الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ، وَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ، اسْتُحِبَّ افْتِدَاءُ يَمِينِهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَلَا بَأْسَ.
فَصْلٌ وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ لَمْ يُحَرَّمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى كُلِّ يَمِينٍ (وَإِنْ دُعِيَ إِلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَهُوَ مُحِقٌّ اسْتُحِبَّ) وَفِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ: فَالْأَوْلَى (افْتِدَاءُ يَمِينِهِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إِلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ، فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا عَلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: لَقَدْ أَنْصَفَكَ، فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ، وَلَمْ يَحْلِفْ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرٌ بَلَاءً، فَيُقَالُ: يَمِينُ عُثْمَانَ (فَإِنْ حَلَفَ فَلَا بَأْسَ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَرْكُهُ أَوْلَى، فَيَكُونُ مَكْرُوهًا، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ كَتَرْكِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ عليه السلام أَنْ يَحْلِفَ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَهُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي الْقُرْآنِ، فِي سَبَأٍ، وَيس، وَالتَّغَابُنِ، وَقَالَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي يَدِهِ عَصًا: أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَمْنَعَنَّكُمُ الْيَمِينُ مِنْ حُقُوقِكُمْ، وَلِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ، أَشْبَهَ الْحَلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ: يُسْتَحَبُّ لِمَصْلَحَةٍ، كَزِيَادَةِ طُمَأْنِينَةٍ، وَتَوْكِيدِ الْأَمْرِ، وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ عليه السلام لِعُمَرَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ:«وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» تَطْمِينًا مِنْهُ لِقَلْبِهِ.
فَرْعٌ: ذَكَرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْيَمِينَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَقُولَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
[إِذَا حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ لَمْ يُحَرَّمْ]
فَصْلٌ (وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ، أَوْ شَيْئًا مِنَ الْحَلَالِ) كَطَعَامٍ وَلِبَاسٍ وَنَحْوِهِمَا، سِوَى الزَّوْجَةِ (لَمْ يَحْرُمْ) عَلَى الْمَذْهَبِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ يَمِينًا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم: 1] إِلَى قَوْلِهِ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] ،
فَعَلَهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوِ الْقُرْآنِ، أَوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ فَعَلَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُحَرِّمُهُ، فَكَذَا إِذَا حَرَّمَهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَتَقَدَّمَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ، كَالظِّهَارِ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِفِعْلِهِ، وَسَمَّاهُ خَيْرًا، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إِنْ فَعَلَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2]، يَعْنِي: التَّكْفِيرَ، وَسَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّهُ ـ عليه السلام ـ قَالَ:«لَنْ أَعُودَ إِلَى شُرْبِ الْعَسَلِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَزَادَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا: وَقَدْ حَلَفْتُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا» ، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ مَا حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا تُزِيلُهُ الْكَفَّارَةُ) هَذَا وَجْهٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وَكَتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ التَّكْفِيرَ فَلَهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَحِلُّ فِعْلِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا تَنَاقُضٌ، وَكَذَا تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ، نَحْوَ: إِنْ أَكَلْتُهُ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ، نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَطَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالْيَمِينُ تَنْقَسِمُ إِلَى أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ الْخَمْسَةِ، وَهَلْ تُسْتَحَبُّ عَلَى فِعْلِ طَاعَةٍ، أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، (وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ كَافِرٌ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ اللَّهِ، أَوْ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوِ الْقُرْآنِ، أَوِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا) لِمَا رَوَى ثَابِتُ بْنُ الضَّحَّاكِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ بملة غير الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:«مَنْ قَالَ إِنَّهُ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا، فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا، لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ. وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ) يَمِينٍ، (إِنْ فَعَلَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ،
الزِّنَى وَنَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ، أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ، إِنْ فَعَلْتُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَ: عَبْدُ فُلَانٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَقُولُ هُوَ يَهُودِيٌّ، أَوْ نَصْرَانِيٌّ، أَوْ مَجُوسِيٌّ، أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا، فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» . رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلِأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ، فَكَانَ يَمِينًا، كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى، بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ إِنْ فَعَلَهُ، لِإِبَاحَتِهِ فِي حَالٍ، وَالثَّانِيَةُ: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَصَحَّحَهَا الْمُؤَلِّفُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: الْوَقْفُ، نَقَلَهَا حَرْبٌ، (وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَى، وَنَحْوَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) إِذَا قَالَ هُوَ يَسْتَحِلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، أَوْ عَكَسَ وَأَطْلَقَ، أَوْ عَلَّقَهُ وَحَنِثَ، فَوَجْهَانِ، لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ ذَلِكَ أو تحريمه يُوجِبُ الْكُفْرَ، فَيُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهَا، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، أَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ مُحَرَّمًا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
(وَإِنْ قَالَ: عَصَيْتُ اللَّهَ، أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ إِنْ فَعَلْتُ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا نَقْصَ فِيهَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ، فَيُبْقَى الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَاخْتَارَ فِي الْمُحَرَّرِ: أَنَّهُ إِذَا قَالَ عَصَيْتُ اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي، أَنَّهُ يَمِينٌ لِدُخُولِ التَّوْحِيدِ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ: هُوَ يَمِينٌ، لِأَنَّ الْحَالِفَ لَمْ يَقْصِدْ بِقَوْلِهِ: مَحَوْتُهُ، إِلَّا إِسْقَاطَ حُرْمَتِهِ، فَصَارَ كَقَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ، وَلِأَنَّهُ إذا أَسْقَطَ حُرْمَتَهُ كَانَ يَمِينًا، كَذَا إِذَا أَتَى بِمَا فِي مَعْنَاهُ، (وَإِذَا قَالَ:
حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي، فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ، فَتَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ: فَلَغْوٌ، وَكَذَا إِنْ عَلَّقَهُ، لِأَنَّ تَعْلِيقَ الشَّيْءِ بِالشَّرْطِ أثره أَنْ يَصِيرَ عِنْدَ الشَّرْطِ كَالْمُطْلَقِ، وَإِذَا كَانَ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، فَكَذَا الْمُعَلَّقُ، وَلَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ إِذَا حَنِثَ بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِتَنْجِيزِهِ، فَالْمُعَلَّقُ أَوْلَى، وَلَا تَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّهُ حَلَفَ بِإِخْرَاجِ مَالِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: مَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، (وَعَنْهُ: عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ إِنْ حَنِثَ) لِأَنَّهُ حَلَفَ بِالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَقَعُ إِلَّا بِالْحِنْثِ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ فُلَانًا، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّهِ عَلَيَّ إِلَى آخِرِهِ، أَنَّهُ نَذْرٌ فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ، لِكَوْنِ النَّذْرِ كَالْيَمِينِ، وَتَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِخِلَافِهِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَمَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ، أَوْ فَعَلَى فُلَانٍ الْحَجُّ، أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَلَا تَجِبُ بِهِ كَفَّارَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ فِيهِ الْخِلَافَ.
(وَإِنْ قَالَ: أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي) الْبَيْعَةُ: الْمُبَايَعَةُ، أَنْ يَحْلِفَ بِهَا عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَالْأَمْرِ الْمُهِمِّ، وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِالْمُصَافَحَةِ، (فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ، وَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ قِتَالَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَحَاصَرَهُ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَأَخْرَجَهُ فَصَلَبَهُ، فَوَلَّاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ الْحِجَازَ ثَلَاثَ سِنِينَ، ثُمَّ وَلَّاهُ الْعِرَاقَ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، فَوَلِيَهَا عِشْرِينَ سَنَةً فَزَلْزَلَ أَهْلَهَا، وَرَوَى ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: يَا أَهْلَ الشَّامِ، تَجَهَّزُوا لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ بَاضَ فِيهِمْ وَفَرَّخَ، اللَّهُمَّ عَجِّلْ لَهُمُ الْغُلَامَ الثَّقَفِيَّ، الَّذِي يَحْكُمُ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَقْبَلُ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَلَا يَتَجَاوَزُ عَنْ مُسِيئِهِمْ، (فَتَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ) ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، زَادَ بَعْضُهُمْ: وَالْحَجِّ (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا، انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ بِمَا فِيهَا) مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِهِمَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، فَكَذَا مَا عَدَاهُمَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاسْتَثْنَى فِي الْوَجِيزِ الْيَمِينَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، وَجَزَمَ بِهِ
فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ. وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فِي الْكَافِي، لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِيهَا لِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنِ اسْمِ اللَّهِ الْمُعَظَّمِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الْكِنَايَةِ (وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: إِذَا لَمْ يُعَرِّفْهَا وَلَمْ يَنْوِهَا فَلَغْوٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَعَ النِّيَّةِ فِيمَا لَا يَعْرِفُهُ، وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ الْخِرَقِيُّ عَنْهَا، فَقَالَ: لَسْتُ أُفْتِي فِيهَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَلْتَزِمَ الْحَالِفُ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَيْمَانِ، فَقَالَ: يَعْرِفُهَا، أَوْ لَا يَعْرِفُهَا، قَالَ: نَعَمْ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أنها تنعقد إِذَا نَوَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا، (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْعَقِدَ بِحَالٍ) لِمَا ذَكَرْنَا، (إِلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ) لِانْعِقَادِهِمَا بِالْكِنَايَةِ، وَقِيلَ: وَالصَّدَقَةُ، وَفِي التَّرْغِيبِ: إِنْ عَلِمَهَا لَزِمَهُ عِتْقٌ وَطَلَاقٌ.
فَرْعٌ: لَمْ يَذْكُرِ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ أَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَلْزَمُهُ فِيهَا: عِتْقٌ، وَطَلَاقٌ، وَظِهَارٌ، وَنَذْرٌ، وَيَمِينٌ بِاللَّهِ، بِنِيَّةِ ذَلِكَ، وَفِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ الْوَجْهَانِ، وَأَلْزَمَ الْقَاضِي الْحَالِفَ بِالْكُلِّ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمَنْ حَلَفَ بِأَحَدِهَا، فَقَالَ آخَرُ: يَمِينِي مِنْ يَمِينِكَ، أَوْ عَلَيْهَا، أَوْ مِثْلُهَا، يَنْوِي الْتِزَامَ مِثْلِهَا، لَزِمَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي طَلَاقٍ، وَفِي الْمُكَفَّرَةِ وَجْهَانِ، وَذَكَرَ السَّامِرِيُّ: أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ يَمِينُ الْأَوَّلِ مِمَّا يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ، كَطَلَاقٍ، وَعِتْقٍ انْعَقَدَتْ يَمِينُ الثَّانِي، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ: أَنَّ الْيَمِينَ بِاللَّهِ لَا تَنْعَقِدُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ، أَوْ يَمِينٌ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا، وَفَعَلَهُ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا، قَالَ:«كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» ، وَإِنْ قَالَ: مَالِي لِلْمَسَاكِينِ، وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ، فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.