الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ. وَإِنْ كَانَتِ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ، كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا، وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصَّوْمُ، وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ.
بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ
، وَيُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إِلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى فَائِدَةٍ أُخْرَى، مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مُعَارِضٌ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ. (وَإِنْ كَانَتِ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ، كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالْحُدُودِ مِنْ أَجْنَاسٍ، (وَكَفَّارَةُ الْعَبْدِ الصَّوْمَ) لِأَنَّهُ كَفَّارَةُ الْحُرِّ الْمُعْسِرِ، وَهُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْعَبْدِ، وَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَيَصِحُّ بِإِعْتَاقٍ، وَإِطْعَامٍ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، إِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، وَإِلَّا فَلَا، وَهَلْ لَهُ إِعْتَاقُ نَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهُ) وَلَا مِنْ نَذْرِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَقَضَائِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ حَلَفَ، أَوْ حَنِثَ بِإِذْنِهِ رُوعِيَ الْحَلِفُ فَقَطْ، (وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ) وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ: وَمَنْ بَعْضُهُ، وَهُوَ أَوْلَى، (فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا، أَشْبَهَ الْحُرَّ الْكَامِلَ، وَقِيلَ: لَا يُكَفِّرُ بِعِتْقٍ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، وَجَوَابُهُ: بِالْمَنْعِ.
فَرْعٌ: يُكَفِّرُ كَافِرٌ، وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ
[بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ]
[مَا يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْأَيْمَانِ]
[الْأَوَّلُ النِّيَّةُ وَالسَّبَبُ]
بَابُ جَامِعِ الْأَيْمَانِ
(وَيُرْجَعُ فِي الْأَيْمَانِ إِلَى النِّيَّةِ) أَيْ: إِلَى نِيَّةِ حَالِفٍ لَيْسَ ظَالِمًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ يَحْتَمِلُهَا، فَمَتَى نَوَى بِيَمِينِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ تَعَلَّقَتْ يَمِينُهُ بِمَا نَوَاهُ، دُونَ مَا لَفَظَ بِهِ، سَوَاءٌ نَوَى ظَاهِرَ اللَّفْظِ، أَوْ مَجَازَهُ، مِثْلَ أَنْ يَنْوِيَ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ، أَوِ الْخَاصَّ بِالْعَامِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أو
هَيَّجَهَا، فَإِذَا حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، لَمْ يَحْنَثْ، إِذَا قَصَدَ أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إِلَّا بِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
غير ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى» فَتَدْخُلُ فِيهِ الْأَيْمَانُ، وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّارِعِ يصرف إِلَى مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى مَا أَرَادَهُ دُونَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَكَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ اطِّلَاعِهِ عَلَى تَعَيُّنِ إِرَادَتِهِ أَوْلَى، وَيُقْبَلُ حُكْمًا مَعَ قُرْبٍ الاحتمال مِنَ الظَّاهِرِ، وَمَعَ تَوَسُّطِهِ رِوَايَتَانِ: أَشْهَرُهُمَا: الْقَبُولُ.
مَسْأَلَةٌ: يَجُوزُ التَّعْرِيضُ فِي الْمُخَاطَبَةِ لِغَيْرِ ظَالِمٍ بِلَا حَاجَةٍ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَاخْتَارَهُ، لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ كَتَدْلِيسِ الْمَبِيعِ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ التَّدْلِيسَ، وَقَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَنَصُّهُ: لَا يَجُوزُ التَّعْرِيضُ مَعَ الْيَمِينِ، (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رُجِعَ إِلَى سَبَبِ الْيَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا) قَدَّمَهُ فِي الْخِرَقِيِّ وَالْإِرْشَادِ وَالْمُبْهِجِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَحَكَى رِوَايَةً، وَقَدَّمَهُ الْقَاضِي بِمُوَافَقَتِهِ أوضع، وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهَا الْقَاضِي، وَعَلَيْهَا عُمُومُ لَفْظِهِ احْتِيَاطًا، ثُمَّ إِلَى التَّعْيِينِ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ عَلَيْهِ وَضْعُ لَفْظِهِ شَرْعًا أَوْ عُرْفًا أَوْ لُغَةً، وَفِي الْمَذْهَبِ: فِي الِاسْمِ وَالْعُرْفِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ النِّيَّةُ، ثُمَّ السَّبَبُ، ثُمَّ مُقْتَضَى لَفْظِهِ عُرْفًا أَوْ لُغَةً، (فَإِذَا حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، لَمْ يَحْنَثْ إِذَا قَصَدَ أَلَّا يَتَجَاوَزَهُ، أَوْ كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الْيَمِينِ تَعْجِيلُ الْقَضَاءِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، وَلَا كَانَ السَّبَبُ يَقْتَضِيهِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ ـ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا ـ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إِلَّا بِقَضَائِهِ فِي الْغَدِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَبْرَأُ فِي كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّ عُرْفَ هَذِهِ الْيَمِينِ فِي الْقَضَاءِ التَّعْجِيلُ، فَتَنْصَرِفُ الْيَمِينُ الْمُطْلَقَةُ إِلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، فَلَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ غَدًا، وَقَصَدَ مَطْلَهُ، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، حَنِثَ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، فَإِنْ كَانَ كَأَكْلِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ، فَإِنْ عَيَّنَ وَقْتًا، وَلَمْ يَنْوِ مَا يَقْتَضِي تَعْجِيلَهُ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِيهِ، لَمْ يَبْرَأْ إِلَّا أَنْ يَفْعَلَهُ فِي وَقْتِهِ، نَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّهُ يَبْرَأُ بِتَعْجِيلِهِ عَنْ وَقْتِهِ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ إِلَّا بِمِائَةٍ، فَبَاعَهُ، بِأَكْثَرَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، (وَإِنْ بَاعَهُ بِأَقَلَّ حَنِثَ)
بَاعَهُ بِأَقَلَّ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ إِذَا قَصَدَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ، يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّ الْحَالَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: مَا لَهُ عَلَيَّ، وَلَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ كَثِيرٌ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهَا) لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَيْمَانِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَّ يَصِيرُ بِالْإِرَادَةِ خَاصًّا، وَلَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ خَاصَّةً كَقَوْلِهِ: لَا دَخَلْتُ دَارًا الْيَوْمَ، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ فِي غَيْرِهِ، فَكَذَا إِذَا نَوَاهُ، وَفِي الْفُرُوعِ: إِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، وَنَوَى الْيَوْمَ، قُبِلَ حُكْمًا، وَعَنْهُ: لَا، وَيَدِينُ.
(وَإِنْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ لَا يَتَغَدَّى، اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، إِذَا قَصَدَهُ) أَيِ: اخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِالْغَدَاءِ عِنْدَ الدَّاعِي إِذَا قَصَدَهُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا، لَكِنَّ الْقَصْدَ خَصَّصَهُ، فَصَارَ كَمَا لَوْ دُعِيَ إِلَى غَدَاءٍ، فَحَلَفَ: لَا يَتَغَدَّى عِنْدَ الدَّاعِي، وَفِيهِ وَجْهٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ لَهُ الْمَاءَ مِنَ الْعَطَشِ، يَقْصِدُ قَطْعَ الْمِنَّةِ، حَنِثَ بِأَكْلِ خُبْزِهِ، وَاسْتِعَارَةِ دَابَّتِهِ، وَكُلِّ مَا فِيهِ الْمِنَّةُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: 49]، يُرِيدُ: لَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا.
وَلِقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَلَا يَظْلِمُونَ النَّاسَ حَبَّةَ خَرْدَلِ
وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي مَوَاضِعَ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا أَقَلَّ مِنْهُ، كَقُعُودِهِ فِي ضَوْءِ نَارِهِ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ: إِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ الْمِنَّةِ لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ سَبَبٌ، وَإِنْ كَانَ لِهَذِهِ الْيَمِينِ عَادَةٌ وَعُرْفٌ، فَهُوَ كَمَنْ حَلَفَ: لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ غَدًا، فَقَضَاهُ قَبْلَهُ، (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَقْصِدُ قَطْعَ مِنَّتِهَا، فَبَاعَهُ وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ) وَكَذَا إِنِ انْتَفَعَ بِثَمَنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْخِلَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا ثَمَنَهَا» وَيَحْنَثُ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ،
وَاشْتَرَى بِثَمَنِهِ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ - يُرِيدُ جَفَاءَهَا - وَلَمْ يَكُنِ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ نَوْعُ انْتِفَاعٍ بِهِ يُلْحِقُ الْمِنَّةَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ الْمِنَّةِ، وَلَا كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لَمْ يَحْنَثْ إِلَّا بِمَا تَنَاوَلَتْهُ يَمِينُهُ، وَهُوَ لُبْسُهُ خَاصَّةً، فَإِنْ نَوَى اجْتِنَابَ اللُّبْسِ خَاصَّةً، قُدِّمَتِ النِّيَّةُ عَلَى السَّبَبِ وَجْهًا وَاحِدًا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَلَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى كُلِّ مَا فِيهِ مِنَّةٌ، جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِأَنَّ لِكَوْنِهِ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا أَثَرًا فِي دَاعِيَةِ الْيَمِينِ، فَلَمْ يَجُزْ حَذْفُهُ، وَقِيلَ: إِنِ انْتَفَعَ بِمَا لَهَا فِيهِ مِنَّةٌ بِقَدْرِهِ، أَوِ ارْتَدَّ، حَنِثَ، جَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، وَذَكَرَ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمُفْرَدَاتِ وَغَيْرِهِمَا: يَحْنَثُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْحُو مِنَّتَهَا إِلَّا بِالِامْتِنَاعِ مِمَّا يَصْدُرُ عَنْهَا، مِمَّا يَتَضَمَّنُ مِنَّةً، لِيَخْرُجَ مَخْرَجَ الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا كَانَ اللَّفْظُ أَعَمَّ مِنَ السَّبَبِ، كَرَجُلٍ امْتَنَّتْ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ بِبَيْتِهَا، فَحَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، فَقِيلَ: يُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ، كَكَلَامِ الشَّارِعِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ، لِأَنَّ قرينة حَالَهُ دَالَّةٌ عَلَى إِرَادَةِ الْخَاصِّ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَاهُ، لِإِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَهَا فِي دَارٍ يُرِيدُ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنِ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا، حَنِثَ) أَوْ لَا عُدْتُ رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَهَا، يَنْوِي مَنْعَهَا، حَنِثَ، وَلَوْ لَمْ يَرَهَا لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَمَعْنَى الْإِيوَاءِ: الدُّخُولُ، يُقَالُ: أَوَيْتُ أَنَا، وَآوَيْتُ غَيْرِي، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ} [الكهف: 10]{وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون: 50] فَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَهَا فِيمَا لَيْسَ بِدَارٍ، وَلَا بَيْتٍ، لَمْ يَحْنَثْ، سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّارُ سَبَبَ يَمِينِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ، لِأَنَّهُ قَصَدَ جَفَاءَهَا بِهَذَا النَّوْعِ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: أَقَلُّ الْإِيوَاءِ سَاعَةٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهَا فِيمَا لَيْسَ بِبَيْتٍ، فَإِنْ قَصَدَ جَفَاءَهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ يَمِينَهُ، حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ هِيَ فِيهِمْ، يَقْصِدُ الدُّخُولَ عَلَيْهَا، حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ
لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ، وَنَحْوَهُ يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إِلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ السَّبَبَ إِذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عَمَّمْنَاهُ بِهِ، وَإِنِ اقْتَضَى الْخُصُوصَ، مِثْلَ: مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، فَزَالَ الظُّلْمُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ سَوَاءً، وَإِنْ حَلَفَ: لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعْتُهُ إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَقْصِدْ شَيْئًا، وَإِنِ اسْتَثْنَاهَا بِقَلْبِهِ فَوَجْهَانِ، فَإِنْ دَخَلَ بَيْتًا لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا فِيهِ فَوَجَدَهَا فِيهِ، فَهُوَ كَالدُّخُولِ عَلَيْهَا نَاسِيًا، وَفِيهِ رِوَايَتَانِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ، فَأَقَامَ، فَهَلْ يَحْنَثُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَوْ عَلَى زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا، أَوْ عَلَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَهُ، وَنَحْوَهُ يُرِيدُ مَا دَامَ كَذَلِكَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّ الْخُرُوجَ بَعْدَ مَا ذُكِرَ بِغَيْرِ الْإِذْنِ خُرُوجٌ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ لِتَخْصِيصِ اللَّفْظِ بِإِرَادَةِ زَمَنِ الْعِمَالَةِ، وَالزَّوْجِيَّةِ، وَالْعُبُودِيَّةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ أَيْضًا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْحَالَ تَصْرِفُ الْيَمِينَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ فِي الْخُصُوصِ، لِدَلَالَتِهَا عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ، وَلَوْ نَوَى الْخُصُوصَ لَاخْتَصَّتْ يَمِينُهُ بِهِ، فَكَذَا إِذَا وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ، لِأَنَّ لَفْظَ الشَّارِعِ إِذَا كَانَ عَامًّا لِسَبَبٍ خَاصٍّ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، كَذَلِكَ يَمِينُ الْحَالِفِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ إِذَا تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتِ الصِّفَةُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِيمَنْ حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَعُزِلَ، أَنَّهَا لَا تَنْحَلُّ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى (وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ السَّبَبَ إِذَا كَانَ يَقْتَضِي التَّعْمِيمَ عَمَّمْنَاهُ بِهِ، وَإِنِ اقْتَضَى الْخُصُوصَ، مِثْلَ مَنْ نَذَرَ لَا يَدْخُلُ بَلَدًا لِظُلْمٍ رَآهُ فِيهِ، فَزَالَ الظُّلْمُ، فَقَالَ أَحْمَدُ: النَّذْرُ يُوَفَّى بِهِ) نَظَرًا إِلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ السَّبَبَ يَدُلُّ عَلَى النِّيَّةِ، فَصَارَ كَالْمَنَوِيِّ سَوَاءً) لِأَنَّ أُصُولَهُ تَقْتَضِي تَقْدِيمَ النِّيَّةِ
فُلَانٍ الْقَاضِي، فَعُزِلَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ، إِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالسَّبَبِ عَلَى عُمُومِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ وَقَصْرِهِ عَلَى الْحَاجَةِ، فَكَذَا تَجِبُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، لِكَوْنِهَا دَاخِلَةً فِي الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا اخْتَلَفَ السَّبَبُ وَالنِّيَّةُ، مِثْلَ أَنِ امْتَنَّتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ بِغَزْلِهَا، فَحَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، يَنْوِي اجْتِنَابَ اللَّبْسِ خَاصَّةً، دُونَ الِانْتِفَاعِ بِثَمَنِهِ وَغَيْرِهِ، قُدِّمَتِ النِّيَّةُ عَلَى السَّبَبِ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّ النِّيَّةَ وَافَقَتْ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَإِنْ نَوَى بِيَمِينِهِ ثَوْبًا وَاحِدًا، فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَدَّمُ السَّبَبُ، لِأَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ وَالسَّبَبُ، وَهُوَ الِامْتِنَانُ، يُؤَكِّدُ ذَلِكَ الظَّاهِرَ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّ السَّبَبَ إِنَّمَا اعْتُبِرَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْقَصْدِ، فَإِذَا خَالَفَ حَقِيقَةَ الْقَصْدِ لَمْ يُعْتَبَرْ، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّفْظُ بِعُمُومِهِ، وَالنِّيَّةُ تَخُصُّهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، (وَإِنْ حَلَفَ: لَا رَأَيْتُ مُنْكَرًا إِلَّا رَفَعْتُهُ إِلَى فُلَانٍ الْقَاضِي، فَعُزِلَ، انْحَلَّتْ يَمِينُهُ إِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا) لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَنْزِلَةِ الْخُرُوجِ، فِيمَا إِذَا حَلَفَ لِعَامِلٍ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَنَوَى مَا دَامَ عَامِلًا (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ، احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) أَحَدَهُمَا: لَا تَنْحَلُّ، قَالَ الْقَاضِي: هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَالثَّانِيَ: بَلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ: رَفَعَهُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي حَالِ وِلَايَتِهِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: إِذَا رَفَعَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْعَزْلِ بَرَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا رَأَى مُنْكَرًا فِي وِلَايَتِهِ وَأَمْكَنَ رَفْعُهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى عُزِلَ، لَمْ يَبِرَّ، وَهَلْ يَحْنَثُ بِعَزْلِهِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ كَمَا لَوْ مَاتَ. وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَوَاتُهُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَلِيَ فَيَرْفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ إِمْكَانِ رَفْعِهِ إِلَيْهِ حَنِثَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَالِي، أَذَنْ؛ فَفِي تَعْيِينِهِ وَجْهَانِ، فِي التَّرْغِيبِ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ تَعْيِينِ الْعَهْدِ وَالْجِنْسِ، وَفِيهِ: لَوْ عَلِمَ بِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، فَقِيلَ: فَاتَ الْبِرَّ كَمَا لَوْ رَآهُ مَعَهُ، وَقِيلَ: لَا، لِإِمْكَانِ صُورَةِ الرَّفْعِ، فَعَلَى الْأُولَى: هِيَ كَإِبْرَائِهِ مِنْ دَيْنٍ بَعْدَ حَلِفِهِ لِيَقْضِيَهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ، وَكَذَا قَوْلُهُ جَوَابًا لِقَوْلِهَا: تَزَوَّجْتَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، فَإِنَّهَا تُطَلَّقُ مَعَهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ، أَخْذًا بِالْأَعَمِّ مِنْ لَفْظٍ وَسَبَبٍ.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: إِذَا حَلَفَ: لَا رَأَيْتُكِ تَدْخُلِينَ دَارَ زَيْدٍ، يُرِيدُ مَنْعَهَا، فدخلت،