الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي. وَعَنْهُ:
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَمَنِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَذَكَرَ شُهُودَ الْمِلْكِ وَسَبَبَهُ، صَحَّ، وَلَمْ يَضُرَّهُ ذِكْرُهُ. وَلَوْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي سَبَبًا غَيْرَهُ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ.
شَهِدَ لَهُ عَدْلَانِ بِحَقٍّ مَالِيٍّ لَا عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَهُ أَخْذُهُ فِي الْأَقْيَسِ. وَإِنْ شَهِدَا لَهُ بِقَوَدٍ لَا عِنْدَ حَاكِمٍ، فَلَا يَأْخُذُهُ. وَقِيلَ: بَلَى، كَمَا لَوْ شَهِدَتْ عِنْدَ حَاكِمٍ.
فَرْعٌ: أَعْطَى دَلَّالًا ثَوْبًا يُسَاوِي عَشْرَةً لِيَبِيعَهُ بِعِشْرِينَ، فَجَحَدَهُ، فَقَالَ: أَدَّعِي ثَوْبًا، إِنْ كَانَ بَاعَهُ فَلِي عِشْرُونَ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي عَيْنُهُ، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلِي عَشْرَةٌ. فَقَدِ اصْطَلَحَ الْقُضَاةُ عَلَى قَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى الْمَرْدُودَةِ لِلْحَاجَةِ. ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ.
وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا، فَإِنْ كَانَ بَاقِيًا فَلِي رَدُّهُ، وَإِلَّا قِيمَتُهُ، صَحَّ. وَقِيلَ: بَلْ يَدَّعِيهِ، فَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ ادَّعَى قِيمَتَهُ.
وَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ بِيَدِ الْمُنْكِرِ سُمِعَتْ فِي الْأَشْهَرِ.
[قَبُولُ شَهَادَةِ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ]
فَصْلٌ
(وَتُعْتَبَرُ فِي الْبَيِّنَةِ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، فِي اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْكَافِي، وَذَكَرَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} [الحجرات: 6] الآية، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ» . وَسَوَاءٌ طَعَنَ الْخَصْمُ فِيهِ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا، كَالْإِسْلَامِ. فَعَلَى هَذَا يَكْتُبُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ، وَكُنْيَتَهُ وَحِلْيَتَهُ، وَصَنْعَتَهُ وَسُوقَهُ، وَمَسْكَنَهُ، وَمَنْ شَهِدَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَمَا شَهِدَ بِهِ، فِي رِقَاعٍ وَيَدْفَعُهَا إِلَى أَصْحَابِ مَسَائِلِهِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَهُ حَالَ مَنْ جَهِلَ عَدَالَتَهُ، مِنْ غَيْرِ شَحْنَاءَ وَلَا عَصَبِيَّةٍ، وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يُعَرِّفَهُمُ الْمَشْهُودَ، وَلَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، وَلَا الْمَسْؤُولِينَ، وَيَدْفَعُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً، وَلَا يَعْلَمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِيَسْأَلُوا عَنْهُ، فَإِنْ رَجَعُوا
تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ. وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا عَمِلَ بِعِلْمِهِ وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا، إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا، فَيُفَرِّقُهُمَا. فَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يَقْبَلْهُمَا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِتَعْدِيلِهِ قَبِلَهُ مِنِ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ. قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ، وَرَجَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَيَشْهَدَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ.
وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ إِلَّا شَهَادَةُ الْمَسْؤُولِينَ ; لِأَنَّهُمْ شُهُودُ أَصْلٍ. فَإِنْ قَالَا: نَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ. وَلَمْ يُبَيِّنَا سَبَبَهُ، فَوَجْهَانِ. (وَعَنْهُ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ) وَهي قَوْلُ الْحَسَنِ. (اخْتَارَها الْخِرَقِيُّ) وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ لِقَبُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَلِقَوْلِ عُمَرَ: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ. وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَمْرٌ خَفِيٌّ سَبَبُهَا الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْإِسْلَامُ. فَإِذَا وُجِدَ فَلْيَكْتَفِ بِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ. فَعَلَى هَذِهِ، (إِنْ جَهِلَ إِسْلَامَهُ رَجَعَ إِلَى أقواله) لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا بِالِاعْتِرَافِ. وَلَا يَكْفِي ظَاهِرُ الدَّارِ، ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ. وَفِي جَهْلِ حُرِّيَّتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: إِنْ مَنَعُوا عَدَالَةَ الْعَبْدِ فَيُمْنَعُ بِقَوْلِهِ عليه السلام: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ» . وَهُمْ مِنْ حُمَّالِ الْعِلْمِ وَالْحَدِيثِ وَالْفَتْوَى، فَهُمْ عُدُولٌ لِقَوْلِ الْمُصْطَفَى صلى الله عليه وسلم. (وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَوَّلِ) .
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ ظَاهِرَ الْمُسْلِمِ الْعَدَالَةُ، مَمْنُوعٌ، بَلِ الظَّاهِرُ عَكْسُ ذَلِكَ، وَقَوْلُ عُمَرَ مُعَارَضٌ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِشَاهِدَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا: لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا، وَلَا يَضُرُّكُمَا إِنْ لَمْ أَعْرِفْكُمَا. وَلِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ قَدْ صَارَ صَحَابِيًّا وَهُمْ عُدُولٌ كُلُّهُمْ. (وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا عَمِلَ بِعِلْمِهِ) فِي عَدَالَةِ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ لَتَسَلْسَلَ، لِأَنَّ الْمُزَكِّيَ يَحْتَاجُ إِلَى عَدَالَتِهِمَا، فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ احْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُزَكِّينَ، ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُزَكِّيهِمَا إِلَى مُزَكِّينَ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ. (وَحَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا) لِأَنَّ شُرُوطَ الْحُكْمِ قَدْ وُجِدَتْ. (إِلَّا أَنْ يَرْتَابَ بِهِمَا) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ سُؤَالُهُمَا، وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمَا وَغَيْرِهِ. (فَيُفَرِّقُهُمَا) اسْتِحْبَابًا،
وَإِنِ اتَّفَقَا وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا، فَإِنْ ثَبَتَا حَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي. وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ. وَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا. وَلِلْمُدَّعِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَعِبَارَةُ السَّامَرِيِّ وَابْنِ حَمْدَانَ كَالَّتِي قَبْلَهَا. (وَيَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ: كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ؛ وَمَتَى؛ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ؛ وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ؛ أَوْ أَنْتَ وَصَاحِبَكَ؟) .
لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ سَبْعَةً خَرَجُوا، فَفُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَأَتَتْ زَوْجَتُهُ عَلِيًّا، فَدَعَا السِّتَّةَ، فَسَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. فَظَنَّ الْبَاقُونَ أَنَّهُ قَدِ اعْتَرَفَ، فَاسْتَدْعَاهُمْ فَاعْتَرَفُوا، فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: قَدْ شَهِدُوا عَلَيْكَ. فَاعْتَرَفَ، فَقَتَلَهُمْ. (فَإِنِ اخْتَلَفَا لَمْ يَقْبَلْهُمَا) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: يُوقَفُ عَنْ قَبُولِهَا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ. وَفِي الشَّرْحِ: سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمَا. (وَإِنِ اتَّفَقَا وَعَظَهُمَا وَخَوَّفَهُمَا) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِتَوَقُّفِهِمَا بِتَقْدِيرِ كَوْنِهِمَا شَاهِدَيْ زُورٍ. (فَإِنْ ثَبَتَا) عَلَى قَوْلِهِمَا. (حَكَمَ بِهَا إِذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَاتُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إِلَى حِينِ الْحُكْمِ، وَطَلَبُ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ: قَدْ قَبِلْتُهُمَا، فَإِنْ جَرَحْتَهُمَا، وَإِلَّا حَكَمْتُ عَلَيْكَ. ذَكَرَهُ السَّامَرِيُّ. (وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ) لِيَتَحَقَّقَ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ. (وَإِنْ سَأَلَ الْإِنْظَارَ، أُنْظِرَ ثَلَاثًا) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ إِقَامَتَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ. فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا شَهِدَا عِنْدَ قَاضٍ بِذَلِكَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إِذَا رُدَّتْ لِفِسْقٍ لَمْ تُقْبَلْ مَرَّةً ثَانِيَةً.
فَرْعٌ: لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا يُشْهِدُهُمُ النَّاسُ، فَيَسْتَغْنُونَ بِإِشْهَادِهِمْ عَنْ تَعْدِيلِهِمْ، وَيَكْتَفِي عَنِ الْكَشْفِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ.
قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شُهُودِهِ كُلَّ قَلِيلٍ. وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ؛ فِيهِ وَجْهَانِ. (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازِمَتُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تُوَجِّهَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُهُ،