الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عزل القضاة
للقضاء في الإِسلام هيبته ومكانته، وهو ولاية شرعية ووظيفة إسلامية يطرأ عليها ما يطرأ على غيرها من الوظائف عند اقتضاء المصلحة من العزل والنقل والتخصص ونحو ذلك وسوف نلخص أحوال القاضي من حيث العزل فيما يأتي:
أولًا: إذا وَلَّى الإِمَامُ قَاضِيًا، ثُمَّ مَاتَ الإِمام فلا يَنْعَزِل؛ لِأَنَّ الخُلَفَاءَ الراشدين رضي الله عنهم وَلَّوْا حُكَّامًا في زَمَنِهِمْ، فَلَمْ يَنْعَزِلُوا بِمَوْتِهِمْ، وَلأَنَّ في عَزْلِهِ بِمَوْتِ الإِمَامِ ضَرَرًا عَلَى المُسْلِمِينَ، فَإِنَّ البُلدَانَ تَتَعَطَّلُ مِنْ الحُكَّامِ، وَتَقِفُ أَحْكَامُ النَّاسِ إلَى أَن يُوَلِّيَ الإِمَامُ الثَّانِي حَاكِمًا، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ.
ثانيًا: لا ينعزل القاضي إذا عزل الإِمام الذي ولاه بل يستمر في وظيفته حتى يعزله الإِمام الخلف إن شاء لما يلحق المسلمين من ضرر في عزله.
ثالثًا: إن عزله الإِمام الذي ولاه أو خلفه فإنه ينعزل وهو قول الحنفية، والمالكية (1) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أنَّهُ قَالَ: لَأَعْزِلَنَّ أبَا مَرْيَمَ، وَأُوَلِّيَنَ رَجُلًا إذَا رَآهُ الفَاجِرُ فَرِقَهُ (2)، فَعَزَلَهُ عَنْ قَضَاءِ البَصْرَةِ، وَوَلى كَعْبَ ابْنَ سَوَّارٍ مَكَانَهُ، وَوَلَّى عَليٌّ رضي الله عنه أبَا الأَسْوَدِ، ثُمَّ عَزَلَهُ، فَقَالَ: لِمَ عَزَلتنِي، وَمَا خُنْت، وَلَا جَنيت؟ فَقَالَ: إنِّي رَأَيتُك يَعْلُو كَلَامُك عَلَى الخَصْمَيْنِ، ولأن القضاء ولاية من ولايات السلطنة والإمام يَمْلِكُ عَزْلَ أُمَرَائِهِ وَوُلَاتِهِ عَلَى البُلدَانِ، فَكَذَلِكَ قُضَاتُهُ.
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُوَلِّي وَيَعْزِلُ، فَعَزَلَ شُرَحْبِيلَ بْنَ حَسَنَةَ عَنْ وِلَايَتهِ في الشَّامِ وَوَلَّى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ: أَمِنْ جُبْنٍ عَزَلتنِي، أَوْ خِيَانَةٍ؟ قَالَ: مِنْ كُلٍّ
(1) بدائع الصنائع (7/ 16)، تبصرة الحكام (1/ 62).
(2)
السنن الكبري للبيهقي (10/ 108).
لَا، وَلَكِنْ أَرَدْت رَجُلًا أَقْوَى مِنْ رَجُلٍ، وَعَزَلَ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ، وَوَلَّى أَبا عُبَيْدة.
وَقَدْ كَانَ يُوَلِّي بَعْضَ الوُلَاةِ الحُكْمَ مَعَ الإِمَارةِ، فَوَلَّى أبَا مُوسَى البَصْرَةَ قَضَاءَهَا وَإِمْرَتهَا ثُمَّ كَانَ يَعْزِلُهُمْ هُوَ، وَمَنْ لَمْ يَعْزِلهُ، عَزَلَهُ عُثْمَانُ بَعْدَهُ إلَّا القَلِيلَ مِنْهُمْ، فَعَزْلُ القَاضِي أَوْلَى. وَيُفَارِقُ عَزْلَهُ بِمَوْتِ مَنْ وَلَّاهُ أَوْ عَزله (أو خلعه)، لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا، وَهَا هُنَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، لِأنَّهُ لَا يَعْزِلُ قَاضِيًا حَتَّى يُوَلِّيَ آخَرَ مَكَانَهُ، وَلِهَذَا لَا يَنْعَزِلُ الوَالِي بِمَوْتِ الإِمَامِ، وَينْعَزِلُ بِعَزْلِهِ.
رابعًا: إنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ القَاضِي، بِفِسْقٍ، أَوْ زَوَالِ عَقْلٍ، أَوْ مَرَضٍ يَمْنَعُهُ مِنْ القَضَاءِ، أَوْ اخْتَلَّ فِيهِ بَعْضُ شُرُوطِهِ، فَإنَّهُ يَنْعَزِلُ بذَلِكَ، وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الإمَامِ عَزلُهُ (1).
قال ابن فرحون: "وعلى القاضي إذا أقر بأنه حكم بالجور، أو ثبت ذلك عليه بالبينة، العقوبة الموجعة ويعزل ويشهر ويفضح ولا يجوز ولايته أبدا، لما أجرم في حكم الله تعالى ويكتب أمره في كتاب حتى لا ينسى أمره على مرّ الزمان"(2).
(1) المغني (14/ 87 - 88).
(2)
تبصرة الحكام (1/ 69 - 70).