الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْتُهُ، لَمْ تَنْعَقِدِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ. وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا، فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمْ فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا، عَاقِلًا، حُرًّا، مُسْلِمًا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقِيلَ: يَنْعَزِلُ بِهِ، فَهَلْ يَعُودُ قَاضِيًا بِلَا تَوْلِيَةٍ جَدِيدَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
وَمَنْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ قَاضِي بَلَدٍ، وَوَلِيَ غَيْرُهُ فَبَانَ الْأَوَّلُ حَيًّا، لَمْ يَنْعَزِلْ فِي الْأَقْوَى. (وَإِذَا قَالَ الْمُوَلِّي: مَنْ نَظَرَ فِي الْحُكْمِ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَهُوَ خَلِيفَتِي، أَوْ قَدْ وَلَّيْتُهُ لَمْ تَنْعَقِدِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَنْظُرُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ بِالْوِلَايَةِ أَحَدًا مِنْهُمْ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَنْعَقِدَ لِمَنْ نَظَرَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ وِلَايَةَ الْإِمَارَةِ بَعْدَ زَيْدٍ عَلَى شَرْطٍ، فَكَذَا وِلَايَةُ الْحُكْمِ. (وَإِنْ قَالَ: وَلَّيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا فَمَنْ نَظَرَ مِنْهُمَا فَهُوَ خَلِيفَتِي. انْعَقَدَتِ الْوِلَايَةُ) لِمَنْ نَظَرَ لِأَنَّهُ وَلَّاهُمَا جَمِيعًا، ثُمَّ عَيَّنَ السَّابِقَ مِنْهُمَا.
[شُرُوطُ الْقَاضِي]
فَصْلٌ
(وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي عَشْرُ صِفَاتٍ: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا) لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَنْعَقِدُ قَوْلُهُمَا فِي أَنْفُسِهِمَا، فَلَأَنْ لَا يُنَفَّذَ فِي غَيْرِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُمَا يَسْتَحِقَّانِ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا، وَالْقَاضِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيْنَ الْحَالَيْنِ مُنَافَاةٌ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو الْفَرَجِ فِي كُتُبِهِ: بَالِغًا.
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي صِحَّةِ أَشُدِّهِ لَا يُعْرَفُ فِيهِ رِوَايَةٌ. (ذَكَرًا) وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورِيَّةُ. وَجَوَابُهُ قَوْلُهُ عليه السلام: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ نَاقِصَةُ الْعَقْلِ، وَقَلِيلَةُ الرَّأْيِ، لَيْسَتْ أَهْلًا لِحُضُورِ الرِّجَالِ. (حُرًّا) لِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْقُوصٌ بِرِقِّهِ، مَشْغُولٌ بِحُقُوقِ سَيِّدِهِ، كَالْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، لَكِنْ تَصِحُّ وِلَايَةُ
سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَبْدٍ إِمَارَةً سِرِّيَّةً، وَقَسْمُ صَدَقَةٍ وَفَيْءٍ، وَإِمَامَةُ صَلَاةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ فِيهِ: بِإِذْنِ سَيِّدٍ. (مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْكُفْرَ يَقْتَضِي إِذْلَالَ صَاحِبِهِ، وَالْقَضَاءُ يَقْتَضِي احْتِرَامَهُ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ، فَكَذَا هُنَا، عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ فِسْقٍ بِشُبْهَةٍ، فَوَجْهَانِ. (سَمِيعًا) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ. (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا الْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ. (مُتَكَلِّمًا) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إِشَارَتَهُ. (مُجْتَهِدًا) إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ لَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي إِلَّا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدُ الِاجْتِهَادِ، إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ! وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَلِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا، فَالْحَاكِمُ أَوْلَى.
وَلَكِنْ فِي الْإِفْصَاحِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا تَوْلِيَةُ مُجْتَهِدٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا عنى بِهِ مَا كَانَتِ الْحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ هذه الْمَذَاهِبِ.
وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ وَمُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إِمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاخْتَارَ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُقَلِّدًا. وَقِيلَ: يُفْتِي بِهِ ضَرُورَةً. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا.
وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ: يُفْتِي غَيْرَ مُجْتَهِدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْحَاجَةِ. فَعَلَى هذا يُرَاعِي أَلْفَاظَ إِمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا وَتَقْلِيدَ كِبَارِ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ،
وَالْمُجْتَهِدُ مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تعالى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عليه السلام الْحَقِيقَةَ والمجاز، وَالْأَمْرَ وَالنَّهْيَ، وَالْمُجْمَلَ وَالْمُبَيَّنَ، وَالْمُحْكَمَ وَالْمُتَشَابِهَ، وَالْخَاصَّ وَالْعَامَّ، وَالْمُطْلَقَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يَحْكُمُ وَلَوِ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ، وَأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنِ الظَّاهِرِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ الْخِلَافُ فِي مُجْتَهِدٍ. (وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .
أَحَدُهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ عليه السلام كَانَ أُمِّيًّا وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ مَعْرِفَةُ الْكِتَابَةِ.
وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِيَعْلَمَ مَا يَكْتُبُهُ كَاتِبُهُ فَيَأْمَنَ تَحْرِيفَهُ.
وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَشَرَطَ الْخِرَقِيُّ وَالْحَلَوَانِيَّةُ وَابْنُ رَزِينٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنْ يَكُونَ وَرِعًا، وَقِيلَ: وَزَاهِدًا. وَأَطْلَقَ فِيهِمَا فِي التَّرْغِيبِ وَجْهَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا مُغَفَّلًا، وَهُوَ مُرَادٌ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: لَا يَكُونُ بَلِيدًا، وَلَا نَافِيًا لِلْقِيَاسِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تُقِيُّ الدِّينِ: الْوِلَايَةُ لَهَا رُكْنَانِ: الْقُوَّةُ وَالْأَمَانَةُ، فَالْقُوَّةُ فِي الْحُكْمِ تَرْجِعُ إِلَى الْعِلْمِ بِالْعَدْلِ وَتَنْفِيذِ الْحُكْمِ. وَالْأَمَانَةُ تَرْجِعُ إِلَى خَشْيَةِ اللَّهِ - تَعَالَى.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَجِبُ تَوْلِيَةُ الْأَمْثَلِ فَالْأَمْثَلِ، فَالشَّابُّ بِالصِّفَاتِ كَغَيْرِهِ، لَكِنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى، مَعَ التَّسَاوِي يُرَجَّحُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ أَيْضًا. (وَالْمُجْتَهِدُ) مَأْخُوذٌ مِنْ الِاجْتِهَادِ: وَهُوَ اسْتِفْرَاغُ الْفَقِيهِ الْوُسْعَ لِتَحْصِيلِ ظَنٍّ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. (مَنْ يَعْرِفُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عليه السلام الْحَقِيقَةَ) وَهِيَ: اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ. (وَالْمَجَازَ) وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ وَضْعٍ أَوَّلَ. زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهٍ يَصِحُّ. (وَالْأَمْرَ) وَهُوَ: الْقَوْلُ الْمُقْتَضِي طَاعَةَ الْمَأْمُورِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ. (وَالنَّهْيَ) وَهُوَ: اقْتِضَاءُ كَفٍّ عَنْ فِعْلٍ، لَا بِقَوْلِ كُفَّ. (وَالْمُجْمَلَ) وَهُوَ: مَا لَا يُفْهَمُ
وَالْمُقَيَّدَ، وَالنَّاسِخَ الرافع وَالْمَنْسُوخَ، وَالْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا مِنْ سَقِيمِهَا وَتَوَاتُرَهَا مَنْ آحَادِهَا وَمُرْسَلَهَا وَمُتَّصِلَهَا، وَمُسْنَدَهَا وَمُنْقَطِعَهَا، مِمَّا لَهُ تُعَلُّقٌ بِالْأَحْكَامِ خَاصَّةً، وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مِنْهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ شَيْءٌ. (وَالْمُبَيَّنَ) وَهُوَ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ حَيِّزِ الْإِشْكَالِ إِلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي وَالْوُضُوحِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: اسْمٌ جَامِعٌ لِمَعَانٍ مُجْتَمِعَةِ الْأُصُولِ مُتَشَعِّبَةِ الْفُرُوعِ. (وَالْمُحْكَمَ) الْمُتَّضِحَ الْمَعْنَى. (وَالْمُتَشَابِهَ) مُقَابِلُهُ: إِمَّا لِاشْتِرَاكٍ، أَوْ ظُهُورِ تَشْبِيهٍ. (وَالْخَاصَّ) قَصْرُ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مُسَمَّيَاتِهِ. (وَالْعَامَّ) مَا دَلَّ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ اشْتَرَكَتْ فِيهِ مُطْلَقُ أَجْزَائِهِ. (وَالْمُطْلَقَ) مَا دَلَّ عَلَى شَائِعٍ فِي جِنْسِهِ. (وَالْمُقَيَّدَ) وَهُوَ مَا دَلَّ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ. (وَالنَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ) فَهُوَ: الرَّافِعُ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ. (وَالْمَنْسُوخَ) وَهُوَ: مَا ارْتَفَعَ شَرْعًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ شَرْعًا. (وَالْمُسْتَثْنَى) وَهُوَ الْمُخْرَجُ بِإِلَّا، وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنْ لَفْظٍ شَامِلٍ لَهُ. (وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ) وَهُوَ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ بِإِخْرَاجِ بَعْضِ مَا دُلَّ عَلَيْهِ بِإِلَّا، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهَا.
(وَيَعْرِفُ مِنَ السُّنَّةِ صَحِيحَهَا) وَهُوَ: مَا نَقَلَهُ الْعَدْلُ الضَّابِطُ عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ شُذُوذٍ وَلَا عِلَّةٍ. (مِنْ سَقِيمِهَا) وَهُوَ مَا لَمْ تُوجَدْ فِيهِ شُرُوطُ الصِّحَّةِ كَالْمُنْقَطِعِ وَالْمُنْكَرِ وَالشَّاذِّ وَغَيْرِهَا. (وَتَوَاتُرَهَا) هُوَ: الْخَبَرُ الَّذِي نَقَلَهُ جَمْعٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، مُسْتَوِيًا فِي ذَلِكَ طَرَفَاهُ وَوَسَطُهُ.
الْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِي عَدَدٍ، بَلْ يُسْتَدَلُّ بِحُصُولِ الْعِلْمِ عَلَى حُصُولِ الْعَدَدِ، وَالْعِلْمُ الْحَاصِلُ عَنْهُ ضَرُورِيٌّ فِي الْأَصَحِّ مِنْ آحَادِهَا، وَهُوَ مَا عَدَا التَّوَاتُرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ رَاوِيهِ وَاحِدًا، بَلْ كُلُّ مَا لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ فَهُوَ آحَادٌ. وَمُرْسَلَهَا) وَهُوَ: قَوْلُ غَيْرِ الصَّحَابِيِّ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا مُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ فَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَمُتَّصِلَهَا) وَهُوَ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رُوَاتِهِ سَمِعَهُ مِمَّنْ فَوْقَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا، (وَمُسْنَدَهَا) وَهُوَ: مَا اتَّصَلَ إِسْنَادُهُ مِنْ رَاوِيهِ إِلَى مُنْتَهَاهُ. وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. (وَمُنْقَطِعَهَا) هُوَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ سَنَدُهُ، عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الِانْقِطَاعُ. (مِمَّا لَهُ تُعَلُّقٌ بِالْأَحْكَامِ خَاصَّةً) . وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقُرْآنِ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حِفْظُ خَمْسِمِائَةِ آيَةٍ كَمَا نَقَلَهُ الْمُعْظَمُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ بِدَلِيلِهِ، كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْقِبْلَةِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا دَلَالَةٌ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهَا إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَوَجَبَ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ
وَالْقِيَاسَ وَحُدُودَهُ وَشُرُوطَهُ، وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ، وَالْعَرَبِيَّةَ الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمَا يُوَالِيهِمْ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ وَرُزِقَ فَهْمُهُ، صَلَحَ للفتيا والْقَضَاءِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِيُعْرَفَ دَلَالَتُهُ، وَوَقْفُ الِاجْتِهَادِ عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ. (وَيَعْرِفُ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ) وَهُوَ: اتِّفَاقُ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ عَلَى أَمْرٍ (مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ) . (وَالْقِيَاسُ) وَهُوَ: رَدُّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلٍ بِعِلَّةٍ. (وَحُدُودَهُ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ. (وَشُرُوطَهُ) بَعْضَهَا يَرْجِعُ إِلَى الْأَصْلِ، وَبَعْضَهَا إِلَى الْفَرْعِ، وَبَعْضَهَا إِلَى الْعِلَّةِ. (وَكَيْفِيَّةَ اسْتِنْبَاطِهِ) عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَالِّهَا. (وَالْعَرَبِيَّةَ) هِيَ: الْإِعْرَابُ، أَوِ الْأَلْفَاظُ الْعَرَبِيَّةُ. وَالْأَشْهَرُ أَنَّهَا اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ مِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصِهَا بِأَحْوَالٍ هِيَ: الْإِعْرَابُ، لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنَ اللُّغَاتِ. (الْمُتَدَاوَلَةَ بِالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ) وَالْيَمَنِ، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ. (وَمَا يُوَالِيهِمْ) لِيَعْرِفَ بِهِ اسْتِنْبَاطَ الْأَحْكَامِ مِنْ أَصْنَافِ عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَلْفُتْيَا، فَالْحُكْمُ مِثْلُهُ بَلْ أَشَدُّ. (وَكُلُّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفُرُوعِهِ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ) أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ. (وَرُزِقَ فَهْمُهُ، صَلُحَ لَلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ) لِأَنَّ الْعَالِمَ بِذَلِكَ يَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَوَضْعِهَا فِي مَوَاضِعِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ: مَنْ حَصَّلَ أُصُولَ الْفِقْهِ وَفُرُوعَهُ فَمُجْتَهِدٌ، وَلَا يُقَلِّدُ أَحَدًا. وَعَنْهُ: يَجُوزُ. وَقِيلَ: مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: كَخَوْفِهِ عَلَى خُصُومٍ مُسَافِرِينَ فَوَّتَ رُفْقَتَهُمْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَتَحَرَّى الِاجْتِهَادَ فِي الْأَصَحِّ.
1 -
مَسَائِلُ: الْأُولَى: تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَلَا تَصِحُّ تَوْلِيَةُ فَاسِقٍ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ إِجْمَاعًا، فَإِنْ فُسِّقَ بِشُبْهَةٍ فَوَجْهَانِ. وَمَا مَنَعَ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ مَنَعَ دَوَامَهَا، وَقِيلَ: الْفِسْقُ الطَّارِئُ يَمْنَعُ تَوْلِيَةَ الْقَضَاءِ وَدَوَامَهَا، وَفِي الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى رِوَايَاتٌ: ثَالِثُهَا: يَمْنَعُ انْعِقَادَهَا لَا دَوَامَهَا، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَمَا فُقِدَ مِنْهَا فِي الدَّوَامِ أَزَالَ الْوِلَايَةَ، إِلَّا فَقْدَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، فَإِنَّ وِلَايَةَ حُكْمِهِ بَاقِيَةٌ فِيهِ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: فَإِنْ نَسِيَ الْفِقْهَ أَوْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خَرِسَ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَلَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ، أَوْ فَسَقَ، أَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ سُكْرٍ مُحَرَّمٍ أَوْ إِغْمَاءٍ، أَوْ عَمِيَ انْعَزَلَ، وَيَلْزَمُ الْمُدَّعِي أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَفْرُغَ لَهُ الْحَاكِمُ مِنْ شُغْلِهِ، وَلَهُ مُلَازَمَةُ غَرِيمِهِ حَتَّى يَفْرُغَ إِنْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ حَاضِرَةً أَوْ قَرِيبَةً، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً بَعِيدَةً فَوَجْهَانِ.
الثَّانِيَةُ: تَصِحُّ فُتْيَا مَسْتُورِ الْحَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ قَرَابَةً، أَوْ أَخْرَسَ تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ أَوْ كِتَابَتُهُ، أَوْ مَعَ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ، وَقِيلَ: وَعَدَاوَةٍ، وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُفْتِيَ. وَقِيلَ: لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ، وَنَحْوِهِمَا.
الثَّالِثَةُ: يُحْرَمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفُتْيَا وَاسْتِفْتَاءُ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ، فَإِنْ عُرِفَ مَا سُئِلَ عَنْهُ وَجَوَابُهُ، أَجَابَ سَرِيعًا. وَيُحْرَمُ أَنْ يَتْتَبَعَ الْحِيَلَ الْمُحَرَّمَةَ وَالْمَكْرُوهَةَ وَالتَّرَخُّصَ لِمَنْ أَرَادَ نَفْعَهُ، وَالتَّغْلِيظَ لِمَنْ أَرَادَ ضُرَّهُ، وَإِنْ حَسُنَ قَصْدُهُ فِي حِيلَةٍ لَا شُبَهَ فِيهَا، وَلَا مَفْسَدَةَ لِيَخْلُصَ بِهَا حَالِفًا مِنْ يَمِينِهِ، كَقِصَّةِ أَيُّوبَ عليه السلام جَازَ. وَيَحْرُمُ التَّحَيُّلُ لِتَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ بِلَا ضَرُورَةٍ.
الرَّابِعَةُ: يُمْنَعُ مِنَ الْفُتْيَا فِي حَالٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا فَإِنْ أَفْتَى وَأَصَابَ كُرِهَ وَصَحَّ، وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ، وَلَهُ أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ تَعَيَّنَ أَنَّهُ يُفْتِي وَلَهُ كِفَايَةٌ فَوَجْهَانِ. وَإِنْ كَانَ اشْتِغَالُهُ بِهَا وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا يَقْطَعُهُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ، فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَمْ يَأْخُذْ عَلَى فُتْيَاهُ أُجْرَةً، وَمَعَ عَدَمِهِ لَهُ أَخْذُ أُجْرَةِ خَطِّهِ لَا فُتْيَاهُ. وَإِنْ جَعَلَ لَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ رِزْقًا لِيَتَفَرَّغَ لِفَتَاوِيهِمْ جَازَ. وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ إِنْ كَانَتْ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُهُ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ لِنَفْعِهِ بِجَاهِهِ أَوْ مَالِهِ.
وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ فِي الْأَصَحِّ، وَيَجُوزُ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ وَإِمْكَانُ تَوْلِيَةِ سِوَاهُ فِي الْأَقْيَسِ، وَلَا يَكْفِيهِ قَوْلُ مَنْ لَمْ تَسْكُنْ نَفْسُهُ إِلَيْهِ مِنْهُمَا.
الْخَامِسَةُ: يَلْزَمُ كُلَّ مُقَلِّدٍ أَنْ يَلْتَزِمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فِي الْأَشْهَرِ، فَلَا يُقَلِّدَ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَقِيلَ: بَلَى، وَقِيلَ: ضَرُورَةً، فَإِنِ الْتَزَمَ فِيمَا أَفْتَى بِهِ أَوْ عَمِلَ بِهِ أَوْ ظَنَّهُ حَقًّا أَوْ لَمْ يَجِدْ مُفْتِيًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَلَا تَجُوزُ الْفَتْوَى فِي عِلْمِ الْكَلَامِ بَلْ يُنْهَى السَّائِلُ عَنْهُ، وَالْعَامَّةُ أَوْلَى، وَيُؤْمَرُ الْكُلُّ بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ، وَمَا يَلِيقُ بِاللَّهِ - تَعَالَى - وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيمَا يُطْلَبُ فِيهِ الْجَزْمُ، وَلَا