الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَذْفِ، فَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِلَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ. وَإِنْ قُلْنَا: هو لِآدَمِيِّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ.
وَيَجُوزُ كِتَابُه فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
- تَعَالَى - فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ) كَحُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى. (وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ لِآدَمِيٍّ فَهُوَ كَالْقِصَاصِ) جَزَمَ فِي الْوَجِيزِ بِثُبُوتِهِ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ ; لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ. وَذَكَرُوا فِيمَا إِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ أَنَّهُ أَصْلٌ، وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ، فَلَا يُسَوَّغُ نَقْضُ الْحُكْمِ بِإِنْكَارِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ. وَلَا يَقْدَحُ فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ، بَلْ يَمْنَعُ إِنْكَارَهُ الْحُكْمَ، كَمَا يَمْنَعُ رُجُوعَ شُهُودِ الْأَصْلِ الْحُكْمَ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ.
[كِتَابُ الْقَاضِي فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ]
(وَيَجُوزُ كِتَابُهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ) مِثْلُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى إِنْسَانٍ بِحَقٍّ، فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفَاؤُهُ. أَوْ يَدَّعِيَ حَقًّا عَلَى غَائِبٍ، وَيُقِيمَ بَيِّنَةً عِنْدَهُ، وَيَسْأَلَ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ، وَيَسْأَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْغَائِبُ، فَيَكْتُبَ لَهُ إِلَيْهِ. أَوْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ عَلَى حَاضِرٍ، فَيَهْرُبَ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْحَاكِمَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِحُكْمِهِ، فَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ إِجَابَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ. (لِيُنَفِّذَهُ فِي الْمَسَافَةِ الْقَرِيبَةِ، وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ; لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ إِلَيْهِ يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ.
وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ كَانَا بِبَلَدٍ وَاحِدٍ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ، يَجِبُ إِمْضَاؤُهُ عَلَى كُلِّ حَاكِمٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَفِي حَقٍّ للَّهِ - تَعَالَى -. (وَيَجُوزُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ فِي الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ دُونَ الْقَرِيبَةِ) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ، فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَكِتَابُهُ بِالْحُكْمِ لَيْسَ هُوَ نَقْلًا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ.
وَعَنْهُ: فَوْقَ يَوْمٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: خَرَّجْتُهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَقَلَّ كَخَبَرٍ. وَقَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ.
قَالَ الْقَاضِي: وَيَكُونُ فِي كِتَابِهِ: شَهِدَ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ بِكَذَا. لِيَكُونَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي يَقْضِي، وَلَا يَكْتُبُ: ثَبَتَ عِنْدِي. لِأَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا كَبَقِيَّةِ الْأَحْكَامِ. قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ.
مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَقُولُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ ; لِأَنَّهُ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ كَشُهُودِ الْفَرْعِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْر وَنَهْي يَتَضَمَّنُ إِلْزَامًا.
فَرْعٌ: لَوْ أَثْبَتَ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ، كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ، فَلِحَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ مَسَافَةً قَرِيبَةً. وَإِنْ لَمْ يَحْكُمِ الْمَالِكِيُّ، بَلْ قَالَ: ثَبَتَ كَذَا. فَكَذَلِكَ ; لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ. ثُمَّ إِنْ رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَلُزُومِ الْحَنْبَلِيِّ تَنْفِيذَهُ، يَنْبَنِي عَلَى لُزُومِ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ مَعَ عِلْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَطِّ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مُخْتَلَفًا فِيهِ. وَلِهَذَا لَا يُنَفِّذُهُ الْحَنَفِيُّ حَتَّى يُنَفِّذَهُ آخَرُ. وَلِلْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَمَعَ قُرْبِهَا، الْخِلَافُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ) كَكِتَابِهِ عليه السلام إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ. (وَإِلَى مَنْ يَصِلُ إِلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ كَمَا لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا. (وَلَا يُقْبَلُ الْكِتَابُ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ شَاهِدَانِ) عَدْلَانِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: عِنْدَ الْكَاتِبِ.
وَيَتَوَجَّهُ لَنَا: أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَعْرِفُ خَطَّهُ وَخَتْمَهُ اكْتَفَى بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَوَّارٍ وَالْعَنْبَرِيِّ ; لِأَنَّهُ يَحْصُلُ غَلَبَةُ الظَّنِّ أَشْبَهَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ.
وَجَوَابُهُ: أَنَّ مَا أَمْكَنَ إِتْيَانُهُ بِالشَّهَادَةِ لَمْ يَجُزِ الِاقْتِصَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، وَالْخَتْمُ يُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَقْلُ حُكْمٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بُدٌّ مِنْ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ. (يُحْضِرُهُمَا الْقَاضِي الْكَاتِبُ) لِأَنَّ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ بِغَيْرِ مَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ بِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. (فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا) وَهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْقَبُولِ، بَلْ قِرَاءَتُهُ هِيَ الْوَاجِبَةُ، سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَاكِمٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَهُ الْحَاكِمُ ; لِأَنَّهُ أَبْلَغُ. وَالْأَحْوَطُ أَنْ يَنْظُرَا مَعَهُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا جَازَ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ إِلَّا ثِقَةٌ. (ثُمَّ يَقُولُ: