الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى
وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: أَقُولُ: إِنَّ الْعَشَرَةَ فِي الْجَنَّةِ، وَلَا أَشْهَدُ. فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: مَتَى قُلْتَ فَقَدْ شَهِدْتَ.
وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: وَهَلْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَالشَّهَادَةِ إِلَّا وَاحِدٌ.
وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: الْعِلْمُ شَهَادَةٌ.
فَرْعٌ: لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى الْآنَ، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى]
[مَشْرُوعِيَّة اليمين في الدعاوي]
بَابُ الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى
الْيَمِينُ تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ فِي الْحَالِ، وَلَا تُسْقِطُ الْحَقَّ. وَتَصِحُّ يَمِينُ كُلِّ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ دَعْوَى صَحِيحَةٌ فِيمَا يَصِحُّ بَذْلُهُ.
وَمَنْ أَنْكَرَ بُلُوغَهُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ، أَوِ ادَّعَاهُ لِتِسْعِ سِنِينَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ.
فَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ. وَقِيلَ: إِنِ ادَّعَاهُ بِالسِّنِّ احْتَاجَ بَيِّنَةً فَلَا يُحَلِّفُهُ.
وَلَا يَحْلِفُ وَصِيٌّ عَلَى نَفْيِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُوصِي.
قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: بَلْ عَلَى نَفْيِ لُزُومِهِ مِنَ التَّرِكَةِ إِلَى الْمُدَّعِي. وَلَا شَاهِدَ عَلَى صِدْقِهِ إِلَّا الْمُرْضِعَةُ، وَلَا حَاكِمَ عَلَى حُكْمِهِ أَوْ نَفْيِهِ أَوْ عَدْلِهِ أَوْ نَفْيِ جَوْرِهِ وَظُلْمِهِ، وَلَوْ مَعْزُولًا، وَلَا الْمُدَّعِي إِذَا طَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ، فَقَالَ: لِيَحْلِفْ أَنَّهُ مَا أَحْلَفَنِي. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهُ، فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينَ الرَّدِّ. وَلَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا قَالَ الْمُدَّعِي: لِيَحْلِفْ أَنَّهُ مَا أَحْلَفَنِي. وَلَا مَنْ حُكِمَ لَهُ بِشَيْءٍ فَقَالَ خَصْمُهُ: إِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ. وَإِنْ ادَّعَى الْوَصِيُّ أَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لِلْفُقَرَاءِ بِشَيْءٍ فَأَنْكَرَهُ الْوَرَثَةُ، وَنَكَلُوا عَنِ الْيَمِينِ حُبِسُوا حَتَّى يَحْلِفُوا أَوْ يُقِرُّوا. وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِذَلِكَ، وَلَا يَحْلِفُ الْوَصِيُّ. وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ فِي دَفْتَرِهِ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ لِمَيِّتٍ لَا وَارِثَ لَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ، حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. وَلَا يَحْلِفُ الْحَاكِمُ، فِي الْأَصَحِّ. (وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ فِي كُلِّ حَقٍّ
النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالرِّقِّ وَالْوَلَاءِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالنَّسَبِ وَالْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ، وَسَائِرُ السِّتَّةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِآدَمِيٍّ) فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا الْمُؤَلِّفُ، وَجَزَمَ بِهَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَقَدَّمَهَا ابْنُ رَزِينٍ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهَا أَوْلَى ; لِقَوْلِهِ عليه السلام: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَجَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ الدِّمَاءِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الدَّعْوَى بِالدَّمِ تُشْرَعُ فِيهَا الْيَمِينُ، وَسَائِرُ الْحُقُوقِ إِمَّا مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فَوَجَبَ مَشْرُوعِيَّةُ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ؛ وَلِأَنَّهَا دَعْوَى صَحِيحَةٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ كَدَعْوَى الْمَالِ.
وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهَا تُشْرَعُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ الْعَشَرَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ، وَسَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مَالٌ أَوْ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ، إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِلَّا فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ) فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِمَا. قَالَ: وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ; لِأَنَّ أَمْرَهُمَا أَشَدُّ وَلَا يَدْخُلُهُمَا الْبَدَلُ. (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِلَّا فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ: النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَالرَّجْعَةِ وَالرِّقِّ، وَالْوَلَاءِ وَالِاسْتِيلَادِ، وَالنَّسَبِ وَالْقَذْفِ، وَالْقِصَاصِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالْآدَمِيُّ، وَزَادُوا: الْإِيلَاءَ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْيَمِينُ كَالْحُدُودِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الطَّلَاقِ وَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ رِوَايَتَانِ) ؛ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى تَأَكُّدِهَا يَنْبَغِي أَلَا تُشْرَعَ الْيَمِينُ فِيهَا، وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَتُشْرَعُ فِيهَا. (وَسَائِرُ السِّتَّةِ) أَيْ: جَمِيعُهَا. (لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ) لِتَأَكُّدِهَا وَعَدَمِ مُسَاوَاةِ غَيْرِهَا لَهَا. وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ إلا فِي طَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَقَوَدٍ وَقَذْفٍ.
وَعَنْهُ: يُسْتَحْلَفُ فِيمَا يقضي فِيهِ بِالنُّكُولِ. وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: مَا لَا يَجُوزُ بَدَلُهُ وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَاهِدَيْنِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ. وَفَسَّرَ الْقَاضِي الِاسْتِيلَادَ بِأَنْ يَدَّعِيَ اسْتِيلَادَ أَمَةٍ، فَتُنْكِرَهُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هِيَ الْمُدَّعِيَةُ.
الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ وَلَا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْكَرَتِ النِّكَاحَ. وَتَحْلِفُ إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُؤلِي مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَلَفَ، وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ حَلَفَ مَعَهُ، وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَذَكَرَ الْقَاضِي وَالسَّامَرِّيُّ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَيْهِ وَالْوِكَالَةَ لَا يُسْتَحْلُفُ فِيهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يُسْتَحْلَفُ فِي إِيلَاءٍ وَلَا فِيهِ. قَالَ السَّامَرِّيُّ: لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إِذَا ادَّعَيَا عَلَى الرَّجُلِ. فَإِنِ ادَّعَاهُمَا الرَّجُلُ فَلَا يَمِينَ عَلَى الْمَرْأَةِ ; لِأَنَّهُ إِقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ. (وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْلَفُ فِي الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ. (وَلَا فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَنْكَرَتِ النِّكَاحَ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَدَلُهَا. (وَتَحْلِفُ إِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) لِمَا فِيهِ مِنَ الِاحْتِيَاطِ لِبُضْعِهَا، وَإِذَا أَحْلَفْنَاهُ فِي ذَلِكَ قَضَيْنَا فِيهِ بِالنُّكُولِ، إِلَّا فِي قَوَدِ النَّفْسِ خَاصَّةً.
قَالَ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ الْكَوْسَجِ ـ فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ فَأَنْكَرَ: يَحْلِفُ لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ أُقِيمَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. وَعَنْهُ: لَا يُقْضَى بِالْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ.
قَالَ ابْنُ حِمْدَانَ: وَهِيَ أَصَحُّ. وَعَنْهُ: لَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ إِلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً. قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي. وَمَتَى لَمْ يَثْبُتِ الْقَوَدُ بِنُكُولِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاكِلَ الدِّيَةُ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْقَسَامَةِ. وَكُلُّ نَاكِلٍ قُلْنَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، فَهَلْ يُخَلَّى سَبِيلُهُ أَوْ يُحْبَسُ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصْلُهُمَا إِذَا نَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللِّعَانِ، وَفِي رَدِّ الْيَمِينِ خِلَافٌ سَبَقَ.
فَإِنْ قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فَتَعَذَّرَ رَدُّهَا، قُضِيَ بِالنُّكُولِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفُ وَلِيُّ صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ. وَقِيلَ: إِنْ بَاشَرَ مَا ادَّعَاهُ.
وَقِيلَ: بَلْ يَحْلِفَا إِذَا زَالَ الْمَانِعُ، وَلَا يُقْضَى بِالنُّكُولِ قَبْلَ ذَلِكَ. (وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُؤلِي مُضِيَّ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ حَلَفَ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْلِفْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى تَضَرُّرِ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. (وَإِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا بِعِتْقِهِ حَلَفَ مَعَهُ) ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ نَقْلُ مِلْكٍ، أَشْبَهَ الْبَيْعَ. (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحُدُودِ وَالْعِبَادَاتِ) أَمَّا الْحُدُودُ فَلَا نَعْلَمُ فِيهَا خِلَافًا ; لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ قُبِلَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَخُلِّيَ، فَلَئِنْ لَا يُسْتَحْلَفَ مَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى.
وَنَحْوِهَا وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ. وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ شَاهَدٌ وَيَمِين المدعي وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ، حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ. وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَأَمَّا الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ كَدَعْوَى السَّاعِي عَلَى الزَّكَاةِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ يَمِينٍ كَالْحُدُودِ وَكَالصَّلَاةِ وَكَذَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَدَقَةٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي نَفْيِ ذَلِكَ بِغَيْرِ يَمِينٍ ; لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُدَّعِي فِيهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ. كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَضَمَّنَتْ دَعْوَاهُ حَقًّا لَهُ مِثْلُ: أَنْ يَدَّعِيَ سَرِقَةَ مَالِهِ أَوِ الزِّنَى بِجَارِيَتِهِ لِيَأْخُذَ مَهْرَهَا، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَتَجِبُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَيقضي بِالنُّكُولِ فِي الْمَغْرَمِ. (وَيَجُوزُ الْحُكْمُ فِي الْمَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَشْهُودِ بِهِ. (وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ) وما (شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٌ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ ; لِأَنَّ شَهَادَةَ النِّسَاءِ نَاقِصَةٌ وَإِنَّمَا انْجَبَرَتْ بِانْضِمَامِ الذَّكَرِ إِلَيْهِنَّ. (وَيُحْتَمَلُ أَنْ تُقْبَلَ) هَذَا وَجْهٌ ; لِأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ فِي الْمَالِ تَقُومَانِ مَقَامَ رَجُلٍ، وَيَبْطُلُ ذَلِكَ بِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ إِجْمَاعًا. (وَلَا يُقْبَلُ فِي النِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ وَسَائِرِ مَا لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ، شَاهِدٌ وَيَمِينُ) الْمُدَّعِي، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ) مِثْلُ أَنْ يَدَّعِيَ مِائَةً عَلَى شَخْصٍ، وَيُقِيمَ شَاهِدًا وَيُرِيدَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ. (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ) مِثْلُ أَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ مِائَةٌ، فَيَقُولُ: مَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. (حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَحْلَفَ رَجُلًا، فَقَالَ: قُلْ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ مَا لَهُ عَلَيْكَ حَقٌّ»
1 -
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى النَّفْيِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ) وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ: يَحْلِفُ فِي إِثْبَاتٍ وَنَفْيٍ عَلَى الْبَتِّ، إِلَّا لِنَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ.
وَنَقَلَ الْجَمَاعَةُ: أَوْ نَفْيُ دَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ فَيَكْفِيهِ نَفْيُ الْعِلْمِ. (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ) مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ غَيْرَهُ غَصَبَهُ ثَوْبَهُ. (أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ) اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ.
غَيْرِهِ أَوْ دَعْوَى عَلَيْهِ فِي الْإِثْبَاتِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ. وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً. فَرَضُوا جَازَ وَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ «وَلَكِنْ أُحَلِّفُهُ وَاللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا أَرْضِي غَصَبَنِيهَا أَبُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِحَاطَةُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ نَفْسِهِ. وَكَالشَّهَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ بِالْقَطْعِ فِيمَا يُمْكِنُ الْقَطْعُ فِيهِ مِنَ الْعُقُودِ.
وَعَلَى الظَّنِّ فِيمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْقَطْعُ مِنَ الْأَمْلَاكِ وَالْأَنْسَابِ.
وَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِانْتِفَائِهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إِلَّا فُلَانٌ وَفُلَانٌ.
وَعَنْهُ: يَمِينُ النَّفْيِ الْعِلْم فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَعَنْهُ: وَغَيْرُهَا عَلَى الْعِلْمِ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَاحْتَجَّ بِالْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَرْفُوعًا «لَا تَضْطَرُّوا النَّاسَ فِي أَيْمَانِهِمْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ» .
وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ: يَمِينُهُ بَتٌّ عَلَى فِعْلِهِ، وَنَفْيٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
وَعَبْدُهُ كَأَجْنَبِيٍّ فِي حَلِفِهِ عَلَى الْبَتِّ. وَأَمَّا بَهِيمَتُهُ فَمَا يُنْسَبُ إِلَى تَفْرِيطٍ وَتَقْصِيرٍ فَعَلَى الْبَتِّ، وَإِلَّا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ. (وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لِجَمَاعَةٍ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُمْ يَمِينًا وَاحِدَةً. فَرَضُوا جَازَ) ذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ بَعْضُ الْيَمِينِ، كَمَا أَنَّ الْحُقُوقَ إِذَا قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ الْوَاحِدَةُ لَا يَكُونُ لِكُلِّ حَقٍّ بَعْضُ الْبَيِّنَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ ; لِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، فَإِذَا رَضِيَ بِهَا اثْنَانِ صَارَتِ الْحُجَّةُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَاقِصَةً، وَالْحَجَّةُ النَّاقِصَةُ لَا تَكْمُلُ بِرِضَى الْخَصْمِ، كَمَا لَوْ رَضِيَ أَنْ يُحْكَمَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ.
1 -
(وَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ لِكُلِّ وَاحِدٍ يَمِينًا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ ; لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
وَحَكَى الْإِصْطَخْرِيُّ: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ الْقَاضِيَ حَلَّفَ رَجُلًا بِحَقٍّ لِرَجُلَيْنِ يَمِينًا وَاحِدَةً، فَخَطَّأَهُ أَهْلُ عَصْرِهِ.