الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ اشْتَهَرَ مَجَازُهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، كَالرَّاوِيَةِ، وَالظَّعِينَةِ، وَالدَّابَّةِ، وَالْغَائِطِ، وَالْعَذِرَةِ، وَنَحْوِهَا، فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ دُونَ الْحَقِيقَةِ. وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ، تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا، أَوْ مُنْتَعِلًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الْقِسْمُ الثَّالِثُ الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ]
فَصْلٌ (فَأَمَّا الْأَسْمَاءُ الْعُرْفِيَّةُ، فَهِيَ أَسْمَاءٌ اشْتَهَرَ مَجَازُهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَى الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَشْتَهِرْ تَكُونُ مَجَازًا لُغَةً، وَسُمِّيَتْ عُرْفِيَّةً لِاسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَهَا فِي غَيْرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فِي مَعْنًى، ثُمَّ يَصِيرُ مَدْلُولُهُ عَلَى مَعْنًى آخَرَ عُرْفِيٍّ، وَلَا شُبْهَةَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ (كَالرَّاوِيَةِ) لِلْمَزَادَةِ فِي الْعُرْفِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْجَمَلُ: الَّذِي يستقى عَلَيْهِ، (وَالظَّعِينَةِ) هِيَ فِي الْعُرْفِ لِلْمَرْأَةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلنَّاقَةِ الَّتِي يُظْعَنُ عَلَيْهَا، (وَالدَّابَّةِ) : اسْمٌ لِذَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ: اسْمٌ لِمَا دَبَّ، (وَالْغَائِطِ، وَالْعَذِرَةِ) فِي الْعُرْفِ: الْخَارِجُ الْمُسْتَقْذَرُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ الْغَائِطُ: الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، وَالْعَذِرَةُ: فِنَاءُ الدَّارِ، (وَنَحْوِهَا) أَيْ: نَحْوِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، (فَتَتَعَلَّقُ الْيَمِينُ بِالْعُرْفِ) لِأَنَّهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَالِفَ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ، فَصَارَ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ (دُونَ الْحَقِيقَةِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ مَهْجُورَةً، وَلَا يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَتِهِ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِجِمَاعِهَا) لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ اللَّفْظُ فِي الْعُرْفِ إِلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَسَرَّى، حَنِثَ بِوَطْئِهَا أَيْضًا، وَقَدْ سَبَقَ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى وَطْءِ دَارٍ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِدُخُولِهَا) لِأَنَّهَا غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلْجِمَاعِ، فَوَجَبَ تَعَلُّقُ يَمِينِهِ بِدُخُولِهَا، (رَاكِبًا، أَوْ مَاشِيًا، أَوْ حَافِيًا، أَوْ مُنْتَعِلًا) لِأَنَّ الْيَمِينَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الدُّخُولِ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِنْ دَخَلَهَا رَاكِبًا لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَضَعْ قَدَمَهُ فِيهَا، وَهَلْ يَحْنَثُ بِدُخُولِ مَقْبَرَةٍ؟ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ لَا، إِنْ قُدِّمَ الْعُرْفُ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي قَوْلِهِ عليه السلام:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ» ، إِنَّ اسْمَ
الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ، أَوْ لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُمَا أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَحْنَثُ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ سَمَكًا، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الدَّارِ يَقَعُ عَلَى الْمَقَابِرِ، قَالَ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الدَّارَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الرَّبْعِ الْمَسْكُونِ، وَعَلَى الْخَرَابِ غَيْرِ الْمَأْهُولِ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشُمُّ الرَّيْحَانَ، فَشَمَّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ وَالْيَاسَمِينَ) ، وَلَوْ كَانَ يَابِسًا، (أَوْ لَا يَشُمُّ الْوَرْدَ وَالْبَنَفْسَجَ، فَشَمَّ دُهْنَهُمَا، أَوْ مَاءَ الْوَرْدِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ) ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ الْمُسَمَّى عُرْفًا، وَيَمِينُهُ تَخْتَصُّ بالريحان الفارسي، (وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْنَثُ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَابْنُ حَمْدَانَ، وَصَحَّحَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَحِينَئِذٍ يَحْنَثُ بِشَمِّ كُلِّ نَبْتٍ رِيحُهُ طَيِّبٌ كَمِرْزَجُوشَ، لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الرَّيْحَانِ حَقِيقَةً، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِشَمِّ الْفَاكِهَةِ، وَجْهًا وَاحِدًا.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَشُمُّ طِيبًا، فَشَمَّ نَبْتًا طَيِّبَ الرِّيحِ كَالْخُزَامِ وَنَحْوِهِ، حَنِثَ فِي الْأَشْهَرِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا، فَأَكَلَ سَمَكًا، حَنِثَ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ) قَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَالْمَجْدُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: 14] ، وَلِأَنَّهُ جِسْمُ حَيَوَانٍ يُسَمَّى لَحْمًا، فَحَنِثَ بِأَكْلِهِ كَلَحْمِ الطَّيْرِ، وَتَقْدِيمًا لِلشَّرْعِ وَاللُّغَةِ (وَلَمْ يَحْنَثْ عِنْدَ ابْنِ أَبِي مُوسَى) إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ إِطْلَاقُ اسْمِ اللَّحْمِ، وَلَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ لَحْمٍ، فَاشْتَرَى لَهُ
حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا، وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ، وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ، وَالْجَرَادِ، عِنْدَ الْقَاضِي. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ رَأْسٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بِيضٍ يُزَايَلُ بَائِضُهُ حَالَ الْحَيَاةِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ، أَوْ أُدْمٍ، أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً، حَنِثَ عِنْدَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سَمَكًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الِاسْمَ، فَيُقَالُ مَا أَكَلْتُ لَحْمًا، وَإِنَّمَا أَكَلْتُ سَمَكًا، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا قَعَدْتُ تَحْتَ سَقْفٍ، فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِقُعُودِهِ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى سَقْفًا مَحْفُوظًا، لِأَنَّهُ مَجَازٌ، كَذَا هُنَا، وَالْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ اللَّحْمِ وَالسَّقْفِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَقْعُدُ تَحْتَ سَقْفٍ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالسَّمَاءُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِيَمِينِهِ، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ثَمَّ مَجَازٌ، وَهُنَا حَقِيقَةٌ لِكَوْنِهِ مِنْ حَيَوَانٍ يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ، فَكَانَ الِاسْمُ فِيهِ حَقِيقَةً كَلَحْمِ الطَّيْرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رَأْسًا، وَلَا بَيْضًا، حَنِثَ بِأَكْلِ رُءُوسِ الطَّيْرِ وَالسَّمَكِ، وَبَيْضِ السَّمَكِ، وَالْجَرَادِ) وَغَيْرِ ذَلِكَ (عِنْدَ الْقَاضِي) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِعُمُومِ الِاسْمِ فِيهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَاءً، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِشُرْبِ الْمَاءِ الْمِلْحِ وَالْمَاءِ النَّجِسِ، وَمَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا حَنِثَ بِكُلِّ خُبْزٍ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ خُبْزُ بَلَدِهِ الْأُرْزَ حَنِثَ بِهِ، وَفِي حِنْثِهِ بِخُبْزِ غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَحْنَثُ إِلَّا بِأَكْلِ رَأَسٍ جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَكْلِهِ مُنْفَرِدًا، أَوْ بَيْضٍ يُزَايَلُ بَائِضَهُ حَالَ الْحَيَاةِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ اللَّفْظُ عُرْفًا، فَلَمْ يَحْنَثْ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شِوَاءً فَأَكَلَ بَيْضًا، وَنَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ: بَيْضُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ يُزَايِلُهُمَا فِي الْحَيَاةِ، وَلَا يُؤْكَلُ فِي حَيَاتِهِمَا، وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ كَالْمُقْنِعِ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ كَانَ بِمَكَانٍ الْعَادَةُ إِفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فِيهِ حَنِثَ، وَفِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَجْهَانِ نَظَرًا إِلَى أَصْلِ الْعَادَةِ أَوْ عَادَةِ الْحَالِفِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ شَيْءٍ يُسَمَّى بَيْضًا غَيْرَ بَيْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا بِشَيْءٍ يُسَمَّى رَأْسًا غَيْرَ رُءُوسِ الْحَيَوَانِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِرَأْسٍ وَلَا بَيْضٍ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا، فَدَخَلَ مَسْجِدًا، أَوْ حَمَّامًا، أَوْ بَيْتَ شَعْرٍ، أَوْ أُدْمٍ) حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُمَا بَيْتَانِ حَقِيقَةً، لِقَوْلِهِ
أَصْحَابِنَا، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ، فَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36]، وقَوْله تَعَالَى:{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 96]، وَقَوْلِهِ عليه السلام:«بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَإِذَا كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْتًا وَفِي عُرْفِ الشَّارِعِ حَنِثَ بِدُخُولِهِ كَبَيْتِ الْإِنْسَانِ، وَأَمَّا بَيْتُ الشَّعْرِ وَالْأُدْمِ، فَلِأَنَّ اسْمَ الْبَيْتِ يَقَعُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا} [النحل: 80] وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْخَيْمَةَ كَذَلِكَ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ، وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا، لَكِنْ إِنْ عَيَّنَ خَيْمَةً اقْتُلِعَتْ وَضُرِبَتْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ نَقَلَهَا حَنِثَ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ دِهْلِيزِ دَارٍ أَوْ صُفَّتِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا. (أَوْ لَا يَرْكَبُ، فَرَكِبَ سَفِينَةً، حَنِثَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) لِأَنَّهُ رُكُوبٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41]، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] ، (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْتًا وَلَا رُكُوبًا فِي الْعُرْفِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الِاحْتِمَالَ فِي الصُّوَرِ كُلِّهَا، وَظَاهِرُ الْمُغْنِي: أَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ فَقَطْ، قَالَ: لِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا تُسَمِّي ذَلِكَ بَيْتًا، (فَإِنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ، فَقَرَأَ، أَوْ سَبَّحَ، أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى، لَمْ يَحْنَثْ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعُرْفِ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنِ الْكَلَامِ، وَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى زَكَرِيَّا بِالتَّسْبِيحِ مَعَ قَطْعِ الْكَلَامِ عَنْهُ، وَقَالَ: إِنْ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ، وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ كَلَامٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26]، وَقَوْلِهِ عليه السلام:«كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ» . الْخَبَرَ. وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ، لِأَنَّ مَا لَا يُحْنَثُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُحْنَثُ بِهِ خَارِجًا مِنْهَا، كَالْإِشَارَةِ،
لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا، أَوْ عَضَّهَا، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، لَمْ يُبِرَّ فِي يَمِينِهِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ (وَإِنْ دَقَّ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ) بَابَهُ (فَقَالَ: ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ، يَقْصِدُ تَنْبِيهَهُ) بِالْقُرْآنِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَمِينُهُ إِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لَبَطَلَتْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ لَمَا بَطَلَتْ، قِيلَ: فِي ذَلِكَ مَنْعٌ، وَإِنْ سُلِّمَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالْقُرْآنِ، وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا يَصِحُّ مَعَ الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا بِخِلَافِ الْحَلِفِ، فَإِنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِيهِ كَوْنُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ، وَقَدْ وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِيهِ، فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ فِي شَرْطِهِ، وَفِي الْمَذْهَبِ وَجْهٌ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْقُرْآنَ أَنَّهُ يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، وَحَقِيقَةُ الذِّكْرِ مَا نُطِقَ بِهِ، فَتُحْمَلُ يَمِينُهُ عَلَيْهِ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْكَلَامُ يَتَضَمَّنُ فِعْلًا كَالْحَرَكَةِ، وَيَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَرِنُ بِالْفِعْلِ مِنَ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي، فَلِهَذَا يُجْعَلُ الْقَوْلُ قِسْمًا لِلْفِعْلِ، وَقِسْمًا آخَرَ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مَنْ حَلَفَ لَا يَعْمَلُ عَمَلًا، فَقَالَ قَوْلًا كَالْقِرَاءَةِ، هَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ فَسَمِعَ الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ إِجْمَاعًا، قَالَهُ أَبُو الْوَفَاءِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُ امْرَأَتَهُ، فَخَنَقَهَا، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهَا، أَوْ عَضَّهَا، حَنِثَ) لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْكَ تَأْلِيمِهَا، وَقَدْ آلَمَهَا، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَمِلُ أَلَّا يَحْنَثَ بِذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ أَلَّا يُؤْلِمَهَا، أَوْمَأَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرِّعَايَةِ، لَكِنْ لَوْ عَضَّهَا لِلتَّلَذُّذِ وَلَمْ يَقْصِدْ تَأْلِيمَهَا لَمْ يَحْنَثْ.
وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بَرَّ، لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ بِالضَّرْبِ، وَإِنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا لَمْ يَبِرَّ، وَهَلِ اللَّطْمُ وَالْوَكْزُ ضَرْبٌ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ، قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، لَمْ يَبِرَّ فِي يَمِينِهِ) نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ السَّامِرِيُّ وَصَاحِبُ الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