الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ، فَإِذَا وَصَلَا إِلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، دَفَعَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ، وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ. وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ وَبخْتمه، وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ.
وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أُشْهِدُكُمَا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ) لِأَنَّهُ يُحَمِّلُهُمَا الشَّهَادَةَ، فَوَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ إِشْهَادُهُ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. وَإِنْ قَالَ: اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. كَانَ أَوْلَى. فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ. فَظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدَا عَلَيَّ. كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يُجْزِئُ. ثُمَّ إِنْ قَلَّ مَا فِي الْكِتَابِ اعْتَمَدَا عَلَى حِفْظِهِ، وَإِلَّا كَتَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا نُسْخَةً بِهِ. وَيَقْبِضَانِ الْكِتَابَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَا ; لِئَلَّا يَدْفَعَ إِلَيْهِمَا غَيْرَهُ. (فَإِذَا وَصَلَا إِلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، دَفَعَا إِلَيْهِ الْكِتَابَ) ثُمَّ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ شَهِدَا بِهِ. (وَقَالَا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، كَتَبَهُ مِنْ عَمَلِهِ وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا مِنْ قَاضٍ، وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ قَضَائِهِ. وَفِي كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: كَتَبَهُ بِحَضْرَتِنَا، وَقَالَ لَنَا: اشْهَدَا عَلَيَّ، كَتَبْتُهُ فِي عَمَلِي، فَثَبَتَ عِنْدِي وحَكَمْتُ بِهِ مِنْ كَذَا وَكَذَا. فَيَشْهَدَانِ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا إِذَا وَصَلَ فِي مَجْلِسِ عَمَلِهِ. (وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَشْهَدَا بِمَا فِيهِ، وَبختمه) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. (وَلَا يُشْتَرَطُ خَتْمُهُ) لِأَنَّهُ عليه السلام كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ لَا يَقْرَأُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ. فَاتَّخَذَ الْخَاتَمَ.
[الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ]
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُقْبَلُ سَوَاءٌ كَانَ مَخْتُومًا أَوْ غَيْرَ مَخْتُومٍ، وَمَفْتُولًا أَوْ غَيْرَ مَفْتُولٍ ; لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا لَا عَلَى الْخَطِّ وَالْخَتْمِ. فَإِنِ انْمَحَى الْخَطُّ وَكَانَا يَحْفَظَانِ مَا فِيهِ، جَازَ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ اسْمَهُ فِي الْعُنْوَانِ، وَلَا ذِكْرُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا لَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ لَا يُقْبَلُ ; لِأَنَّ الْكِتَابَ إِلَيْهِ.
وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. لَمْ يَصِحَّ ; لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا، حَتَّى يُعْلِمَهُ مَا فِيهَا. وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ لِقَوْلِهِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا. وَعَلَى هَذَا إِذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ، جَازَ قَبُولُهُ، وَالْعَمَلُ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَلَا يَكْفِي ذِكْرُ اسْمِهِ فِي الْعُنْوَانِ دُونَ بَاطِنِهِ ; لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى وَجْهِ الْمُخَاطَبَةِ. (وَإِنْ كَتَبَ كِتَابًا وَأَدْرَجَهُ وَخَتَمَهُ، وَقَالَ: هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانٍ، اشْهَدَا عَلَيَّ بِمَا فِيهِ. لَمْ يَصِحَّ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِمَجْهُولٍ لَا يَعْلَمَانِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ. كَمَا لَوْ شَهِدَا أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ مَالًا. (لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ فِيمَنْ كَتَبَ وَصِيَّةً وَخَتَمَهَا ثُمَّ أَشْهَدَ عَلَى مَا فِيهَا: فَلَا حَتَّى يُعْلِمَهُ بِمَا فِيهَا) هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى جِهَةِ الْأَصْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْهُ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ. (وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ) هَذا رِوَايَةٌ، كَمَا لَوْ شَهِدَا مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنَ الدَّرَاهِمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَهَا. (لِقَوْلِهِ: إِذَا وُجِدَتْ وَصِيَّةُ الرَّجُلِ مَكْتُوبَةً عِنْدَ رَأْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَشْهَدَ أَوْ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعُرِفَ خَطُّهُ، وَكَانَ مَشْهُورًا، فَإِنَّهُ يُنَفَّذُ مَا فِيهَا) لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى. فَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا. (وَعَلَى هَذَا إِذَا عَرَفَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ أَنَّهُ خَطُّ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَخَتْمُهُ، جَازَ قَبُولُهُ) لِأَنَّ الْقَبُولَ هُنَا كَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ عُرِفَ خَطُّهُ بِإِقْرَارٍ وَإِنْشَاءٍ، أَوْ عَقْدٍ أَوْ شَهَادَةٍ، عُمِلَ بِهِ كَمَيِّتٍ. فَإِنْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ مَضْمُونَهُ، فَكَاعْتِرَافِهِ بِالصَّوْتِ وَإِنْكَارِ مَضْمُونِهِ. وَذَكَرَ قَوْلًا فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُحْكَمُ بِخَطِّ شَاهِدٍ مَيِّتٍ. وَقَالَ: الْخَطُّ كَاللَّفْظِ إِذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا خَطُّهُ كَمَا يَعْرِفُ أَنَّ هَذَا صَوْتُهُ. (وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) لِمَا تَقَدَّمَ، فَالْعَمَلُ بِهِ أَوْلَى.
فَرْعٌ: إِذَا تَرَافَعَ إِلَيْهِ خَصْمَانِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا بِحُكْمِ وِلَايَتِهِ، إِلَّا بِتَرَاضِيهِمَا بِهِ. فَيَكُونُ حُكْمُ غَيْرِ الْقَاضِي إِذَا تَرَاضَيَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَصْمَانِ مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ أَوْ لَمْ يَكُونَا. وَلَوْ تَرَافَعَ إِلَيْهِ اثْنَانِ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ، كَانَ لَهُ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ أَذِنَ الْإِمَامُ لِقَاضٍ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ كَانُوا، أَوْ مَنَعَهُ مِنَ
الْأَوَّلِ، فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ، فَأَحْضَرَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ. وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: غَيْرِي. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ، لَمْ يَقْدَحْ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحُكْمِ فِي غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ حَيْثُ مَا كَانَ، كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَذِنَ فِيهِ، أَوْ مَنَعَ مِنْهُ ; لِأَنَّ الْوِلَايَةَ بِتَوْلِيَتِهِ، فَكَانَ الْحُكْمُ عَلَى وَفْقِهَا. (فَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ، فَأَحْضَرَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ الْخَصْمَ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ، فَقَالَ: لَسْتُ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ. فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ. وَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ. وَكَذَا إِنْ رَدَّ الْيَمِينَ، عَلَى الْخِلَافِ. (إِلَّا أَنْ تَقُومَ بِهِ بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ قَوْلَهُ مُعَارَضٌ بِالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ رَاجِحَةٌ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْبَلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّهُ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا. (وَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَقَالَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ: غَيْرِي. لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ (إِلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُسَاوِيهِ فِيمَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ، فَيَتَوَقَّفُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الْمُشَارِكِ لَهُ فِي الِاسْمِ، وَهُوَ يُشَاكُّ فِيهِ. وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ حَتَّى يَحْضُرَ الشَّاهِدَانِ، فَيَشْهَدَانِ عِنْدَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. فَإِنِ ادَّعَى الْمُسَمَّى أَنَّهُ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَقَدْ مَاتَ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَ الْمُعَامَلَةِ، وَكَانَ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ يَجْرِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ مُعَامَلَةٌ، فَقَدْ وَقَعَ الْإِشْكَالُ، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ عَلَى الَّذِي مَاتَ، وَإِلَّا فَلَا إِشْكَالَ.
فَرْعٌ: يُقْبَلُ كِتَابَهُ فِي حَيَوَانٍ فِي الْأَصَحِّ بِالصِّفَةِ اكْتِفَاءً بِهَا، كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ. فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ فِي صِفَتِهِ، أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ بِكَفِيلٍ مَخْتُومًا عُنُقُهُ، فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ لِيَشْهَدَ الْبَيِّنَةَ عَلَى عَيْنِهِ وَيَقْضِيَ لَهُ بِهِ، وَيَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي جَارِيَةً سُلِّمَتْ إِلَى أَمِينٍ يُوَصِّلُهَا. وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ مَا ادَّعَا لَزِمَهُ رَدُّهُ، وَمَؤُنَتُهُ مُنْذُ تَسَلَّمَهُ. ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَزَادَ: دُونَ نَفْعِهِ، وَحُكْمُهُ كَمَغْصُوبٍ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِلَا حَقٍّ.
وَقِيلَ: لَا يَقْبَلُ كِتَابَهُ بِهِ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِرَجُلٍ
كِتَابِهِ. وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَبَطَلَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِالْوَصْفِ وَالتَّحْلِيَةِ، كَذَلِكَ الْمَشْهُورُ بِهِ. وَالْأَوَّلُ: رَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ قِيَاسًا عَلَى الْعَيْنِ. وَيُخَالِفُ الْمَشْهُودَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ فِيهِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَهُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ دَعْوَاهُ. وَقِيلَ: يَحْكُمُ بِهِ الْكَاتِبُ، وَيُسَلِّمُ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ لِمُدَّعِيهِ.
وَفِي التَّرْغِيبِ: عَلَى الْأَوَّلِ لَوِ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا صِفَتُهُ كَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ، بَلْ يَكْتُبْ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُدَّعَى بِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى عَيْنِهِ. فَلَوْ كَانَ عَقَارًا مَحْدُودًا فِي بَلَدِ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، أَنْفَذَ حُكْمَ الْقَاضِي الْكَاتِبِ وَأَخَذَهُ بِهِ. وَكَذَا حُكْمُ كُلِّ مَنْقُولٍ مَعْرُوفٍ لَا يُشْتَبَهُ.
تذنيب: قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَكْتُبُ فِي الْكِتَابِ اسْمَ الْخَصْمَيْنِ، وَاسْمَ أَبَوَيْهِمَا أَوْ جَدَّيْهِمَا، وَحِلْيَتَهُمَا، وَقَدْرَ الْمَالِ، وَتَارِيخَ الدَّعْوَى، وَقِيَامَ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ، وَطَلَبَ الْخَصْمِ الْحُكْمَ، وَإِجَابَتَهُ إِلَيْهِ. وَقِيلَ: لَا يَجِبُ ذِكْرُ شُهُودِ الْمَالِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْجَدِّ فِي النَّسَبِ بِلَا حَاجَةٍ.
وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إِذَا عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْجَدِّ. فَائِدَةٌ: إِذَا تَحَمَّلَهَا وَشَهِدَ بِهَا عِنْدَ حَاكِمٍ، لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِهَا بِشَرْطِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْكِتَابُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ أَوْ مُطْلَقًا. وَلَيْسَ لِشُهُودِ الْكِتَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا فِي مَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ. وَلَهُمْ كِرَاءُ دَوَابِّهِمْ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ حَاكِمٌ: فَإِنْ شَاءُوا شَهِدُوا عِنْدَهُ لِيُمْضِيَهُ، وَيَكْتُبَ إِلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ. وَإِنْ شَاءُوا أَشْهَدَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِ شَاهِدَيْنِ، يَشْهَدَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِعَزْلٍ أَوْ مَوْتٍ لَمْ يَقْدَحْ فِي كِتَابِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي الْكِتَابِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ وَهُمَا حَيَّانِ، فَوَجَبَ أَنْ يُقْبَلَ الْكِتَابُ كَمَا لَوْ لَمْ يَمُتْ أَوْ يَنْعَزِلْ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَ إِنْ كَانَ فِيمَا حَكَمَ بِهِ فَحُكْمُهُ لَا يَبْطُلُ بِهِمَا، وَإِنْ كَانَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ فَهُوَ أَصْلٌ، وَاللَّذَانِ شَهِدَا عَلَيْهِ فَرْعٌ، وَلَا تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ بِمَوْتِ شَاهِدِ الْأَصْلِ. وَقِيلَ: لَا، كَمَا لَوْ فَسَقَ فَيَنْقَدِحُ، خَاصَّةً فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ بِفِسْقٍ لَمْ يَقْدَحْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ) قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ فَسَقَ وَفِيهِ شَيْءٌ.
وَفِي الشَّرْحِ: كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَيْءٍ ثُمَّ بَانَ فِسْقُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مَا مَضَى مِنْ أَحْكَامِهِ، كَذَا هُنَا. (وَيَبْطُلُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ) لِأَنَّ بَقَاءَ عَدَالَةِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي