الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل. وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ: هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ. وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ، جَازَ فَفِي اللَّفْظِ، يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غيره، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ.
وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا تَوَكَّلَ لِجَمَاعَةٍ فِي دَعْوَى وَاحِدَةٍ فِي حُقُوقٍ، صَحَّ دَعْوَاهُ بِالْكُلِّ دُفْعَةً وَاحِدَةً. وَهَلْ تَكْفِي يَمِينٌ لِلْكُلِّ أَوْ أَيْمَانٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَمَنِ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ شَيْئًا بِدَعَاوَى فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَلِكُلِّ دَعْوَى يَمِينٌ. وَقِيلَ: وَضِدُّهُ.
وَإِنِ ادَّعَى الْكُلُّ دَعْوَى وَاحِدَةً فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ.
وَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنَّهُ كَانَ بَاعَهَا فِي حَوْلِهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا أَوْ أَخْرَجَ الْفَرْضَ إِلَى سَاعٍ آخَرَ، فَهَلْ يَحْلِفُ وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.
فَإِنْ وَجَبَ فَنَكَلَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْحَقِّ. فَإِنْ تَبَيَّنَ فَلَا، وَكَذَا الْجِرَاحُ.
[فصل: الْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ]
فصل
(وَالْيَمِينُ الْمَشْرُوعَةُ هِيَ الْيَمِينُ بِاللَّهِ تَعَالَى اسْمُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109]، {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 6] . وَالْأَخْبَارُ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ. (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَغْلِيظَهَا بِلَفْظٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ مَكَانٍ، جَازَ) وَلَمْ يُسْتَحَبَّ. ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ ; لِأَنَّهُ أَرْدَعُ لِلْمُنْكِرِ. وَقِيلَ: يُكْرَهُ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ: فِي غَيْرِ لِعِانٍ وَقَسَامَةٍ.
وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ. ذَكَرَهَا فِي التَّبْصِرَةِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَالْحُلْوَانِيُّ لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
وَنَصَرَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ قَالَ: وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ أَنَّهَا تُغَلَّظُ ; لِأَنَّهَا حُجَّةُ أَحَدِهِمَا فَوَجَبَ مَوْضِعُ الدَّعْوَى كَالْبَيِّنَةِ.
وَعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ. وَذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ. (فَفِي اللَّفْظِ، يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الطَّالِبِ الْغَالِبِ، الضَّارِّ النَّافِعِ، الَّذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) .
وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وأنجاه مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ. وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ. وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي. وَالزَّمَانُ: يُحَلِّفُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الطَّالِبُ: اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ طَلَبَ الشَّيْءَ أَيْ: قَصَدَهُ. وَالْغَالِبُ: اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ غَلَبَ يَغْلِبُ بِمَعْنَى قَهَرَ. وَالضَّارُّ النَّافِعُ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى: أَيْ: هُوَ قَادِرٌ عَلَى ضُرِّ مَنْ شَاءَ وَنَفَعِ مَنْ شَاءَ.
وَخَائِنَةُ الْأَعْيُنِ، فُسِّرَ: بِأَنَّهُ يُضْمِرُ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا وَيَكُفُّ لِسَانَهُ وَيُومِئُ بِعَيْنِهِ، فَإِذَا ظَهَرَ ذَلِكَ سُمِّيَتْ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَلِفَ بِالْمُصْحَفِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُصْحَفِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رَأَيْتُهُمْ يُؤَكِّدُونَ الْيَمِينَ بِالْمُصْحَفِ، وَرَأَيْتُ ابْنَ مَازِنٍ قَاضِي صَنْعَاءَ يُغَلِّظُ الْيَمِينَ بِهِ. قَالَ أَصْحَابُهُ: فَيُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِإِحْضَارِ الْمُصْحَفِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا تُتْرَكُ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِفِعْلِ ابْنِ مَازِنٍ وَلَا غَيْرِهِ.
