الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رَجَعْنَا إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ، وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقِيَّةٍ، وَعُرْفِيَّةٍ. فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ، فَهِيَ: أَسْمَاءٌ لَهَا مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهِ، فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ، وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ، فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ. إِلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينَ إِلَى شَيْءٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الثَّالِثُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ] [
أَقْسَامُ الِاسْمِ] [
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الْأَسْمَاءُ الشَّرْعِيَّةُ]
فَصْلٌ (فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ) أَيِ: التَّعْيِينُ مَعَ عَدَمِ النِّيَّةِ وَالسَّبَبِ، (رَجَعْنَا إِلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ الِاسْمُ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْمُسَمَّى، وَلَا مُعَارِضَ لَهُ هُنَا، فَوَجَبَ أَنْ يُرْجَعَ إِلَيْهِ عَمَلًا بِهِ، لِسَلَامَتِهِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ (وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: شَرْعِيَّةٍ، وَحَقِيقِيَّةٍ، وَعُرْفِيَّةٍ) مَا لَهُ مُسَمًّى وَاحِدٌ، كَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، تَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى مُسَمَّاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَمَا لَهُ مَوْضُوعٌ شَرْعِيٌّ، وَمَوْضُوعٌ لُغَوِيٌّ، كَالْوُضُوءِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَمَا لَهُ مَوْضُوعٌ حَقِيقِيٌّ، وَمَجَازٌ لَمْ يَشْتَهِرْ كَالْأَسَدِ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْحَقِيقَةِ، كَكَلَامِ الشَّارِعِ وَمَا اشْتُهِرَ مَجَازُهُ حَتَّى صَارَتِ الْحَقِيقَةُ مَغْمُورَةً فِيهِ، فَهُوَ أَقْسَامٌ: مِنْهَا مَا يَغْلِبُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ، كَالرَّاوِيَةِ فِي الْعُرْفِ اسْمٌ لِلْمَزَادَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِمَا يُسْتَقَى عَلَيْهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، وَالظَّعِينَةِ فِي الْعُرْفِ لِلْمَرْأَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ النَّاقَةُ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إِلَى الْمَجَازِ، لِأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُهُ بِيَمِينِهِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَشْبَهَ الْحَقِيقَةَ فِي غَيْرِهِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ أَنْوَاعِهَا (فَأَمَّا الشَّرْعِيَّةُ، فَهِيَ: أَسْمَاءٌ لَهَا مَوْضُوعٌ فِي الشَّرْعِ، وَمَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ، كَالصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَنَحْوِهِ، فَالْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ تَنْصَرِفُ إِلَى الْمَوْضُوعِ الشَّرْعِيِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، لِأَنَّ الشَّارِعَ إِذَا قَالَ: صَلِّ، تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَفْعَالِ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِكَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ الْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ، فَكَذَا يَمِينُ الْحَالِفِ (وَتَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ) لِأَنَّ الْفَاسِدَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِ بِالْيَمِينِ، (فَإِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، أَوْ لَا يَنْكِحُ، فَنَكَحَ نِكَاحًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ الْجَمَاعَةُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ
لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ أَوِ الْحُرَّ، فَيَحْنَثُ بِصُورَةِ الْبَيْعِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ، لَمْ تُطَلَّقْ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْيَمِينَ عَلَى ذَلِكَ تَتَنَاوَلُ الصَّحِيحَ مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ، لِوُجُودِهِ صُورَةً، وَعَنْهُ: فِي الْبَيْعِ دُونَ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، قَالَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ نَكَحَهَا نِكَاحًا مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَوَجْهَانِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنِ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ بَيْعًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَنَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بَيْعٌ شَرْعِيٌّ، فَيَحْنَثُ بِهِ كَاللَّازِمِ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا مَلَكْتُ هَذَا، فَاشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، (إِلَّا أَنْ يُضِيفَ الْيَمِينُ إِلَى شَيْءٍ لَا تُتَصَوَّرُ فِيهِ الصِّحَّةُ، مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ لَا يَبِيعُ الْخَمْرَ، أَوِ الْحُرَّ، فَيَحْنَثَ بِصُورَةِ الْبَيْعِ) أَيْ: إِذَا قَيَّدَ يَمِينَهُ بِمُمْتَنِعِ الصِّحَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ، فَيَحْنَثُ فِي الْأَصَحِّ، بِصُورَةِ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ حَمْلُ يَمِينِهِ عَلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَتَعَيَّنَ مَحَلًّا لَهَا، (وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِيهِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَفَعَلَتْ، لَمْ تُطَلَّقْ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: هُوَ أَقْيَسُ، وَخَرَّجَهُ السَّامِرِيُّ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالشِّرَاءُ كَالْبَيْعِ، وَخَالَفَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي: إِنْ سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا وَبِعْتِيهِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، وَإِنْ حَلَفَ لَتَبِيعَنَّهُ، فَبَاعَهُ بِعَرْضٍ بَرَّ، وَكَذَا نَسِيئَةً، وَقِيلَ: يُنْقَضُ يَمِينُهُ.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَبِيعُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ فَأَوْجَبَ وَلَمْ يَقْبَلِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجُ - لَمْ يَحْنَثْ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْقَبُولِ، فَلَمْ يَقَعْ عَلَى الْإِيجَابِ بِدُونِهِ، وَإِنْ قَبِلَهُ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَتَزَوَّجَنَّ بَرَّ بِعَقْدٍ صَحِيحٍ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ نَظِيرَتَهَا أَوْ أَعْلَى مِنْهَا، إِلَّا أَنْ يَحْتَالَ عَلَى حَلِّ يَمِينِهِ بِتَزْوِيجٍ لَا يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ، وَالْمَذْهَبُ يَبِرُّ بِدُخُولِهِ بِنَظِيرَتِهَا، وَالْمُرَادُ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ بِمَنْ تَغُمُّهَا وَتَتَأَذَّى بِهَا لِظَاهِرِ رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَفِي الْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهَا: أَوْ مُقَارِبِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَنْصُوصُ أَنْ يَتَزَوَّجَ وَيَدْخُلَ، وَلَا تُشْتَرَطُ مُمَاثَلَتُهَا، وَاعْتُبِرَ فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى فِي الْجِهَازِ، وَلَمْ يَذْكُرْ دُخُولًا، وَإِنْ حَلَفَ لَيُطَلِّقَنَّ ضَرَّتَهَا، فَفِي بِرِّهِ بِرَجْعِيٍّ خِلَافٌ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا تَسَرَّيْتُ، فَوَطِئَ جَارِيَةً حَنِثَ، قَدَّمَهُ
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ حَلَفَ لَا صَلَّيْتُ صَلَاةً، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي الرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَحْنَثُ حَتَّى يَطَأَ فَيُنْزِلَ، فَحْلًا كَانَ أَوْ خَصِيًّا، وَعَنْهُ: إِنْ عَزَلَ فَلَا حِنْثَ، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّ التَّسَرِّيَ مَأْخُوذٌ مِنَ السِّرِّ، وَهُوَ الْوَطْءُ، قَالَ تَعَالَى:{وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: 235] ولِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالْوَطْءِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْإِنْزَالُ وَلَا التَّحْصِينُ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَصُومُ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَصُومَ يَوْمًا) لِأَنَّ إِمْسَاكَ بَعْضِ يَوْمٍ لَيْسَ بِصَوْمٍ شَرْعِيٍّ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ يَوْمٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ صَوْمٌ مُفْرَدٌ أَقَلُّ مِنْ يَوْمِ، فَلَزِمَهُ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ، وَقِيلَ: إِنْ حَنِثَ بِفِعْلٍ بعض المحلوف، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، حَكَاهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ قَوْلًا، كَقَوْلِهِ: صَوْمًا، وَكَحَلِفِهِ لَيَفْعَلَنَّهُ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَدَامَ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَةً) بِسَجْدَتَيْهَا، وَقَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: بَلَى، إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ كَمَا قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَنَسَبَهُ فِي الْفُرُوعِ إِلَى الْأَصْحَابِ، أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالشُّرُوعِ الصَّحِيحِ (وَقَالَ الْقَاضِي إِنْ حَلَفَ: لَا صَلَّيْتُ صَلَاةً، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَفْرَغَ مِمَّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ فِيهِ صَلَاةٌ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُشْبِهُ هَذَا مَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِنَّهَا لَا تُطَلَّقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ، وَشَمِلَ كَلَامُهُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَذَكَرَهُ أَبُو
يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا وَلَا يُوصِي لَهُ وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ، فَوَهَبَهُ لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ حَنِثَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ وَقَفَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْخَطَّابِ، وَأَمَّا الطَّوَافُ فَقَالَ الْمَجْدُ: لَيْسَ صَلَاةً مُطْلَقَةً وَلَا مُضَافَةً، لَكِنْ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ صَلَاةٌ، وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ: الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ مِثْلَ الصَّلَاةِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا، إِلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ، وَهُوَ النُّطْقُ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ الْحَجِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يَحُجُّ حَنِثَ بِإِحْرَامِهِ بِهِ، وَقِيلَ: بِفَرَاغِ أَرْكَانِهِ، وَيَحْنَثُ بِحَجٍّ فَاسِدٍ، وَإِنْ كَانَ مُحْرِمًا فَدَامَ فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي حَنِثَ بِالتَّكْبِيرِ) هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِذَلِكَ، وَيُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَلٍّ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ فِيهِ صَلَاةً، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ مَا ذُكِرَ ثَانِيًا مَوْجُودٌ فِيمَنْ شَرَعَ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَهَبُ زَيْدًا شَيْئًا، وَلَا يُوصِي لَهُ، وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ) وَلَا يُعِيرُهُ، وَلَا يُهْدِي لَهُ (فَفَعَلَ وَلَمْ يَقْبَلْ زَيْدٌ، حَنِثَ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَهُ ابْنُ شُرَيْحٍ: لِأَنَّ ذَلِكَ لَا عِوَضَ لَهُ، فَيَحْنَثُ بِالْإِيجَابِ فَقَطْ، كَالْوَصِيَّةِ، وَفِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ مِثْلُهُ فِي بَيْعٍ، وَقَالَهُ الْقَاضِي فِي: إِنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلِأَنَّ الِاسْمَ يَقَعُ عَلَيْهَا بِدُونِ الْقَبُولِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] ، أَرَادَ الْإِيجَابَ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا قَبُولَ لَهَا حِينَئِذٍ.
فَرْعٌ: إِذَا نَذَرَ أَنْ يَهَبَهُ شَيْئًا بَرَّ بِالْإِيجَابِ كَيَمِينِهِ، وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ فَوَهَبَهُ، لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ مِنَ الْهِبَةِ، وَلَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ عَلَى نَوْعٍ بِفِعْلِ نَوْعٍ آخَرَ، وَلَا يَثْبُتُ لِلْجِنْسِ حُكْمُ النَّوْعِ، وَلِهَذَا حُرِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ تُحَرَّمِ الْهِبَةُ، وَلَا الْهَدِيَّةُ، لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَهَبُهُ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ، كَمَا لَوْ أَهْدَى إِلَيْهِ، أَوْ أَعْمَرَهُ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لِلَّهِ يجب إخراجه، فَلَيْسَ هُوَ هِبَةً مِنْهُ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ تَطَوُّعًا حَنِثَ، لَمْ يَذْكُرِ ابْنُ هُبَيْرَةَ عَنْ أَحْمَدَ غَيْرَهُ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ) هَذَا رِوَايَةٌ، لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ
عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اسْمًا وَحُكْمًا، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَالْهَدِيَّةِ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُسَمَّى هِبَةً، وَاخْتِلَافُ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِ الصَّدَقَةِ نَوْعًا مِنَ الْهِبَةِ، فَتَخْتَصُّ بِاسْمٍ دُونَهَا، كَاخْتِصَاصِ الْهَدِيَّةِ وَالْعُمْرَى بِاسْمَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمَا هِبَةً (وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعَارِيَةَ إِبَاحَةٌ، وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ إِجَارَتَهَا (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْعَارِيَةَ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ هِبَةِ الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ كَالْعَيْنِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَهُ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَهُوَ فِي الْعُرْفِ هِبَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، كَوَصِيَّةٍ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الْمِلْكِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ حَنِثَ بِمُسَاوَاتِهِ الْهِبَةَ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ مِلْكِهِ فَلَا، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ هِبَةِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْهِبَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْوَقْفِ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ تَرَكَ لَهُ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ وَهَبَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ أَخَذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ هِبَةً أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ كُلِّهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ الْخِلَافَ، وَيَحْنَثُ بِالْهَدِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ أَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ عَنْهُ دَيْنًا لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ.