الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لآخر ليقوم مقام نفسه أمام المحكمة المختصة (1)، وقيل: تفويض شخص لآخرَ ليقوم مقامه بالدعوى ابتداءً أو الجواب عنها اعتراضًا أمام المحكمة المختصة في تصرف معلوم قابل للنيابة ممّن يملكه غير مشروط بموته (2).
مشروعيتها:
لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية الوكالة في الخصومة والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} (3) حيث طلب موسى إرسال أخيه هارون معه عونًا له فقد قال قتادة وغيره: ردءًا أي عونًا، وقال ابن إسحاق: أي يبين لهم ما أكلمهم فإنه يفهم عني ما لا يفهمون (4). وقد استجاب الله له ذلك في قوله: {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى} (5)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:"شكا موسى إلى ربه ما يتخوف من آل فرعون في القتيل وعقدة لسانه فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءًا ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه فآتاه سؤله"(6). وفي ذلك دليل على مشروعية الاستعانة بالمعين في الإفصاح عن الحق وإظهار الحجة.
(1) المرجع السابق.
(2)
نظام المحاماة في الفقه الإِسلامي وتطبيقاته في المملكة العربية السعودية، د. محمَّد بن علي آل خريف (ص: 75).
(3)
سورة القصص: 34.
(4)
تفسير ابن أبي حاتم (9/ 29977)، تفسير عبد الرزاق (3/ 91)، تفسير ابن كثير (3/ 148).
(5)
سورة طه: 36.
(6)
تفسير ابن كثير (3/ 148).
وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (1).
ومن السنة: حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومًا أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره" رواه البخاري (2). فقد أمر صلى الله عليه وسلم بنصرة المسلم وهو عام في جميع أوجه النصرة فدخلت المحاماة في هذا العموم.
وعن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه قال: انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة ابن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله ابن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن ابن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال: "كبر كبر" -وهو أحدث القوم- فسكت، فتكلما، فقال:"تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم؟ " قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ قال: "فتبرئكم يهود بخمسين"، فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، متفق عليه (3).
قال أبو جعفر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كبر كبر": "يريد يلي الكلام في ذلك أكبر سنًا فتكلم حويصة ثم محيصة وكان الوارث عبد الله بن سهل دونهما فكانا وكيلين. (4)
(1) سورة النساء: 105.
(2)
صحيح البخاري (6/ 2550)، برقم (6552).
(3)
صحيح البخاري [3/ 1158 (3002)]، وصحيح مسلم [3/ 1294 (1669)].
(4)
مختصر اختلاف العلماء (4/ 68).
ومن الآثار: عن عبد الله بن جعفر قال: "كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يكره الخصومة فكان إذا كانت له خصومة وكل فيها عقيل بن أبي طالب، فلما كبر عقيل وكلني"(1).
وعن محمَّد بن إسحاق عن رجل من أهل المدينة يقال له جهم عن علي رضي الله عنه: "أنه وكل عبد الله بن جعفر بالخصومة فقال: إن للخصومة قحما (2) "(3).
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على جواز التوكيل في المطالبة بالحقوق والخصومة ونحوها، قال ابن المنذر:"وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن للمريض العاجز عن الخروج إلى مجلس الحكم والغائب عن المصر أن يوكل كل واحد منهما وكيلًا يطلب له حقه ويتكلم عنه"(4).
وقال ابن هبيرة: "واتفقوا على أن الوكالة من العقود الجائزة في الجملة وأن كل ما جازت به النيابة من الحقوق جازت الوكالة فيه كالبيع والشراء والإجارة وقضاء الدين والخصومة في المطالبة بالحقوق والتزويج والطلاق وغير ذلك"(5).
وقال السرخسي: "وقد جرى الرسم على التوكيل على أبواب القضاة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير منكر ولا زجر زاجر"(6).
(1) رواه البيهقي (6/ 81).
(2)
القحم المهالك وأصلها من التقحم؛ لأنه يتقحم المهالك. وقال ابن الأثير: هي الأمور العظيمة الشاقة واحدتها قحمة. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد (3/ 451)، النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير (4/ 19).
(3)
رواه البيهقي (6/ 81).
(4)
الإجماع (ص: 128).
(5)
الإفصاح (1/ 452).
(6)
المبسوط للسرخسي (19/ 4).