الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْخَطَّابِ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً.
بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي
. يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ، لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، حَلِيمًا ذَا أَنَاةٍ وَفِطْنَةٍ، بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ، وَإِذَا وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ، سَأَلَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نُفُوذَ حُكْمِهِ بَعْدَ حُكْمِ حَاكِمِ الْإِمَامِ، وَأَنَّهُ إِنْ حَكَّمَ أَحَدُهُمَا خَصْمَهُ أَوْ حَكَّمَا مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ جَازَ، وَأَنَّهُ يَكْفِي وَصْفُ الْقِصَّةِ لَهُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِالرِّضَى بِهِ قَبْلَ حُكْمِهِ لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا. وَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ مِنْهُ جَازَ، وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَهُ قَبْلَ تَمَامِهِ فَوَجْهَانِ.
قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ الرِّضَى بِحُكْمِهِ. فَائِدَةٌ: لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِحُكْمِهِ، وَيَلْزَمُ الْحُكَّامَ قَبُولُهُ، وَكِتَابُهُ كَكِتَابِ حَاكِمِ الْإِمَامِ. (وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْفُذُ إِلَّا فِي الْمَالِ خَاصَّةً) هَذِهِ رِوَايَةٌ حَكَاهَا فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ.
[بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي]
[الْآدَابُ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا]
بَابُ أَدَبِ الْقَاضِي الْأَدَبُ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ وَضَمِّهَا، لُغَةً: إِذَا صَارَ أَدَبِيًّا فِي خُلُقٍ أَوْ عِلْمٍ. فَأَدَبُ الْقَاضِي: أَخْلَاقُهُ الَّتِي يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِهَا، وَالْخُلُقُ صُورَتُهُ الْبَاطِنَةُ. (يَنْبَغِي) أَيْ: يُسَنُّ. (أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ) لِئَلَّا يَطْمَعَ فِيهِ الظَّالِمُ، وَالْعُنْفُ ضِدُّ الرِّفْقِ. (لَيِّنًا مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ) لِئَلَّا يَهَابَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَظَاهِرُ الْفُصُولِ يَجِبُ ذَلِكَ. (حَلِيمًا) لِئَلَّا يَغْضَبَ مِنْ كَلَامِ الْخَصْمِ، فَيَمْنَعَهُ ذَلِكَ مِنَ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ، (ذَا أَنَاةٍ)، الْأَنَاةُ: اسْمُ مَصْدَرٍ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إِلَى عَجَلَتِهِ. (وَفِطْنَةٍ) لِئَلَّا يُخْدَعَ كَغَيْرِهِ. (بَصِيرًا بِأَحْكَامِ الْحُكَّامِ قَبْلَهُ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَمْسُ خِصَالٍ: عَفِيفٌ،
الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُدُولِ. وَيُنْفِذُ عِنْدَ مُسِيرِهِ مَنْ يَعْلَمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ. وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ أَوِ السَّبْتِ، لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ، فَيَأْتِي الْجَامِعَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَلِيمٌ، عَالِمٌ بِمَا كَانَ قَبْلَهُ، يَسْتَشِيرُ ذَوِي الْأَلْبَابِ، لَا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَرِعًا لِيُؤْمَنَ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُ مَا لَا يَحِلُّ، عَفِيفًا: هُوَ الَّذِي يَكُفُّ عَنِ الْحَرَامِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَطْمَعُ فِي مَيْلِهِ مَعَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَرْعٌ: إِذَا افْتَأَتَ عَلَيْهِ الْخَصْمُ، فَفِي الْمُغْنِي: لَهُ تَأْدِيبُهُ وَالْعَفْوُ. وَفِي الْفُصُولِ: يَزْجُرُهُ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ. وَفِي الرِّعَايَةِ: يَنْتَهِرُهُ وَيَصِيحُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَظَاهِرُهُ: يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَفِيهِ نَظَرٌ كَالْإِقْرَارِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْمُتَظَلِّمِينَ عَلَى الْحُكَّامِ وَأَعْوَانِهِمْ، فَجَازَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ.
وَلِهَذَا شَقَّ رَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ، فَأَدَّبَهُ بِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهُ. (وَإِذَا وَلِيَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ سَأَلَ عَمَّنْ فِيهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْفُضَلَاءِ وَالْعُدُولِ) لِيَعْرِفَ حَالَهُمْ، حَتَّى يُشَاوِرَ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمُشَاوَرَةِ، وَيَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ. (وَيُنْفِذُ عِنْدَ مَسِيرِهِ مَنْ يَعْلَمُهُمْ يَوْمَ دُخُولِهِ لِيَتَلَقَّوْهُ) لِأَنَّ فِي تَلَقِّيهِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَذَلِكَ طَرِيقٌ لِقَبُولِ قَوْلِهِ وَنُفُوذِ أَمْرِهِ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْمُرُهُمْ بِتَلَقِّيهِ. (وَيَدْخُلُ الْبَلَدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْخَمِيسِ أَوِ السَّبْتِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي سَبْتِهَا وَخَمِيسِهَا» ، وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ قَدِمَ يَوْمَ الْخَمِيسَ» ، وَلِأَنَّ الِاثْنَيْنَ يَوْمٌ مُبَارَكٌ. وَفِي الْكَافِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْخُلَ يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَذَكَرَ آخَرُونَ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَيَوْمَ الْخَمِيسَ. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ: أَوِ السَّبْتِ. (لَابِسًا أَجْمَلَ ثِيَابِهِ) أَيْ: أَحْسَنَهَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ سُودًا، وَإِلَّا فَالْعِمَامَةُ، فَقَدْ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَكَذَا أَصْحَابُهُ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ غَيْرُ السَّوَادِ أَوْلَى لِلْأَخْبَارِ. وَأَنَّهُ يَدْخُلُ ضَحْوَةً
فَيُصَلِّي فيه رَكْعَتَيْنِ وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ، أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضُرْ يَوْمَ كَذَا. ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ، وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ. ثُمَّ يَخْرُجُ الْيَوْم الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ، غَيْرَ غَضْبَانَ وَلَا جَائِعٍ وَلَا شَبْعَانَ وَلَا حَاقِدٍ وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْفَهْمِ فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِاسْتِقْبَالِ الشَّهْرِ، وَلَا يَتَطَيَّرُ بِشَيْءٍ، وَإِنْ تَفَاءَلَ فَحَسَنٌ. (فَيَأْتِي الْجَامِعَ) لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ أَهْلُ الْبَلَدِ لِلطَّاعَةِ، وَهُوَ أَوْسَعُ الْأَمْكِنَةِ. (فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ «النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ» . (وَيَجْلِسُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ) لِأَنَّ خَيْرَ الْمَجَالِسِ مَا استقبل بِهِ الْقِبْلَةَ. (فَإِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَمَرَ بِعَهْدِهِ فَقُرِئَ عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى الْحَاضِرِينَ لِيَعْلَمُوا تَوْلِيَتَهُ، وَيَعْلَمُوا احْتِيَاطَ الْإِمَامِ عَلَى اتباع أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَتِهِ، وَقَدْرَ الْمُوَلَّى عِنْدَهُ، وَيَعْلَمُوا حُدُودَ وِلَايَتِهِ وَمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ الْحُكْمُ فِيهَا. (وَأَمَرَ مَنْ يُنَادِي: مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَلْيَحْضِرْ يَوْمَ كَذَا،) لِيَعْلَمَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فَيَقْصِدَ الْحُضُورَ لِفَصْلِ حَاجَتِهِ. وَفِي التَّبْصِرَةِ: وَلْيُقِلَّ مِنْ كَلَامِهِ إِلَّا لِحَاجَةٍ لِلْخَبَرِ. (ثُمَّ يَمْضِي إِلَى مَنْزِلِهِ) لِيَسْتَرِيحَ مِنْ نَصَبِ سَفَرِهِ، وَيُعِدَّ أَمْرَهُ وَيُرَتِّبَ نُوَّابَهُ، لِيَكُونَ خُرُوجُهُ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ. (وَيَنْفُذُ فَيَتَسَلَّمُ دِيوَانَ الْحُكْمِ) بِكَسْرِ الدَّالِّ، وَحُكِيَ فَتْحُهَا، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ. (مِنَ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ) وَهُوَ: الدَّفْتَرُ الْمَنْصُوبُ لِيُثْبِتَ حُجَجَ النَّاسِ وَوَثَائِقَهُمْ وَسِجِلَّاتِهِمْ وَوَدَائِعَهُمْ، وَلِأَنَّهُ الْأَسَاسُ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ وَهُوَ فِي يَدِ الْحَاكِمِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ، وَقَدْ صَارَتْ إِلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ. قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ وَلْيَأْمُرْ كَاتِبًا ثِقَةً يُثْبِتُ مَا تَسَلَّمَهُ بِمَحْضَرِ عَدْلَيْنِ. (ثُمَّ يَخْرُجُ الْيَوْم الَّذِي وَعَدَ بِالْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى أَعْدَلِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ غَضْبَانَ، وَلَا جَائِعٍ، وَلَا شَبْعَانَ، وَلَا حَاقِد، وَلَا مَهْمُومٍ بِأَمْرٍ يَشْغَلُهُ عَنِ الْفَهْمِ) لِيَكُونَ أَجْمَعَ لِقَلْبِهِ وَأَبْلَغَ فِي تَيَقُّظِهِ لِلصَّوَابِ، وَلِأَنَّهُ عليه السلام قَالَ:«لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ. صَرَّحَ بِالْغَضَبِ وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. (فَيُسَلِّمُ عَلَى مَنْ يَمُرُّ بِهِ) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ كَانَ صَبِيًّا؛
وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ، وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ، وَيَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ وَلِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. وَيَجْعَلُ مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ كَالْجَامِعِ وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ فِي
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّ السُّنَّةَ سَلَامُ الْمَارِّ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ. (ثُمَّ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي مَجْلِسِهِ) لِأَنَّ السُّنَّةَ سَلَامُ الدَّاخِلِ عَلَى أَهْلِ الْمَجْلِسِ. (وَيُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ) لِقَوْلِهِ عليه السلام: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ» . وَالْأَخِيرُ قَالَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ. وَالْأَفْضَلُ الصَّلَاةُ. (وَيَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ) وَنَحْوِهِ فِي الْأَشْهَرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي هَيْبَتِهِ وَأَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَعْظَمُ لِحُرْمَةِ الشَّرْعِ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ عَلَى التُّرَابِ وَلَا عَلَى حَصِيرِ الْمَسْجِدِ. لَكِنْ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَمَا ذُكِرَ مِنْ جُلُوسِهِ عَلَى الْبِسَاطِ دُونَ تُرَابٍ وَحَصِيرٍ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ خُلَفَائِهِ، وَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ أَوْلَى، فَيَكُونُ وَجُودُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً. وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: أَنْفَذَ بِسَاطًا أَوْ لَبَّادًا أَوْ حَصِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِيُفْرَشَ لَهُ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ. وَفِي الرِّعَايَةِ: بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ. وَفِي الْكَافِي: وَيَبْسُطُ تَحْتَهُ شَيْئًا يَجْلِسُ عَلَيْهِ لِيَكُونَ أَوْقَرَ لَهُ. (وَيَسْتَعِينُ بِاللَّهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَيَدْعُوهُ سِرًّا أَنْ يَعْصِمَهُ مِنَ الزَّلَلِ وَيُوَفِّقَهُ لِلصَّوَابِ وَلِمَا يُرْضِيهِ مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ مُطْلَقًا، فَفِي وَقْتِ الْحَاجَةِ أَوْلَى، وَالْقَاضِي أَشَدُّ النَّاسِ إِلَيْهِ حَاجَةً. (ويجعل مَجْلِسَهُ فِي مَكَانٍ فَسِيحٍ كَالْجَامِعِ) وَيَصُونُهُ عَمَّا يُكْرَهُ. (وَالْفَضَاءِ وَالدَّارِ الْوَاسِعَةِ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ إِنْ أَمْكَنَ) لِيَكُونَ ذَلِكَ أَوْسَعَ عَلَى الْخُصُومِ وَأَقْرَبَ إِلَى الْعَدْلِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْقَضَاءُ فِي الْجَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْضُونَ فِي الْمَسْجِدِ. وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ السُّنَّةُ. وَالْقَضَاءُ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ، فَإِنِ اتَّفَقَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخُصُومِ مَانِعٌ مِنْ دُخُولِهِ كَحَيْضٍ وَكُفْرٍ، وَكَّلَ وَكِيلًا، أَوْ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَخْرُجَ فَيُحَاكِمَ إِلَيْهِ.