1 -
(وَالْيَهُودِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، وَفَلَقَ لَهُ الْبَحْرَ، وَأَنْجَاهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْيَهُودِ: نَشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى؟» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. (وَالنَّصْرَانِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَجَعَلَهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ) لِأَنَّهُ لَفْظٌ تَتَأَكَّدُ بِهِ يَمِينُهُ، أَشْبَهَ الْيَهُودِيَّ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهَا تُغَلَّظُ فِي حَقِّ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ بِذَلِكَ. وَفِيهِ إِشْكَالٌ ; لِأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ عِيسَى رَسُولُ اللَّهِ، وَإِنَّمَا يَعْتَقِدُونَهُ ابْنًا لِلَّهِ. تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ. فَتَغْلِيظُ الْيَمِينِ بِمَا ذُكِرَ يُؤَدِّي إِلَى خُرُوجِ الْيَمِينِ عَنْ أَنْ تَكُونَ يَمِينًا، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُغَلَّظَةً. (وَالْمَجُوسِيُّ يَقُولُ: وَاللَّهِ الَّذِي خَلَقَنِي وَرَزَقَنِي وَصَوَّرَنِي) لِأَنَّهُ يُعَظِّمُ خَالِقَهُ وَرَازِقَهُ، أَشْبَهَ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ ذَلِكَ بِمَا يُعَظِّمُهُ مِنَ الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا. وَالْوَثَنِيُّ كَالْمَجُوسِيِّ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا. وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ هُوَ وَمَنْ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ. (وَالزَّمَانُ يُحَلِّفُهُ بَعْدَ الْعَصْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ} [المائدة: 106] . قِيلَ: الْمُرَادُ صَلَاةُ الْعَصْرِ (أَوْ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ) أَيْ: بَيْنَ الْأَذَانِ
وَالْمَكَانُ يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا. وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ، كَالْجِنَايَاتِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَالِ. وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَرْكَ التَّغْلِيظِ، فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْإِقَامَةِ ; لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُرْجَى فِيهِ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ، فَتُرْجَى فِيهِ مُعَالَجَةُ الْكَاذِبِ. (وَالْمَكَانُ يُحَلِّفُهُ بِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ) لِأَنَّهُ مَقَامٌ شَرِيفٌ زَائِدٌ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْفَضِيلَةِ. (وَفِي الصَّخْرَةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَقَدْ وَرَدَ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: هِيَ مِنَ الْجَنَّةِ» . (وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ) كَمَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (عِنْدَ الْمِنْبَرِ) قِيَاسًا عَلَى الْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ مَالِكُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» .
وَفِي الْوَاضِحِ: هَلْ يَرْقَى مُتَلَاعِنَانِ الْمِنْبَرَ؛ الْجَوَازُ، وَعَدَمُهُ.
وَقِيلَ: إِنْ قَلَّ النَّاسُ لَمْ يَجُزِ الصُّعُودُ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يَرْقَيَانِهِ. وَفِي الِانْتِصَارِ: قِيَامُهُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ.
1 -
(وَيَحْلِفُ أَهْلُ الذِّمَّةِ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُعَظِّمُونَهَا) لِأَنَّ الْيَمِينَ تُغَلَّظُ فِي حَقِّهِمْ زَمَانًا، فَكَذَا مَكَانًا. قَالَ الشَّعْبِيُّ لِنَصْرَانِيٍّ: اذْهَبْ إِلَى الْبِيعَةِ. قَالَ كَعْبُ بْنُ سَوْرٍ فِي نَصْرَانِيٍّ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْمَذْبَحِ. (وَلَا تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ، كَالْجِنَايَاتِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَالِ) قَدَّمَهُ السَّامَرِّيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ ; لِأَنَّ التَّغْلِيظَ لِلتَّأْكِيدِ، وَمَا لَا خَطَرَ فِيهِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْكِيدٍ. (وَقِيلَ: مَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ) لِأَنَّ قَطْعَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ، وَالتَّأْكِيدُ يُنَاسِبُهُ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَتُغَلَّظُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ. (وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ تَرْكَ التَّغْلِيظِ فَتَرَكَهُ كَانَ مُصِيبًا) لِمُوَافَقَتِهِ مُطْلَقَ النَّصِّ. وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: جَازَ، وَلَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ. وَتَرْكُ التَّغْلِيظِ أَوْلَى، اخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ وَنَصَرَهُ لِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ، إِلَّا فِي مَوْضِعٍ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَصَحَّ؛ «لِتَحْلِيفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودَ بِقَوْلِهِ: نَشَدْتُكُمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ» . وَمَنْ بَذَلَ الْيَمِينَ دُونَ التَّغْلِيظِ لَمْ يَكُنْ نَاكِلًا. جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ.
وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يُحَلِّفُ بِطَلَاقٍ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وِفَاقًا، وَابْنُ عَبْدُ الْبَرِّ إِجْمَاعًا.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: لِلْوَالِي إِحْلَافُ الْمُتَّهَمِ بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ؛ اسْتِبْرَاءً وَتَغْلِيظًا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ آدَمِيٍّ.
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَى حَقًّا عَلَى مُعْسِرٍ عَاجِزٍ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ. نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ. وَسَوَاءٌ خَافَ حَبْسًا أَوْ لَا. وَجَوَّزَهُ صَاحِبُ الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكَرَابِيسِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
فَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْحَقِّ بِعُسْرَتِهِ لَزِمَهُ إِنْظَارُهُ. قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ مَنْعُهُ، إِذَا الْتَمَسَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا ادَّعَى جَمَاعَةٌ مَالًا لَهُمْ بِشَاهِدٍ، أَوْ أَقَامَ الْوَرَثَةُ شَاهِدًا بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ، وَغَيْرِهِ، وَحَلَفُوا اسْتَحَقُّوا. وَمَنْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا. وَإِذَا مَاتَ لَمْ يَحْلِفْ وَرَثَتُهُ. وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَنْكُلْ حَلَفُوا. وَلَوْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَائِبٌ فَحَضَرَ، أَوْ مَجْنُونٌ فَأَفَاقَ، حَلَفَ وَأَخَذَ حَقَّهُ، وَلَا يُحْتَاجُ إِلَى إِعَادَةِ الشَّهَادَةِ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الْمُخَلَّفُ دَارًا فَحَلَفَ أَحَدُهُمْ، اشْتَرَكُوا فِيمَا أَخَذَهُ. فَلَوْ وَصَّى لِاثْنَيْنِ مَعَ شَاهِدٍ، وَالْآخَرُ مَجْنُونٌ أَوْ غَائِبٌ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ، أُعِيدَتِ الشَّهَادَةُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا تُجْزِئُ يَمِينٌ قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَالتَّزْكِيَةِ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ لِمَيِّتٍ دَيْنٌ بِشَاهِدٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَمْ يَحْلِفِ الْوَارِثُ مَعَ الشَّاهِدِ، فَهَلْ لِلْغَرِيمِ أَنْ يَحْلِفَ؟ قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَالْأَصَحُّ ـ إِنْ قُلْنَا التَّرِكَةُ لِلْوَارِثِ وَتُوَفَّى مِنْ حَيْثُ شَاءَ ـ: لَمْ يَحْلِفِ الْغَرِيمُ. وَإِنْ قُلْنَا لَا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إِلَيْهِ قَبْلَ الْوَفَاءِ، حَلَفَ الْغَرِيمُ أَنِّي أَسْتَحِقُّ مِنْ دَيْنِي عَلَى الْمَيِّتِ، أَوْ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ كَذَا.
الثَّالِثَةُ: إِذَا ادَّعَى الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ حَقًّا لِبَيْتِ الْمَالِ، وَادَّعَى وَكِيلُ الْفُقَرَاءِ حَقًّا لَهُمْ مِنْ وَصِيَّةٍ وَنَحْوِهَا، أَوِ ادَّعَى نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ قَيِّمُ مَسْجِدٍ حَقًّا لَهُمَا، فَأَنْكَرَهُمَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ، قُضِيَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَأُخِذَ مِنْهُ الْمُدَّعَى بِهِ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي وَيَأْخُذُ مَا ادَّعَاهُ.
وَقَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: وَلَا يَحْلِفُ إِمَامٌ وَلَا حَاكِمٌ. وَإِنْ قُلْنَا بِحَلِفِ أَحَدِهِمْ فَأَقَامَ شَاهِدًا بِمَا ادَّعَاهُ، حَلَفَ لِإِتْمَامِ الْبَيِّنَةِ.