الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحكيم
التّحكيم في اللّغة: مصدر حكّمه يحكّمه إذا جعل إليه الحكم، تقول: حَكَّمَهُ في الأَمْرِ تَحْكِيمًا إذا أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بينهم أو أَجازَ حُكْمَه فيما بَيْنَهُم (1). ومن ذلك كله قوله تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (2) أي يجعلونك حكمًا بينهم في خصوماتهم.
وفي الاصطلاح: تولية الخصمين حاكمًا يحكم بينهما (3).
مشروعية التحكيم:
يدل على مشروعية التحكيم الكتاب والسنة والإجماع.
أمّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (4)، فقد أمر الله تعالى بتحكيم حكمين للفصل بين الزوجين عند خوف الشقاق بينهما، قال القرطبيّ:"وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم"(5).
وأمّا السُّنَّة: فما رواه البخاري ومسلمٌ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سَعْد بن مُعَاذٍ، بَعَثَ (إليه) رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان قَرِيبًا منه، فَجَاءَ على حِمَارٍ، فلما دَنَا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ" فَجَاءَ
(1) انظر: جمهرة اللغة، مادة "حكم"(1/ 564)، الحكم والمحيط الأعظم (3/ 49)، مختار الصحاح، مادة:"حكم"(ص: 62)، تاج العروس (31/ 511)، مادة:"حكم".
(2)
سورة النساء: 65.
(3)
البحر الرائق (7/ 24).
(4)
سورة النساء: 35.
(5)
تفسير القرطبي (5/ 179).
فَجَلَسَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "إِنَّ هَؤُلَاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ" قال: فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ المقَاتِلَةُ، وَأَنْ تسبي الذُّرِّيَّةُ، قال:"لقد حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الملِكِ"(1). وفي لفظ لمسلم: "قضيت بحكم الله".
وما رواه أبو داود بسنده عن شُرَيْحٍ عن أبيه هَانِيءٍ أنَّهُ لَمَّا وَفَدَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بأَبِي الحكَمِ، فَدَعَاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إِنَّ الله هو الحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الحُكْمُ؛ فَلِمَ تُكْنَّى أَبَا الحكَمِ؟ " فقال: إِنَّ قَوْمِي إذا اخْتَلَفُوا في شَيْءٍ أَتوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ فرَضِيَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أَحْسَنَ هذا"(2). ووجه ذلك تحسينه صلى الله عليه وسلم تحكيم قوم شريح وإقراره ذلك.
وقد ثبت التحكيم من أفعال الصحابة رضي الله عنهم وأقوالهم ومن ذلك ما رواه الشعبي قال: "كان بين عمر وأُبي بن كعب رضي الله عنهما خصومة فجعلا بينهما زيد بن ثابت فأتياه فضربا الباب فخرج إليهما فقال: ألا أرسلت إلي يا أمير المؤمنين؟ فقال: في بيته يؤتى الحكم، فدخلا فقال: في الرحب والسعة وألقى له وسادة، فقال: هذا أول جورك، فتكلما فقال لأُبي: بينتك وإن رأيت أن تعفي أمير المؤمنين من اليمين فافعل، فقال أُبي: نعفيه ونصدقه، فقال عمر رضي الله عنه: أيقضى علي باليمين ثم لا أحلف فحلف فلما وجبت له الأرض وهبها لأُبي" وفي لفظ: "فحلف عمر رضي الله عنه ثم أقسم: لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء"(3).
(1) تقدم تخريجه في أقسام القضاء.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة [1/ 400 (1268)]، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (10/ 136، 145، 144)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (19/ 318). وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (4/ 18): رواه الْبَيْهَقِيُّ من حديث عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وسكت عليه.