الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَيَتَحَالَفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً بَيْنَ نَهَرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْض الْآخَرِ، تَحَالَفَا وَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا فِي يَدَيْهِمَا ـ وَإِنْ كَانَ مُمَيَّزًا ـ فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ، فَهُوَ حُرٌّ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[كَوْنُ الْعَيْنِ فِي يَدِي الْمُتَدَاعِيَيْنِ]
فصل (الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ فِي يَدَيْهِمَا فَيَتَحَالَفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْيَدِ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ نَكَلَا جَمِيعًا عَنِ الْيَمِينِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ بِجَمِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا فِي يَدِهِ بِيَمِينِهِ، وَمَا فِي يَدِ الْآخَرِ بِنُكُولِهِ، أَوْ بِيَمِينِهِ الَّتِي رُدَّتْ عَلَيْهِ بِنُكُولِ صَاحِبِهِ، وَفَى كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْنَا: هُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، إِنَّمَا يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الَّذِي نَجْعَلُهُ لَهُ، (وَإِنْ تَنَازَعَا مُسَنَّاةً) الْمُسَنَّاةُ: السَّدُّ الَّذِي يَرِدُ مَاءَ النَّهْرِ مِنْ جَانِبِهِ (بَيْنَ نَهَرِ أَحَدِهِمَا وَأَرْضِ الْآخَرِ، تَحَالَفَا، وَهِيَ بَيْنَهُمَا) ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ حَاجِزٌ بَيْنَ مِلْكِهِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَشْبَهَ الْحَائِطَ بَيْنَ الدَّارَيْنِ، وَقِيلَ: لِرَبِّ النَّهْرِ، وَقِيلَ: لِرَبِّ الْأَرْضِ، وَلِرَبِّ النَّهْرِ الِارْتِفَاقُ بِهَا فِي تَنْظِيفِ النَّهْرِ، وَالْحَوْضُ كَالنَّهْرِ فِي ذَلِكَ.
فَرْعٌ: إِذَا تَنَازَعَا جَرَّارًا بَيْنَ مِلْكِهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَيَتَحَالَفَانِ، وَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَنَّ نِصْفَهُ لَهُ، وَفِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ كُلَّهُ لَهُ (وَإِنْ تَنَازَعَا صَبِيًّا) مَجْهُولَ النَّسَبِ (فِي يَدَيْهِمَا) كذلك، أَيْ: يَتَحَالَفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ الْبَهِيمَةَ، إِلَّا أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ سَبَبَ يَدِهِ غَيْرُ الْمِلْكِ، مِثْلَ: أَنْ يَلْتَقِطَهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِرِقِّهِ؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ مَحْكُومٌ بِحُرِّيَّتِهِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَقَدْ وُجِدَ فِيهِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَهُوَ الْيَدُ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ، فَيَحْكُمُ بِرِقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ.
فَعَلَى هَذَا: إِذَا بَلَغَ وَادَّعَى الْحُرِّيَةَ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِرِقِّهِ قَبْلَ دَعْوَاهُ، فَلَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى بَدَنِهِ، وَالْآخَرُ عَلَى ثَوْبِهِ، فَهُوَ وَثَوْبُهُ لِلْأَوَّلِ (وَإِنْ كَانَ مُمَيَّزًا، فَقَالَ: إِنِّي حُرٌّ، فَهُوَ حُرٌّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَذَكَرَ فِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْحُرِّيَّةُ، وَهِيَ الْأَصْلُ فِي بَنِي آدَمَ، وَلِأَنَّهُ يُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهِ، أَشْبَهَ الْبَالِغَ
يَكُونَ كَالطِّفْلِ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا، فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهُمَا سَوَاءٌ، وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِرِقِّهِ) فَيُعْمَلُ بِهَا (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالطِّفْلِ) أَيْ: يَكُونَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، أَشْبَهَ الطِّفْلَ، وَكَمَا لَوِ اعْتَرَفَ بِرِقِّهِ.
فَرْعٌ: إِذَا ادَّعَيَا رِقَّ بَالِغٍ فَصَدَّقَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا، وَإِنْ كَذَّبَهُمَا ـ وَلَا بَيِّنَةَ ـ حَلَفَ لَهُمَا وَخُلِّيَ، وَإِنْ صَدَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لَهُ؛ لِأَنَّ رِقَّهُ إِنَّمَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ جَحَدَهُمَا قَبْلَ قَوْلِهِ فِي الْأَشْهَرِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ سَكَتَ هُوَ أَوِ الْمُمَيَّزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُمَا.
وَقِيلَ: بَلَى، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَةً بِرِقِيِّة أَحَدُهُمَا، وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِحُرِّيَّتِهِ تَعَارَضَتَا، وَقِيلَ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَقِيلَ: عَكْسُهُ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ تُظْهِرُ صَاحِبَ الْحَقِّ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، قَدَّمَ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا) قَالَ الْقَاضِيَ: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ لِصَاحِبِهَا فِي وَقْتٍ لَمْ تُعَارِضْ فِيهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ، وَلِهَذَا لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَاقِي ذَلِكَ الزَّمَانَ، وَتَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَسَقَطَتَا وَبَقِيَ مِلْكُ السَّابِقِ تجب اسْتَدَامَتِهِ، مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَالْأُخْرَى أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ.
