الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُلَازَمَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً حَكَمَ عَلَيْهِ. وَلَا يَسْمَعُ الْجَرْحَ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ.
وَ
إِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسْقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ
، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا. وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً حُكِمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ وَضُحَ عَلَى وَجْهٍ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. (وَلَا يَسْمَعُ الْجَرْحَ إِلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ، إِمَّا أَنْ يَرَاهُ أَوْ يَسْتَفِيضَ عَنْهُ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي شَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقْبَلَ مُجَرَّدَ الْجَرْحِ ; لِئَلَّا يَجْرَحَهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا. وَفِي الِاسْتِفَاضَةِ وَجْهٌ، كَتَزْكِيَةٍ. (وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فَاسِقٌ وَلَيْسَ بِعَدْلٍ) كَالتَّعْدِيلِ فِي الْأَصَحِّ. لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالسَّبَبِ يَجْعَلُ الْجَارِحَ فَاسِقًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ. وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّعْرِيضُ.
وَقِيلَ: إِنِ اتَّحَدَ مَذْهَبُ الْجَارِحِ وَالْحَاكِمِ، أَوْ عَرَفَ الْجَارِحُ أَسْبَابَ الْجَرْحِ قَبِلَ إِجْمَالَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الْمُحَرَّرِ: الْمُبَيَّنُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ. وَالْمُطْلَقُ أَنْ يَقُولَ: هُوَ فَاسِقٌ. وَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ الْمُبَيَّنُ وَالْمُطْلَقُ، أَنْ يَقُولَ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَنَحْوَهُ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ: بَلَغَنِي عَنْكَ كَذَا ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] .
فَرْعٌ: إِذَا صَرَّحَ الْجَارِحُ بِقَذْفِهِ بِالزِّنَى، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ. وَلَا يُقْبَلُ فِيهِ وَلَا فِي التَّعْدِيلِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ. وَعَنْهُ: بَلَى، كَالرِّوَايَةِ وَأَخْبَارِ الدِّيَانَاتِ.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يَقْصِدُ بِهِ الْمَالَ، وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ، أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فِي الْقِصَاصِ. وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ مِنَ الْخَصْمِ بِغَيْرِ خِلَافٍ. مَسْأَلَةٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُتَوَسِّمِينَ، وَذَلِكَ إِذَا حَضَرَ شَاهِدَانِ مُسَافِرَانِ فَشَهِدَا عِنْدَ حَاكِمٍ لَا يَعْرِفُهُمَا، كَشَاهِدَيِ الْحَضَرِ.
[إِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسْقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ]
(وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ فَاسِقٌ يَعْرِفُ حَالَهُ، قَالَ لِلْمُدَّعِي: زِدْنِي شُهُودًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مَعَ السَّتْرِ عَلَى الشَّاهِدِ. (وَإِنْ جَهِلَ حَالَهُ) لَزِمَهُ الْبَحْثُ. (وَطَالَبَ الْمُدَّعِيَ
وَطَالَبَ الْمُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ. وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيٌّ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: ليَّ وعلي.
وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى. وَإِنْ سَأَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بِتَزْكِيَتِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه لِلشَّاهِدَيْنِ: جِيئَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَالشَّكُّ فِي وُجُودِهَا كَعَدَمِهَا، كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ. (وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ، فَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَدْلٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِذَا قُلْنَا: لَيْسَتْ شَهَادَةً. وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْجَمِيعِ، وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ، يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ. وَقِيلَ: بَلْ حَقُّهُ. (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: لِي وَعَلِيَّ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ; لِئَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ قُرَابَةٌ، وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ آخَرَ. وَفِي الشَّرْحِ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لَمْ تَزُلْ بِقَرَابَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ عَدْلًا، ثُمَّ إِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ مَعْلُومًا انْتِفَاؤُهُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ، وَلَا نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ مَنْ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُ، وَلِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِ لَهُ بِالتَّزْكِيَةِ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ. وَلَا يَكْفِي فِيهَا أَنْ يَقُولَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا.
تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّينَ مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَمَعْرِفَةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. لِقَوْلِ عُمَرَ ; لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الطَّاعَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي. وَفِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا: وَلَا يَتَّهِمُ بِمَعْصِيَةٍ. وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ، وَكَذَا تَصْدِيقُهُ لَهُ. وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي الْأَشْهَرِ فِيهِنَّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَدِّلَ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ. وَقَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: قَدْ أَحْدَثْتَ فِي قَضَائِكَ. قَالَ: إِنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَإِنْ جَهِلَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ مَنَعَهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّعْدِيلِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُعَدِّلِ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ خِبْرَةً بَاطِنَةً. فَأَمَّا الْحَاكِمُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الْعَدْلُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ، فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ. وَإِنِ اسْتَكْشَفَ
الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ.
وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَهُ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ حَبَسَهُ إِنْ كَانَ فِي الْمَالِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ حَاكَمَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ، وَلَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَالَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فَحَسَنٌ. (وَإِنْ عَدَلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْجَارِحَ يُخْبِرُ بِأَمْرٍ بَاطِنٍ خَفِيَ عَلَى الْمُعَدِّلِ، وَشَاهِدُ الْعَدَالَةِ يُخْبِرُ عَنْ أَمْرٍ ظَاهِرٍ، وَلِأَنَّ الْجَارِحَ مُثْبِتٌ وَالْمُعَدِّلَ نَافٍ، وَكَذَا إِنْ زَادَ عَدَدُ الْمُعَدِّلِ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَحَهُ وَاحِدٌ وَقَبِلْنَا جَرْحَهُ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الْكَافِي بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ لَمْ تَكْمُلْ. وَإِنْ جَرَحَهُ اثْنَانِ قُدِّمَا إِذَا بَيَّنَا سَبَبَ جَرْحِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَ أَحَدُهُمَا: بِتَعْدِيلِهِ، وَالْآخَرُ: بِجَرْحِهِ، بَعَثَ آخَرَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرَا بِجَرْحِهِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ أَحَدًا. قُدِّمَ الْجَرْحُ. فَرْعٌ: إِذَا عَصَى فِي بَلَدِهِ فَانْتَقَلَ عَنْهُ، فَجَرَحَهُ اثْنَانِ فِي بَلَدِهِ، وَزَكَّاهُ اثْنَانِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلَ إِلَيْهِ، قَدَّمَ التَّزْكِيَةَ. وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ، بِخِلَافِ الْجَرْحِ. (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى يُزَكِّيَ شُهُودَهُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ) .
أَشْهُرُهُمَا: أَنَّهُ يُحْبَسُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَزَادَ: لِمُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ، وَيُحْبَسُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: لَا يُجِيبُهُ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. وَقِيلَ: يُحْبَسُ فِي الْمَالِ وَنَحْوِهِ فَقَطْ. وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ سَأَلَ كَفِيلًا بِهِ في غير حَدّ، أَوْ جَعَلَ عَيْنَ مُدَّعَاهُ فِي يَدِ عَدْلٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ. (وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا، وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ حَبَسَهُ، إِنْ كَانَ فِي الْمَالِ) جَزَمَ بِهِ في أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ; لِأَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةٌ فِيهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي. وَالْيَمِينُ إِنَّمَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَلَمْ يَحْصُلِ التَّعَذُّرُ. وَقِيلَ: لَا يُحْبَسُ. (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) :
أَحَدُهُمَا: لَا يَحْبِسُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي إِثْبَاتِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ.
وَالثَّانِي: بَلَى، كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ إِنْ حُبِسَ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ يُتِمُّ بِهِ الْبَيِّنَةَ، فَهُوَ كَالْحَقِّ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ. وَإِنْ حُبِسَ لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الْحَلِفَ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ، فَإِنْ ثَبَتَ حَقُّهُ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ.
يَقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّعْرِيفِ وَالرِّسَالَةِ، إِلَّا قَوْلَ عَدْلَيْنِ. وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ في الكل. وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً، فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَفِي الرِّعَايَةِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي الْمَالِ وَغَيْرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ وَإِلَّا حَلَفَ غَرِيمُهُ وَأُطْلِقَ.
وَقِيلَ: إِنْ طَلَبَ يَمِينَ الْمُنْكِرِ فَأَبَى، وَلَمْ تَثْبُتْ عَدَالَةُ الشَّاهِدِ حُبِسَ، وَإِلَّا فَلَا. وَقِيلَ: إِنْ تَوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى شَاهِدٍ آخَرَ، لَمْ يُحْبَسْ غَرِيمُهُ حَتَّى يُقِيمَهُ، وَإِلَّا فَاحْتِمَالَانِ.
فَرْعٌ: إِذَا أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ، فَوَجْهَانِ. وَإِنْ أَقَامَتِ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ بِطَلَاقِهَا، وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، لَا إِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا. (وَإِنْ حَاكَمَ إِلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ، تَرْجَمَ لَهُ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ إِلَّا بِذَلِكَ. (وَلَا يَقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَالتَّعْرِيفِ) الْمُرَادُ بِهِ تَعْرِيفُ الْحَاكِمِ، لَا تَعْرِيفَ الشَّاهِدِ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّ هَذِهِ فُلَانَةٌ، وَيَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِي. وَالْفَرْقُ: أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ يَحْكُمُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ. (وَالرِّسَالَةِ) وَالتَّزْكِيَةِ. (إِلَّا قَوْلَ عَدْلَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. لِأَنَّ ذَلِكَ إِثْبَاتُ شَيْءٍ يَبْنِي الْحَاكِمُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ، فَافْتَقَرَ إِلَى ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ ذَكَرَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ يَشْهَدَا بِذَلِكَ شِفَاهًا. وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمَالِ وَالزِّنَى. أَمَّا الْمَالُ: فَيَشْهَدُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَفِي الزِّنَى: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ. وَذَلِكَ شَهَادَةٌ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا. (وَعَنْهُ: يُقْبَلُ قَوْلٌ وَاحِدٌ) فِي الْكُلِّ. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ «لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ، فَتَعَلَّمَ كِتَابَ الْيَهُودِ، حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُتَبَهُ، وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُم» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعِنْدَهُ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَا تَقُولُ هَذِهِ؛ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: هَذِهِ حَاطِبُ تُخْبِرُكَ بِالَّذِي صُنِعَ مَعَهَا.