الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ. وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ، قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا، وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ. وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ. وَإِنْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ. لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا. وَإِنْ قَالَ: لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ. لَمْ يَلْزَمِ الدَّاعِيَ إِنْظَارُهُ. وَإِنْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُ، أَوْ أَبْرَأَنِي،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَإِنْ قَالَ: أَحْلِفُوهُ، وَلَا أُقِيمُ بَيِّنَةً. حَلَفَ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ حَقُّهُ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ نَفْسَ الْحَقِّ. ثُمَّ فِي جَوَازِ إِقَامَتِهَا بَعْدَ الْحَلِفِ وَجْهَانِ.
فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ شَاهِدًا فِي الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ بِلَا رِضَى خَصْمِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ، بَلْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُنْكِرِ حَلَفَ لَهُ. فَإِنْ حَلَفَ، ثُمَّ قَالَ الْمُدَّعِي: أَنَا أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدَيَّ. لَمْ يُسْتَحْلَفْ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ فِعْلُهُ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ. وَإِنْ عَادَ فَبَذَلَ الْيَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ.
[إِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً]
(وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً حُكِمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ) وِفَاقًا لِقَوْلِ عُمَرَ: الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَلِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَقُّ فِيهَا بِإِقْرَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ كَمَا قَبِلَ الْيَمِينَ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَوْ أَزَالَتِ الْحَقَّ لَاجْتَرَأَ الْفَسَقَةُ عَلَى أَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُدُ: لَا تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ. وَرُدَّ بِمَا سَبَقَ. (وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ) أَوْ قَالَ: لَا أُقِرُّ، وَلَا أُنْكِرُ. أَوْ قَالَ: أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ. قَالَهُ فِي عُيُونُ الْمَسَائِلِ وَالْمُنْتَخَبِ. (قَالَ لَهُ الْقَاضِي: إِنْ أَجَبْتَ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ نَاكِلٌ عَمَّا تَوَجَّبَ عَلَيْهِ فِيهِ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ، كَالْيَمِينِ. وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا: أَنْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقٌ إِلَى ظُهُورِ الْحَقِّ. وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ مِنَ الْحَاكِمِ ثَلَاثًا، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ كَامِلَيْنِ، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ بِقَوْلِهِ: مَرَّةً. (وَقِيلَ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُجِيبَ) إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ السَّامَرِيُّ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ وَامْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ. فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قضى بِهَا وَجْهًا وَاحِدًا. (وَإِنْ قَالَ: لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ. لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا) لِأَنَّ الْجَوَابَ إِقْرَارٌ أَوْ إِنْكَارٌ، وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا. (وَإِنْ
وَلِي بَيِّنَةٌ بالإبراء أَوِ القضاء، وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّ، وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ جَعَلَ الْخَصْمَ فِيهَا، وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ: لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ. لَمْ يَلْزَمِ الدَّاعِيَ إِنْظَارُهُ) اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَالسَّامَرِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ حَقِّهِ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْجَوَابِ ثَبَّتَ لَهُ مَالًا فَلَمْ يَلْزَمْهُ إِنْظَارُهُ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ دَيْنِهِ، أَوْ يَعْلَمُ هَلْ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؛ وَالثَّلَاثُ: مُدَّةٌ يَسِيرَةٌ، وَلَا يُمْهَلُ أَكْثَرَ مِنْهَا ; لِأَنَّهُ كَثِيرٌ. (وَإِنْ قَالَ: قَدْ قَضَيْتُهُ، أَوْ أَبْرَأَنِي، وَلِي بَيِّنَةٌ بِالْإِبْرَاءِ أَوِ الْقَضَاءِ. وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ، وَلَا تَتَكَامَلُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُ إِنْظَارُهُ ; لِقَوْلِهِ: لِي بَيِّنَةٌ بِدَفْعِ دَعْوَاهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ. (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازِمَتُهُ) لِأَنَّ جَنْبَتَهُ أَقْوَى، لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تُوَجِّهَ عَلَيْهِ، وَدَعْوَى الْإِسْقَاطِ الْأَصْلُ عَدَمُهَا، وَكَيْلَا يَهْرُبَ أَوْ يَغِيبَ. وَلَا يُؤَخِّرَ الْحَقَّ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي أُنْظِرَ فِيهَا. (فَإِنْ عَجَزَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ وَاسْتَحَقَّ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْكِرًا، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكَرِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا قَضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَصُرِفَ. وَإِنْ قُلْنَا: بِرَدِّ الْيَمِينِ فَلَهُ تَحْلِيفُ خَصْمِهِ، فَإِنْ أَبَى حَكَمَ عَلَيْهِ. هَذَا كُلُّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ أَنْكَرَ سَبَبَ الْحَقِّ، أَتَى، فَأَمَّا إِنْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إِبْرَاءً سَابِقًا لِإِنْكَارِهِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةً، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَزَادَ: بِأَنْ قَالَ: قَتَلْتَ دَابَّتِي، فَلِي عَلَيْكَ ثَمَنُهَا أَلْفٌ. فَقَالَ: لَا تَلْزَمُنِي، أَوْ لَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ شَيْئًا مِنْهُ. فَقَدْ أَجَابَ، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِالْقَتْلِ احْتَاجَ إِلَى مُسْقِطٍ.
وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ مِائَةُ دِينَارٍ. قَالَ: بَلْ أَلْفُ دِرْهَمٍ. فَمَا أَجَابَ، وَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ إِنْ صَدَّقَهُ الْمُدَّعِي، وَدَعْوَى الذَّهَبِ بَاقِيَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ. (وَإِنِ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ بِهَا لِغَيْرِهِ جَعَلَ الْخَصْمَ فِيهَا) وَكَانَ صَاحِبَ الْيَدِ ; لِأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ اعْتَرَفَ أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ، وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ إِقْرَارٌ صَحِيحٌ. (وَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) : أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا لِلْمُدَّعِي، قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا لَزِمَهُ غُرْمُهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْعَيْنُ لِزَيْدٍ. ثُمَّ قَالَ:
فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ فَإِنِ ادعى لِنَفْسِهِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ وَأَخَذَهَا. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ. سُلِّمَتْ إِلَى الْمُدَّعِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. فِي الْآخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى. ثُمَّ إِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
هِيَ لَعُمَرَ. فَإِنَّهَا تُدْفَعُ إِلَى زَيْدٍ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا لِعُمَرَ. وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ.
فَعَلَى هَذَا إِنْ نَكَلَ عَنْهَا مَعَ طَلَبِهَا أُخِذَ مِنْهُ بَدَلُهَا، ثُمَّ إِنْ صَدَّقَهُ الْمُقِرُّ لَهُ فَهُوَ كَأَحَدِ مُدَّعِيَيْنِ عَلَى ثَالِثٍ، أَقَرَّ لَهُ الثَّالِثُ وَسَيَأْتِي.
وَالثَّانِي: لَا يَحْلِفُ ; لِأَنَّ الْخُصُومَةَ انْقَلَبَتْ إِلَى غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَنْتَقِلَ الْيَمِينُ إِلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ. مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: مَنْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ، صَدَّقَ بِهِ عَنْ رَبِّهِ مَضْمُونًا لَهُ إِذَا عُلِمَ بَعْدُ. وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لِزَيْدٍ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ بِإِنْكَارِهِ جَهْلًا، وَيَغْرَمُهُ الْمُقِرُّ. وَفِيهِ احْتِمَالٌ. (فَإِنْ كَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا مُكَلَّفًا سُئِلَ) لِيَتَبَيَّنَ الْحَالُ. (فَإِنِ ادعى لِنَفْسِهِ وَلَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ حَلَفَ وَأَخَذَهَا) لِأَنَّهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ، فَيَحْلِفُ وَيَأْخُذُ الْعَيْنَ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَوْنُهَا لَهُ بِإِقْرَارٍ مِنَ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ، وَانْدَفَعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي، فَوَجَبَ الْأَخْذُ عَمَلًا بِالْمقتضي. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِلْمُدَّعِي، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ لِلْمُقَرِّ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوِ ادَّعَى شَخْصٌ فَأَقَرَّ بِهَا لَهُ. (وَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ لِي) أَوْ قَالَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً. (وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ. سُلِّمَتْ إِلَى الْمُدَّعِي، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ أَوْلَى، فَتُسَلَّمُ إِلَيْهِ بِلَا بَيِّنَةٍ ; لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا أَشْبَهَ الَّتِي بِيَدِهِ، وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ لَوِ ادَّعَاهَا ثُمَّ نَكَلَ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِهَا لِلْمُدَّعِي، فَمَعَ عَدَمِ ادِّعَائِهِ أَوْلَى. فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا عَلَيْهَا. (وَفِي الْآخَرِ: لَا تُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّهُ مُسْتَحِقُّهَا. (وَيَجْعَلُهَا الْحَاكِمُ عِنْدَ أَمِينٍ) كَمَالٍ ضَائِعٍ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي أَنَّهَا لَهُ، وَتُسَلَّمَ إِلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ إِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يُقَرُّ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِغَائِبٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَجْنُونٍ سَقَطَتْ عَنْهُ الدَّعْوَى) لِأَنَّ الدَّعْوَى صَارَتْ عَلَى غَيْرِهِ، وَيَصِيرُ الْغَائِبُ وَالْوَلِيُّ خَصْمَيْنِ إِنْ صَدَقَا، وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (ثُمَّ إِنَّ كَانَ لِلْمُدَّعِي
كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، سُلِّمَتْ إِلَيْهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ، وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً إنَّهَا لِمَنْ سَمَّى، فَلَا يَحْلِفُ وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ، وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَكَ نَاكِلًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَيِّنَةٌ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ) لِأَنَّ جَانِبَهُ قَدْ تَرَجَّحَ بِهَا. (وَهَلْ يَحْلِفُ) مَعَهَا؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ) هُمَا رِوَايَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: لَا يَحْلِفُ، جَزَمَ بِهَا فِي الْوَجِيزِ، وَهِيَ أَشْهَرُ ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ لِلْخَبَرِ. وَالثَّانِيَةُ: بَلَى، لِأَنَّ الْغَائِبَ وَالصَّغِيرَ وَالْمَجْنُونَ لَا يَقُومُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِالْحُجَّةِ، فَاحْتِيجَ إِلَى الْيَمِينِ لِتَأْكِيدِ الْبَيِّنَةِ. وَقِيلَ: إِنْ جُعِلَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ أَخَذَهَا وَحَلَفَ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الرِّعَايَةِ: إنَّهُ إِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ تَعَارَضَتَا، وَأُقِرَّتْ بِيَدِ الْمُدَّعِي إِنْ قَدَّمْنَا بَيِّنَةَ الْخَارِجِ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلْغَائِبِ. (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ) لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدِمَ الْغَائِبُ وَيَصِيرَ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُكَلَّفًا، فَتَكُونُ الْخُصُومَةُ لَهُ. (حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَزِمَهُ الدَّفْعُ، وَمَنْ لَزِمَهُ الدَّفْعُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ. (وَأُقِرَّتْ فِي يَدِهِ) لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ انْدَفَعَتْ دَعْوَاهُ بِالْيَمِينِ. وَفِي الشَّرْحِ: إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: أَحْلِفُوا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. أَحْلَفْنَاهُ، وَتُقَرُّ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ، وَلَوْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ غَرِمَ بَدَلَهَا.
وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: بَلْ تَكُونُ عِنْدَ أَمِينِ الْحَاكِمِ حَتَّى يَأْخُذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ.
فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي اثْنَيْنِ غَرِمَ عِوَضَيْنِ لَهُمَا. وَفِي الشَّرْحِ: مَتَى عَادَ الْمُقِرُّ بِهَا لِغَيْرِهِ ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ تُسْمَعْ ; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، فَلَا يُسْمَعُ مِنْهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ. (إِلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّى، فَلَا يَحْلِفُ) أَيْ: إِذَا أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلِيهِ بَيِّنَةً أَنَّهَا لِمَنْ سَمَّاهُ، سَمِعَهَا الْحَاكِمُ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنِ الْحَاضِرِ، وَسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ، وَلَمْ يَقْضِ بِهَا ; لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لِلْغَائِبِ، وَالْغَائِبُ لَمْ يَدَعْهَا هُوَ وَلَا وَكِيلُهُ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَقْضِيَ بِهَا، إِذَا قُلْنَا بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَإِنَّ لِلْمُودِعِ الْمُحَاكَمَةَ فِي الْوَدِيعَةِ إِذَا غُصِبَتْ. وَاقْتَصَرَ فِي الرِّعَايَةِ عَلَى حِكَايَةِ هَذَا التَّخْرِيجِ فَقَطْ.
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى مَنْ هِيَ بِيَدِهِ أَنَّهَا مَعَهُ بِإِجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ، لَمْ يَقْضِ بِهَا. وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ. وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ، وَقُلْنَا لَهُمَا: الْمُحَاكَمَةُ. ثَبَتَ الْمِلْكُ. (وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لِمَجْهُولٍ، قِيلَ لَهُ: إِمَّا أَنْ تُعَرِّفَهُ، وَإِمَّا أَنْ نَجْعَلَكَ نَاكِلًا)