وَظَاهِرُ الْخِرَقِيُّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِالْمِلْكِ الْحَادِثِ أَوْلَى لِجَوَازِ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ دُونَ الْأَوَّلِ، فَإِذَا لَمْ يُرَجَّحْ بِهَذَا فَلَا أَقَلَّ مِنَ التَّسَاوِي. وَأَجَابَ فِي الْمُغْنِي عَنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَثْبُتُ تَبَعًا لِلزَّمَنِ الْحَاصِلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ انْفَرَدَتِ الدَّعْوَى بِالزَّمَنِ الْمَاضِي لَمْ تُسْمَعْ (فَإِنْ وُقِّتَتْ إِحْدَاهُمَا وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهُمَا سَوَاءٌ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمُطْلَقَةِ مَا يَقْتَضِي التَّقْدِيمَ، فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا، كَمَا لَوْ أُطْلِقَتَا جَمِيعًا (وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْمُطْلَقَةِ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بِهَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا قَبْلَ الْمُوَقَّتَةِ (وَإِنْ شَهِدَتْ إِحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ، وَالْأُخْرَى بِالْمِلْكِ وَالنِّتَاجِ أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) :
أَوْ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ، فَهَلْ تُقَدَّمُ بِذَلِكَ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَا تُقَدَّمُ إِحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، وَلَا الرجلان عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِذَا تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا، وَقُسِّمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمُهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ: لَا تُرَجَّحُ بِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي إِثْبَاتِ أَصْلِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فَوَجَبَ اسْتِوَاؤُهُمَا كَذَلِكَ.
وَالثَّانِي: تُقَدَّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِزِيَادَةٍ عَلَى الْأُخْرَى، كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ.
وَعَنْهُ: لَا تُقَدَّمُ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالسَّبْقِ، أَوْ سَبَبٍ يُفِيدُهُ كَالنِّتَاجِ فِي مِلْكِهِ وَالْإِقْطَاعِ، فَأَمَّا سَبَبُ الْإِرْثِ أَوِ الْهِبَةِ أَوِ الشِّرَاءِ فَلَا، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: فَعَلَى هَاتَيْنِ إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمِلْكٍ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأُطْلِقَتِ الْأُخْرَى، فَهَلْ هُمَا سَوَاءٌ أَوْ تُقَدَّمُ الْمُطْلَقَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ بِسَبْقِ الْمِلْكِ أَوْ سَبَبِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ. وَقِيلَ: هُمَا كَغَيْرِهِمَا فِي السُّقُوطِ وَغَيْرِهِ.
وَكَذَا إِذَا اتَّفَقَ تَارِيخُهُمَا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَلَا تقدم إِحْدَاهُمَا بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ، وَلَا اشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، وَلَا الرجلان عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ) هَذَا هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ الشَّهَادَةَ بِمِقْدَارٍ مَعْلُومٍ وَبِالْعَدَالَةِ وَبِالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ.
وَعَنْهُ: تُرَجَّحُ بِاشْتِهَارِ الْعَدَالَةِ، اخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَأَبُو الْخَطَّابِ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ، وَهُوَ قَوْلٌ فِي الرَّجُلَيْنِ وَتَخْرِيجٌ فِي كَثْرَةِ الْعَدَدِ؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ يُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ، وَلِأَنَّ الظَّنَّ يَقْوَى بِذَلِكَ (وَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) صَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ حُجَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا، فَتَقَدَّمَ عَلَى الْمُخْتَلِفِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: لَا تُرَجَّحُ بِذَلِكَ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: بَلْ تَتَعَارَضَانِ؛ لِأَنَّهُمَا حُجَّتَانِ أَشْبَهَتَا الْبَيِّنَتَيْنِ، (وَإِذَا تَسَاوَتَا تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَقُسِّمَتِ الْعَيْنُ بَيْنَهُمَا) عَلَى
بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا، وَعَنْهُ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ وَأَخَذَهَا، فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ مِلْكُهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ، وَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا.
وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ، وَفِي الْكَافِي: إنَّهُ الْأَوْلَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي بَعِيرٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاهِدَيْنِ، فَقَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَعِيرِ بَيْنَهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَاخِلٌ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ خَارِجٌ فِي نِصْفِهَا الْآخَرِ، (بِغَيْرِ يَمِينٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ لِظَاهِرِ مَا ذَكَرْنَاهُ (وَعَنْهُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، فَعَلَى هَذَا: يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى النِّصْفِ الْمَحْكُومِ لَهُ بِهِ وَكَالْخَبَرَيْنِ الْمُتَسَاوِيَيْنِ.
