الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ فِي شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ، وَلَا نَاظِرَ فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَلَا يَحْمِلُ. وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ. وَفِي الزَّرْعِ وَشُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ رِوَايَتَانِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[حُكْمُ أَكْلِ الثَّمَرِ مِنْ بُسْتَانٍ لَا حَائِطَ لَهُ وَلَا نَاظِرَ]
فَصْلٌ.
(وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ فِي شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُوجَزِ، (وَلَا نَاظِرَ) وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْوَسِيلَةِ، (فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِنَّهُ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ شُيُوخِنَا، لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إِذَا أَتَيْتَ حَائِطَ بُسْتَانٍ فَنَادِ صَاحِبَ الْبُسْتَانِ، فَإِنْ أَجَابَكَ، وَإِلَّا فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ.» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وَفَعَلَهُ أَنَسٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، وَأَبُو بَرْزَةَ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ بِأَنَّهُ يَأْكُلُ بِقَدْرِ شَهْوَتِهِ، وَلَا يَشْبَعُ، ومقتضى كَلَامُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنَ السَّاقِطِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ رِوَايَةً، وَفِي التَّرْغِيبِ: يَجُوزُ لِمُسْتَأْذِنٍ ثَلَاثًا لِلْخَبَرِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُحَوَّطًا بِحَائِطٍ، أَوْ نَاطُورٍ فَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ، لِأَنَّ إِحْرَازَهُ بِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شُحِّ صَاحِبِهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ مَجْمُوعًا، إِلَّا لِمُضْطَرٍّ، وَلَا يَرْمِي شَجَرًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَصْعَدُهَا، (وَلَا يَحْمِلُ) شَيْئًا بِحَالٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُحْتَاجًا أَوْ لَا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ فَقَطْ، فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ:«فَكُلْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ» ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ:«وَلَا تَتَّخِذْ خُبْنَةً» (وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إِلَّا لِحَاجَةٍ) وَقَالَ: قَدْ فَعَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ» ، الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْأَكْلِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ مُطْلَقًا، تُرِكَ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ الْحَاجَةِ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الثمر الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ:«مَا أَصَابَ مِنْهُ مِنْ ذِي الْحَاجَةِ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ شَيْئًا فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلِهِ وَالْعُقُوبَةُ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ، وَعَنْهُ: الرُّخْصَةُ لِلْمُسَافِرِ فَقَطْ، وَهُوَ وَجْهٌ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا يَخْتَلِفُ قَوْلُهُ فِيمَا سَقَطَ لِلْمُحْتَاجِ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَجَّ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ لَهَا بِقَوْلِهِ عليه السلام لِرَافِعٍ:«لَا تَرْمِ، وَكُلْ مَا وَقَعَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَعَنْهُ: وَيَضْمَنُهُ، اخْتَارَهَا فِي الْمُبْهِجِ لِلْعُمُومَاتِ، (وَفِي الزَّرْعِ) الْقَائِمِ، (وَشُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ؛ رِوَايَتَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ.
الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنَ الزَّرْعِ الْقَائِمِ شَيْئًا، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي الثِّمَارِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَهَا رَطْبَةً، فَالنَّفْسُ تَتُوقُ إِلَيْهَا، بِخِلَافِ الزَّرْعِ.
وَالثَّانِيَةُ، وَهِيَ أَشْهَرُ: أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنَ الْفَرِيكِ، لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَكْلِهِ رَطْبًا، أَشْبَهَ الثَّمَرَ، وَأَلْحَقَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ الْبَاقِلَاءَ، وَالْحِمَّصَ الْأَخْضَرَ، وَهُوَ ظَاهِرُ الثَّانِيَةِ فِي شُرْبِ لَبَنِ الْمَاشِيَةِ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا، فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ، وَلَا يَحْمِلْ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَحْتَلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ» . مُتَّفَقٌ
وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَإِنْ أَبَى فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ. وَحَمَلَهَا فِي الرِّعَايَةِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَائِطٌ، أَوْ حَافِظٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ جَازَ مُطْلَقًا، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْمَيْتَةِ، لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَهُوَ أَسْهَلُ.
(وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ) قَالَ أَحْمَدُ: الضِّيَافَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، كُلُّ مَنْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَيِّفَهُ، لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ كَرِيمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَيْلَةُ الضَّيْفِ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَإِنْ أَصْبَحَ بِفِنَائِهِ مَحْرُومًا كَانَ دَيْنًا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اقْتَضَاهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ:«فَإِنْ لَمْ يُقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ.» وَفِي حَدِيثِ عُقْبَةَ: «فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَلَهُمْ حَقُّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ ضِيَافَةَ الْكَافِرِ لَا تَجِبُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، بَلْ فِي رِوَايَةٍ: وَتَجِبُ لِذِمِّيٍّ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ الضِّيَافَةَ كَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَأَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا لِلْمُسَافِرِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ نُصُوصِهِ أَنَّهَا تَجِبُ لِحَاضِرٍ، وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ، في قرية، وَفِي مِصْرَ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، جَزَمَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ أَنَّ الْمُسْلِمَ تَجِبُ عَلَيْهِ ضِيَافَةُ الْمُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى لَا الْأَمْصَارِ (يَوْمًا وَلَيْلَةً) وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِيهِ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، لِمَا رَوَى أَبُو شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ مَرْفُوعًا، قَالَ:«الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى أَنَّهَا تَجِبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِهَذَا الْخَبَرِ، وَهِيَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مَعَ أُدُمٍ، وَفِي الْوَاضِحِ، وَلِفَرَسِهِ تِبْنٌ لَا شَعِيرٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ: كَأُدُمِهِ، وَأَوْجَبَ شَيْخُنَا الْمَعْرُوفُ عَادَةً، قَالَ: كَزَوْجَةٍ، وَقَرِيبٍ، وَرَفِيقٍ، وَمَنْ قَدَّمَ لِضِيفَانِهِ طَعَامًا لَمْ يَجُزْ لَهُ قِسْمَتُهُ، لِأَنَّهُ أَبَاحَهُ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ، (فَإِنْ أَبَى فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ) أَيْ: يُحَاكِمُهُ وَيَطْلُبُ حَقَّ ضِيَافَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَنَقَلَ الشَّالَنْجِيُّ: إِذَا بُعِثُوا فِي السَّبِيلِ يُضَيِّفُهُمْ مَنْ مَرُّوا بِهِ ثَلَاثَةَ