: 42.
مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (1). فبين أن الذين يستطيعون الوصول إلى النصوص والقادرين على ذلك هم المجتهدون (2).
3 -
من السنة حديث معاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَه إلى اليَمَنِ قال: "كيْفَ تَقْضي إذا عَرَضَ لك قَضَاءٌ؟ " قال: أَقْضِي بِكِتَابِ الله قال: "فَإِنْ لم تَجِدْ في كِتَابِ الله؟ " قال: فَبِسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فَإِنْ لم تَجِدْ في سُنَّةِ رسول الله ولا في كتَابِ الله؟ " قال: أَجْتَهِدُ رَأْيِي ولا آلُو، فَضَرَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم صَدْرَهُ وقاَل:"الحَمْدُ لله الذي وَفَّقَ رَسُولَ رسول الله لمِا يُرْضِي رَسُولَ الله"(3) فهذا واضح في أن القاضي لا بد أن يكون مجتهدًا، إذ إقرار الرسول لمعاذ على الاجتهاد بيان للصفة المعتبرة في القاضي دون غيرها إذ لو كان التقليد والحكم بقول الغير جائزًا لبينة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قال له:"فإن لم يمكنك ذلك"؛ لأن الاقتصار في مقام
(1) سورة النساء: 83.
(2)
المهذب (2/ 291).
(3)
رواه أبو داود (3/ 303)، كتاب الأقضية، باب اجتهاد الرأي في القضاء، برقم (3592). وهو في مسند أحمد بن حنبل (5/ 236)، وفي سنن الترمذيُّ، برقم (1327)، وفي المعجم الكبير (20/ 170)، برقم (362)، وفي سنن البيهقي الكبرى (10/ 114)، برقم (20126).
قال ابن الملقن: هذا الحديث كثيرًا ما يتكرر في كتب الفقهاء والأصول والمحدثين ويعتمدون عليه وهو حديث ضعيف. البدر المنير (9/ 534).
وقال ابن حجر: قال التِّرْمذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إلَّا من هذا الوَجْهِ وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ، وقال البُخَارِيُّ في تَارِيخِهِ: الحَارِثُ بن عَمْرٍو عن أَصْحَابِ مُعَاذٍ وَعَنْهُ أبو عَوْنٍ، لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بهذا، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ في العِلَلِ: رَوَاهُ شُعْبةُ عن أَبي عَوْنٍ هَكَذَا وَأَرْسَلَهُ ابن مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَاتٌ عنه، وَالمُرْسَلُ أَصَحُّ. التلخيص الحبير (4/ 182).
قال شعيب الأرنؤوط: الحديث ضعيف لإبهام أصحاب معاذ وجهالة الحارث بن عمرو لكن مال إلى القول بصحته غير واحد من المحققين من أهل العلم منهم أبو بكر الرازي، وأبو بكر بن العربي، والخطيب البغدادي، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 202) مسند الإِمام أحمد (36/ 333). تحقيق شعيب الأرنؤوط.
البيان يفيد الحصر وتأخيره عن وقت الحاجة لا يجوز.
4 -
العامي جاهل بالحكم فهو يقضي بجهل ويدخل في الذم الوارد فيما رواه بُرَيْدَةَ عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، رجل عرف الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل عرف الحق فلم يقض به وجار في الحكم فهو في النار، ورجل لم يعرف الحق فقضى للناس عن جهل فهو في النار"(1).
5 -
التقليد ضرورة لا يباح إلا لمضطر للتقليد فإذا كانت لدى الإنسان الأهلية لأخذ الأحكام من مصادرها الأصلية فإنه يحرم عليه أن يقلد إماما؛ لأن الله سبحانه لم يتعبد الناس يقول فلان أو فلان.
أما إذا كان الشخص غير قادر على أخذ الأحكام من مصادرها الأصلية: فإنه يكون مضطرًا إلى التقليد، والضرورة تقدر بقدرها فهي مقصورة على المقلد ومن ثم لا يكون له أن يلزم المتقاضين بما التزمه هو من رأي من قلده؛ لأنه إذا ألزمهم بذلك يكون فيه تعدية للضرورة إليهم (2).
ب- وذهب الحنفية إلى عدم اشتراط الاجتهاد في القاضي فيجوز تقليد المقلد.
قال الكاساني: "وَأَمَّا العِلمُ بِالحلَالِ وَالحَرَامِ وَسَائِرِ الأَحْكَامِ فَهَل هو شَرْطُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ عِنْدَنَا ليس بِشَرْطِ الجوَازِ بَل شَرْطُ النَّدْب وَالِاسْتِحْبَابِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الحديث كَوْنُهُ عَالِمًا بِالحلَالِ وَالحَرَامِ وَسَائِرِ الأحْكَامِ مع بُلُوغِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ في ذلك شَرْطُ جَوَازِ التَّقْلِيدِ كما قالوا في الإِمَامِ الأَعْظَمِ وَعِنْدَنَا هذا ليس بِشَرْطِ الجَوَازِ في الإِمَامِ الأَعْظَمِ، لِأَنهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْضيَ بِعِلمِ غَيْرِهِ بِالرُّجُوعِ إلَى
(1) تقدم (ص: 16).
(2)
نظام القضاء في الإِسلام للمرصفاوي (ص: 21).