وَجَوَابُهُ: الْفَرْقُ أَنَّ كُلَّ بَيِّنَةٍ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ، وَالْبَيِّنَةُ الرَّاجِحَةُ يَحْكُمُ بِهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَنَصَرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَسْتَهِمَانِ عَلَى مَنْ يَحْلِفُ، وَتَكُونُ الْعَيْنُ لَهُ، وَنَقَلَهُ صَالِحٌ (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ الْقُرْعَةَ مَشْرُوعَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِبْهَامِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ حَلَفَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ لِصَاحِبِهِ (وَأَخَذَهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ فَائِدَةُ الْقُرْعَةِ، وَالْمُقَدَّمُ فِي الْفُرُوعِ: أَنَّهُ يَأْخُذُهَا مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، ثُمَّ قَالَ: وَهَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ (فَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ، لَمْ تُسْمَعِ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَقُولَا: وَهِيَ مِلْكُهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ بِهِ) لِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَقَعَ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ انْضِمَامِ الْمِلْكِ لِلْبَائِعِ، وَلِأَنَّ مُجَرَّدَ الشِّرَاءِ لَوْ أَفَادَ لَتَمَكَّنَ مَنْ أَرَادَ انْتِزَاعَ مِلْكٍ مِنْ يَدِ شَخْصٍ بِذَلِكَ، بِأَنْ يُوَافِقَ شَخْصًا لَا مِلْكَ لَهُ عَلَى إِيقَاعِ الشِّرَاءِ عَلَى الْمِلْكِ الَّذِي فِي يَدِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، وَيَنْتَزِعُهُ مِنْهُ، وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ (وَإِنِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَهِيَ مِلْكُهُ، وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو وَهِيَ مِلْكُهُ، وَأَقَامَا بِذَلِكَ بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا) لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ وَثُبُوتِ الْمِلْكِ وَذَلِكَ يُوجِبُ التَّعَارُضَ.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَرْضًا. وهو رِوَايَةٌ، وَهِيَ الْمَذْهَبُ.
اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ، قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتِ امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا، فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالثَّانِيَةُ: يُقَدِّمُ أَسْبَقَهُمَا تَارِيخًا، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لِلْخَارِجِ.
فَرْعٌ: مَنِ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِهِ، فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ عَمْرٍو حِينَ كَانَتْ مِلْكَهُ، وَسَلَّمَهَا إِلَيْهِ فَهِيَ لِزَيْدٍ، وَإِلَّا فَلَا.
وَكَذَا دَعْوَى وَقْفِهَا عَلَيْهِ مِنْ عَمْرٍو، وَهِبَتِهَا لَهُ مِنْهُ، وَمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ ادَّعَاهُ، وَذَكَرَ تَلَقِّيَهُ مَنْ سَمِعَ، وَإِلَّا فَلَا.
وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ، فَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ تَلَقِّيهِ مِنْهُ؟ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
إِذَا قَالَ: آجرتك هَذَا الْبَيْتَ بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: بَلْ جَمِيعُ الدَّارِ، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ (وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ) لِأَنَّهَا شَهِدَتْ بِأَمْرٍ خَفِيٍّ عَلَى بَيِّنَةِ الْمِلْكِ، وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، فَثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْأَوَّلِ وَالشِّرَاءُ مِنْهُ لِلثَّانِي، وَلَمْ تُرْفَعْ يَدُهُ بَلْ تُقِرُّ فِي يَدِهِ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ بِأَنَّ بَيِّنَتَهُ مُقَدَّمَةٌ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ، فَإِنَّ الْيَدَ تُرْفَعُ فِيهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ هُوَ الدَّاخِلُ، كَقَوْلِهِ: أَبْرَأَنِي مِنَ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ.
أَمَّا لَوْ قَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، طُولِبَ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهُ يَطُولُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي بَيِّنَةٍ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكٍ إِلَى حِينِ وَقْفِهِ، وَأَقَامَ وَارِثٌ بَيِّنَةً أَنَّ مُوَرِّثَهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْوَاقِفِ قَبْلَ وَقْفِهِ: قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ وارث؛ لِأَنَّ مَعَهَا مَزِيدَ عِلْمٍ، كَتَقْدِيمِ مَنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ، وَآخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ (وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِأَبِي خَلَّفَهَا تَرِكَةً، وَأَقَامَتِ امْرَأَتُهُ بَيِّنَةً أَنَّ أَبَاهُ أَصْدَقَهَا إِيَّاهَا فَهِيَ لِلْمَرْأَةِ) لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِنَقْلِ الْمِلْكِ، وَقَوْلُ الِابْنِ: إِنَّ أَبَاهُ تَرَكَهَا تَرِكَةً لَا تُعَارِضُهَا، وَإِنَّ نَافِيَهَا فِي مُسْتَنَدِهَا فِيهِ هُوَ الِاسْتِصْحَابُ، وَقَدْ تَبَيَّنَ قَطْعُهُ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى سَبَبِ النَّقْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا بَيِّنَةٌ فَيَصْدُقُ الِابْنُ إِنْ حَلَفَ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَتْ دَارٌ بِيَدِ زَيْدٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ بِكَذَا وَقُبِلَ، أَوْ