الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
افْتَرَقْنَا، فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ، وَقُدِّرَ الْفِرَاقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا، كَفُرْقَةِ الْبَيْعِ.
بَابُ النَّذْرِ
وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا وَلَا يَصْحُ إِلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ أَحَالَهُ بِهِ، فَقَبِلَ وَانْصَرَفَ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهُ بَرَّ، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ فَارَقَهُ عَنْ كَفِيلٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، حَنِثَ، وَإِنْ وَجَدَهَا مُسْتَحِقُّهَا وَأَخَذَهَا، خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ الْمَطْلُوبُ أَلَّا يُعْطِيَهُ شَيْئًا، فَوَفَّاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ بِلَا إِذْنِهِ، فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا فَارَقْتُكَ حَتَّى آخُذَ حَقِّي، فَفَرَّ الْغَرِيمُ، حَنِثَ الْحَالِفُ، وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، فَوَجْهَانِ، وَإِنْ فَرَّ الْحَالِفُ، فَلَا، عَلَى الْأَشْهَرِ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا افْتَرَقْنَا، فَهَرَبَ مِنْهُ، حَنِثَ) لِأَنَّ يَمِينَهُ تَقْتَضِي أَلَّا تَحْصُلَ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَقَدْ حَصَلَتْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا أَخَذْتَ حَقَّكَ مِنِّي، فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ حَنِثَ، وَإِنْ وَضَعَهُ الْحَالِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ، أَوْ فِي حِجْرِهِ، فَلَمْ يَأْخُذْهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يُضَمَّنُ بِمِثْلِ هَذَا مَالٌ وَلَا صَيْدٌ، وَيَحْنَثُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ: لَا أُعْطِيكَ، لِأَنَّهُ يُعَدُّ عَطَاءً، إِذْ هُوَ تَمْكِينٌ وَتَسْلِيمٌ بِحَقٍّ، فَهُوَ كَتَسْلِيمِ ثَمَنٍ وَمُثَمَّنٍ وَأُجْرَةٍ وَزَكَاةٍ، وَإِنْ أَخَذَهُ حَاكِمٌ فَدَفَعَهُ إِلَى الْغَرِيمِ وَأَخَذَهُ حَنِثَ، نَصَّ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: لَا تَأْخُذُ حَقَّكَ عَلَيَّ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا، كَقَوْلِهِ: وَلَا أُعْطِيكَهُ. (وَقُدِّرَ الْفِرَاقُ مَا عَدَّهُ النَّاسُ فِرَاقًا كَفُرْقَةِ الْبَيْعِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهُ، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ
[بَابُ النَّذْرِ]
[تَعْرِيفُ النذر وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهِ]
بَابُ النَّذْرِ
يُقَالُ: نَذَرْتُ أَنْذُرُ ـ بِكَسْرِ الذَّالِ وَضَمِّهَا ـ نَذْرًا، فَأَنَا نَاذِرٌ، أَيْ: أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا تَبَرُّعًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى:{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7]، {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] ، وَقَوْلُهُ عليه السلام:«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا
كَافِرًا، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ، وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ، وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ، لَمْ يَنْعَقِدْ.
وَالنَّذْرُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُسْتَحَبُّ، لِنَهْيِهِ عليه السلام عَنْهُ، وَقَالَ:«إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةٍ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا، لَمَا مَدَحَ الْمُوفِينَ بِهِ، لَأَنَّ ذَمَّهُمْ مِنَ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَرُدُّ قَضَاءً، وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا، وَتَوَقَّفَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي تَحْرِيمِهِ، وَحَرَّمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: الْمَذْهَبُ مُبَاحٌ (وَهُوَ: أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى شَيْئًا) يَحْتَرِزُ بِهِ عَنِ الْوَاجِبِ بِالشَّرْعِ، فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إِلَّا مَعَ دَلَالَةِ حَالٍ، وَفِي الْمَذْهَبِ: بِشَرْطِ إِضَافَتِهِ، فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ مُكَلَّفٍ) فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ، كَالْإِقْرَارِ وَكَالطِّفْلِ، (مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا) ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَشَرْطُهُ: أَنْ يَكُونَ مُخْتَارًا، أَمَّا الْأَوَّلُ، فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَيَصِحُّ مِنْهُ، وَلَوْ بِعِبَادَةٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ عُمَرَ: إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَوْفِ بِنَذْرِكَ.» وَهُوَ قَوْلُ الْمُغِيرَةِ، وَالْمَخْزُومِيِّ، وَالْبُخَارِيِّ، وَابْنِ جَرِيرٍ، وَقَالَ الْأَكْثَرُ: لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَحَمَلُوا خَبَرَ عُمَرَ عَلَى النَّدْبِ، وَقِيلَ: يَصِحُّ مِنْهُ غَيْرَ عِبَادَةٍ، لِأَنَّ نَذْرَهُ لَهَا كَالْعِبَادَةِ لَا الْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالْقَوْلِ) لِأَنَّهُ الْتِزَامٌ، فَلَمْ يَنْعَقِدْ بِغَيْرِهِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، (وَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ) كَالْيَمِينِ (وَلَا يَصِحُّ فِي مُحَالٍ وَلَا وَاجِبٍ، فَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَمْسِ، أَوْ صَوْمُ رَمَضَانَ، لَمْ يَنْعَقِدْ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى: أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْمُسْتَحِيلِ، كَصَوْمِ أَمْسِ، قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُهُ، وَالْوَفَاءُ بِهِ أَشْبَهَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُسْتَحِيلِ، وَقِيلَ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ، وَمُوجِبُهُ مُوجِبُهَا، إِلَّا فِي لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ قُرْبَةً، وَأَمْكَنَهُ فِعْلُهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام لِأُخْتِ عُقْبَةَ، لَمَّا نَذَرَتِ الْمَشْيَ، وَلَمْ تُطِقْهُ، فَقَالَ:«لِتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا، وَلْتَرْكَبْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ: