الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
روى الدارقطني بسنده عن عائذ بن عمرو المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الإِسلام يعلو ولا يعلى"(1)، فمنع هذا الخبر من أن يكون في الإِسلام ولاية لغير المسلم.
3 -
أن الفاسق المسلم أحسن حالًا من الكافر لجريان أحكام الإِسلام عليه وحيث منع الفاسق من ولاية القضاء فإن من الأولى أن يمنع منها الكافر (2).
4 -
أن القضاء في الدولة الإِسلامية يعتبر جزءًا من الولاية العامة التي يقوم بها رئيس الدولة أو ينيب عنه غيره للقيام بها، فالقاضي يتولى حل النزاعات القائمة بين غير المسلمين؛ لأنه يمثل الولاية العامة التابعة لرئيس الدولة الإِسلامية (3). وبناء على ذلك فلا يجوز أن يتولى منصب القضاء إلا مسلم.
أدلة الحنفية:
1 -
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (4) فقد أفادت الآية ولاية بعضهم على بعض فيتناول ذلك ولاية القضاء.
2 -
أن العمل في البلاد الإِسلامية من فجر التاريخ الإِسلامي قد جرى على تعيين قضاة من أهل الذمة ليحكموا بينهم (5).
3 -
أنه تجوز شهادة الذمي على مثله فيجوز قضاء الذمي على مثله؛ لأن
(1) سنن الدارقطني (3/ 252)، برقم (30)، وهو في سنن البيهقي الكبرى (6/ 205)، برقم (11935). قال الحافظ: أخرجه الدارقطني من حديث عائذ بن عمرو المزني بسند حسن.
(2)
الحاوي الكبير (16/ 158).
(3)
النظام القضائي في الفقه الإِسلامي للدكتور محمَّد عثمان (ص: 72).
(4)
سورة المائدة: 51.
(5)
رد المحتار (5/ 355).
أهلية القضاء تتبع أهلية الشهادة (1).
الراجح: هو قول الجمهور لما استدلوا به ولأن الحكم في بلاد الإِسلام لشريعة الإِسلام حتى لو ترافعوا إلينا حكمنا بينهم بشريعتنا، وغير المسلم لا يؤمن على تطبيق شرع الإِسلام حيث لا يؤمن به. ولكن لو حكم بعضهم فيما بينهم من النزاعات ورضوا به ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض لهم.
5 -
سلامة الحواس: التي لها اتصال بالقضاء وهي السمع، والبصر، والكلام، فإذا اجتمعت الآفات الثلاث في شخص فلا يجوز تقليده القضاء حينئذ؛ لأنه لا تقبل شهادته، فلا تقبل ولايته؛ لأن الشهادة ولاية خاصة والقضاء ولاية عامة (2). وأما التفصيل فيها فكما يلي:
أما السمع: فيشترط في القاضي أن يكون سميعا فلا تصح ولاية الأصم القضاء؛ لأنه لا يسمع كلام الخصوم فلا يفرق بين إقرار وإنكار ولا يميز بين أصوات الخصوم والشهود ولا يستطيع أن يتحقق من أصوات كل منهم من أجل التحقق من الصدق أو الكذب في الادعاء المقام أمامه أو مدى صدق الشهود أو كذبهم (3).
أما ثقيل السمع: وهو الذي يسمع عالي الأصوات ولا يسمع خافتها ويسمى الأطرش فتقليده جائز صحيح؛ لأنه يسمع الكلام عند الأئمة الثلاثة وهو أصح القولين عند الحنفية وإن كان الأفضل تقليد كامل السمع (4).
(1) فتح القدير لابن الهمام (5/ 499).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 3)، قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي (ص: 195)، الحاوي الكبير (16/ 155)، المغني (14/ 13).
(3)
المرجع السابق.
(4)
الدر المختار مع حاشيته رد المحتار (5/ 359 - 360)، تبصرة الحكام (1/ 26)، الحاوي الكبير (16/ 155)، الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/ 517).
وأما البصر (1): فإن به يمكن التمييز بين الخصوم من مدع ومدعى عليه أو مقر ومقر له، بالإضافة إلى استطاعة القاضي التمييز بين الشهود وحاسة البصر لها أهمية كبرى في بيان ما يظهر على الماثلين أمام القاضي من تأثيرات تبدو على وجوههم وتصرفاتهم نتيجة الاطمئنان أو الخوف أو الذعر وهذا كله يساعد على إثبات صدقهم أو كذبهم سواء في الادعاء أو الشهادة فلا يصح تقليد الأعمى القضاء عند الجمهور؛ لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه، ولا المقر من المقر له، ولا الشاهد من المشهود له أو عليه، فيدخل الخلل على المقصود من القضاء فلا يجوز تقليده.
قال ابن فرحون: "وأما سلامة السمع والبصر، فإن القاضي عياض حكى فيه الإجماع من العلماء، مالك وغيره وهو المعروف إلا ما حكاه الماوردي (2) عن مالك أنه يجوز قضاء الأعمى وذلك غير معروف، ولا يصح عن مالك؛ ولأنه لا يتأتى قضاء ولا ضبط ولا ميز محق من مبطل ولا تعيين طالب من مطلوب ولا شاهد من مشهود عليه من الأعمى"(3).
قال الخطيب الشربيني: "لا يولى أعمى ولا من يرى الأشباح ولا يعرف الصور؛ لأنه لا يعرف الطالب من المطلوب فإن كان يعرف الصور إذا قربت منه صح، وخرج بالأعمى الأعور فإنه يصح توليته وكذا من يبصر نهارًا فقط دون من يبصر ليلًا فقط وهو الأعشى"(4).
ويلاحظ عمليًا أنه قد تولى بعض الأكفاء القضاء في المملكة العربية
(1) المغني (14/ 13)، مغني المحتاج (4/ 375).
(2)
الأحكام السلطانية (ص: 84).
(3)
تبصرة الحكام (1/ 22 - 23).
(4)
مغني المحتاج (4/ 375).
السعودية وغيرها قديما وحديثا وأثبتوا كفاءات عالية مما يجعلنا نقول بجواز تولي الأعمى لمنصب القضاء إذا كان بصيرًا بقلبه حاذقًا فطنًا قادرًا على إدراك خفايا الأمور.
وأما الكلام: فهو شرط فلا يصح تقليد الأخرس القضاء؛ لأنه لا يمكنه النطق بالحكم ولا يفهم جميع الناس إشارته فيدب الخلل إلى القضاء (1).
وجوز أبو العباس ابن سريج ولايته وتقليده إذا كانت إشارته مفهمة (2).
وهذا رأي مردود؛ فإن إشارته لا يفهمها كل من يتقاضى إليه، فالناس يتقاضون إليه من كل مكان فلا يفهم الناس قضاءه فيمتنع تقليده (3). وقد يقال بجواز تقليده للقضاء بين المصابين بالخرس فقط.
وقد استدل الجمهور على عدم جواز تولية أصحاب هذه العاهات الثلاث بأن هذه العاهات تمنع من قبول الشهادة فتمنع من تولية القضاء من باب أولى؛ لأن الشهادة دون القضاء لخصوصها وعموم القضاء (4).
أما سلامة الأعضاء من العاهات الأخرى: فلا تشترط قال الماوردي: "أما سلامة الأعضاء فغير معتبرة فيه وإن كانت معتبرة في الإمامة فيجوز أن يقضي وإن كان مقعدًا ذا زمانه وإن كانت السلامة من الآفات أهيب لذوي الولاية، ومثل هذا يقال في شأن ضعيف النطق أو السمع أو البصر لعدم فوات المقصود من ولايته القضاء"(5).
(1) المغني (13/ 14).
(2)
الحاوي الكبير (16/ 155).
(3)
المغني (14/ 13).
(4)
المرجع السابق.
(5)
الأحكام السلطانية (ص: 84)، نظام القضاء في الإِسلام للمرصفاوي (ص: 15).