الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما الحكم إذا قضى في حالة غضب
؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى صحة القضاء مع الكراهة لما رواه البخاري بسنده عن عُرْوَة بن الزُّبَيْر: أَنَّ الزُّبَيْرَ كان يحدث: أنَّه خاصَمَ رَجُلًا من الأنصَار -قد شَهِدَ بَدْرًا- إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في شِرَاجٍ (1) من الحَرَّةِ، كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كلاهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ:"اسْقِ يا زُبيْرُ، ثمَّ أَرْسِل إلى جَارِكَ" فَغَضِبَ الأنصَارِيُّ، فقال: يا رَسُولَ الله، أن كان ابن عَمَّتِكَ؟ فتلَونَ وَجْهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قال:"اسقِ، ثُمَّ احْبِسْ حتى يَبْلُغَ الجَدْرَ"(2) فَاسْتَوْعَى رسول الله صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ حَقَّهُ لِلزُّبَيْرِ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك أَشَارَ على الزُّبَير بِرَأْيٍ سَعَةٍ له وَللأنصَارِيِّ، فلما أَحْفَظَ (3) الأنصَارِيُّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقّهُ في صَرِيحِ الحُكْمِ (4).
فقد حكم الرسول في حالة غضبه وهذا يدل على الصحة وأن النهي يفيد الكراهية. وذهب القاضي من الحنابلة: إلى أنه لا يصح حال الغضب ولا ينفذ؛ لأنه منهي عنه والنهي يقتضي الفساد.
وأجاب عن الحديث بأن القضاء عند الغضب خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم، لكن التخصيص لم يقم عليه دليل؛ ولذا فلا يعتبر، وكتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى ينهاه عن ذلك؛ ولأنه إذا غضب تغير عقله ولم يستوف رأيه وفكره.
وذهب فريق إلى أن الغضب يمنع القاضي من الحكم إذا كان الغضب قبل أن يتضح له الحكم في المسألة أما إذا اتضح له الحكم ثم عرض الغضب، فإن ذلك
(1) الشرج: مسيل الماء من العَسِر إلى السهل. عمدة القاري (12/ 201).
(2)
قوله: احبس الماء حتى يبلغ الجدر فبلغ ذلك إلى الكعبين. فتح الباري (5/ 40).
(3)
أحفظه: أغضبه. المعجم الوسيط (1/ 185).
(4)
صحيح البخاري (2/ 964)، كتاب الصلح، بَاب إذا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلحِ فَأَبَى حَكَمَ عليه بِالحُكْمِ البَيِّنِ، برقم (2561).
لا يمنعه؛ لأن الحق قد استبان قبل الغضب فيه وقد رجح ابن جر هذا التفصيل، وقال: وهو تفصيل معتبر (1).
10 -
أن ينظر في أمر المحبوسين؛ لأن الحبس عذاب وربما كان فيه من لا يستحق البقاء فيه بل ينبغي أن ينظر في المحبوسين من قبل القضاة الذين سبقوه.
11 -
على القاضي أن يقدم الخصوم بحسب ترتيبهم في الحضور فيقدم من حضر أولًا من المدعين ثم من حضر بعده وهكذا ويستثنى من هذا ثلاثة أصناف:
1 -
الغرباء فيقدم قضاياهم على أهل المقر إلا إذا كانوا كثيرين فيخلطهم بأهل المقر.
2 -
الشهود فيقدمهم على من ليس معهم شهود؛ لأن إكرام الشهود واجب وليس من الإكرام حبسهم على باب القاضي فإن كانوا كثيرين أقرع بينهم فقدم من خرجت قرعته.
3 -
النساء فإنه يقدمهن على الرجال حتى لا يطول وقوفهن خارج البيوت، فإن خروجهن ضرورة وتقع الفتنة فيما لو خلطهن بالرجال (2).
12 -
يسوى بين الخصمين في الجلوس فيجلسهما بين يديه ولا يجلسهما عن يمينه أو يساره؛ لأن في ذلك تقريب أحدهما من مجلسه ولا يجلس أحدهما عن اليمين والآخر عن اليسار؛ لأن لليمين فضلًا عن اليسار، وفي النظر فلا يقبل بوجهه على أحدهما دون الآخر، وفي الكلام فلا يكلم أحدهما بلسان لا يعرفه الآخر ولا يشاور أحدهما دون الآخر، وفي الإشارة فلا يؤشر إلى
(1) فتح الباري (13/ 138)، المغني (14/ 25 - 26).
(2)
بدائع الصنائع (7/ 13)، تبصرة الحكام (1/ 44)، كتاب أدب القضاء لابن أبي الدم (ص: 71)، مغني المحتاج (4/ 402)، المغني (14/ 22).
أحدهما دون الآخر، وفي الخلوة فلا يخلو بأحدهما دون الآخر (1).
ولا يرفع صوته على أحدهما دون خصمه ولا يضيف أحدهما ولا يلقن أحد الخصمين حجته لحديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ابتلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهما في لحظه وإشارته ومقعده ومجلسه، ولا يرفع صوته على أحد الخصمين مالا يرفعه على الآخر"(2).
وقد اختصم عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه فألقى لعمر وسادة فقال عمر رضي الله عنه: "هذا أول جورك وجلس بين يديه"(3).
13 -
ينبغي للقاضي أن يكرم الشهود فلا يجوز أن يعنف الشاهد أو يداخله في كلامه؛ لأن ذلك يشوش عليهم عقولهم فلا يمكنهم من أداء الشهادة على وجهها.
14 -
ذهب الحنفية إلى أن للقاضي أن يأمر بالصلح في أي مرحلة من مراحل التقاضي واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (4).
وهذا مطلق يتناول الصلح في أي مرحلة من مراحل نظر القضية.
كما استدلوا على ذلك أيضًا بقول عمر رضي الله عنه: "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا: فإن فصل القضاء يورث بين القوم الضغائن"(5).
(1) بدائع الصنائع (7/ 9)، الحاوي الكبير (16/ 275)، الإنصاف للمرداوي (11/ 205).
(2)
سنن البيهقي الكبرى (10/ 135)، المعجم الكبير (23/ 284).
قال ابن حجر: في إسْنَادِهِ عَبَّادُ بن كَثِيرٍ وهو ضَعِيفٌ. التلخيص الحبير (4/ 193).
(3)
المحلى (9/ 381).
(4)
سورة النساء: 128.
(5)
مصنف ابن أبي شيبة (4/ 534)، برقم (22896)، سنن البيهقي الكبرى (6/ 66)، برقم (11142). قال ابن حزم: قد جاء عن عُمَرَ أَنَّهُ قال رَدِّدُوا الخُصُومَ حتى يَصْطَلِحُوا فإن فَصْلَ
وهذا مطلق يشمل جميع الحالات وفي الصلح حصول المقصود من غير ضغينة فكان جائزًا في أي مرحلة (1).
قال ابن قدامة: "قال أبو عبيد: إنما يسعه الصلح في الأمور المشكلة، أما إذا استنارت الحجة لأحد الخصمين وتبين له موضع الظالم فليس له أن يحملهما على الصلح، ونحوه قول عطاء واستحسنه ابن المنذر"(2).
15 -
أن يبدأ بالمدعي فيسأله البينة، فإن أنكر المدعى عليه ولم يكن للمدعي بينة، فإن كان في مال وجبت اليمين على المدعى عليه باتفاق، وإن كانت في طلاق أو نكاح أو قتل وجبت عند الشافعي بمجرد الدعوى، وقال مالك: لا تجب إلا مع شاهد (3).
16 -
أن يحيل الخصوم على قاض آخر عند خشية الجور فإذا أشكل على القاضي أمر تركه وله أن يرشدهما إلى الصلح، أو يصرفهما إلى قاض آخر مخافة أن يظلم، وكذا كلما استشعر الحرج وخاف على نفسه الميل والجور (4).
17 -
أن يسأل القاضي عن حال الشهود وإن لم يطعن الخصم (5).
= القَضَاءِ يُوَرِّثُ بين القَوْمِ الضَّغَائِنَ. قلنا: هذا لَا يَصِحُّ عن عُمَرَ أَصْلًا لأَنَّنَا إنَّمَا رُوِّينَاهُ من طَرِيقِ مُحَارِب بن دِثَارٍ عن عُمَرَ وَعُمَرُ لم يُدْرِكْهُ مُحَارِبٌ وَمُحَارِبٌ ثِقَةٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ. المحلى (8/ 164).
(1)
المبسوط للسرخسي (16/ 61)، بدائع الصنائع (7/ 13).
(2)
المغني (10/ 101).
(3)
بداية المجتهد (2/ 353).
(4)
نظام القضاء في الإِسلام للمرصفاوي (ص: 124).
(5)
بدائع الصنائع (7/ 10)، مغني المحتاج (4/ 403)، المغني (14/ 51).