الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ: وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حَلَّ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْفُقَهَاءِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّبْصِرَةِ (لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يَحْرُمُ) بَلْ هُوَ طَاهِرٌ مُبَاحٌ، (بَلْ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ) لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، (كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ) فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانِ وَيَصِيرُ (لَبَنًا) فَطَهُرَ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ، وَنَقَلَ جَعْفَرٌ: أَنَّهُ كَرِهَ الْعَذِرَةَ، وَرَخَّصَ فِي السِّرْجِينِ.
مَسَائِلُ: كَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ طِينٍ لِضَرُورَةٍ، وَسَأَلَ رَجُلٌ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ عَنْ أَكْلِ الْمَدَرِ؟ فَقَالَ: حَرَامٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا} [البقرة: 168]، وَلَمْ يَقُلْ: كُلُوا الْأَرْضَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنَّ أَكْلَهُ عَيْبٌ إِنْ كَانَ يُتَدَاوَى بِهِ كَالْأَرْمَنِيِّ، أَوْ كَانَ لَا مَضَرَّةَ فِيهِ، وَلَا نَفْعَ كَالْيَسِيرِ جَازَ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَكْلُ غُدَّةٍ، وَأُذُنٍ، وَقَلْبٍ، وَبَصَلٍ، وَثُومٍ، ونحوها، مَا لَمْ يُنْضِجْهُ بِطَبْخٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَحَبٍّ دِيسَ بِحُمُرٍ، وَمُدَاوَمَةُ أَكْلِ لَحْمٍ، وَلَا بَأْسَ بِلَحْمٍ نِيءٍ، وَلَحْمٍ مُنْتِنٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيهِمَا: يُكْرَهُ، وَجَعَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ فِي الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا، وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِينَ يُوضَعُ الطَّعَامُ فيفجأهم، وَالْخُبْزُ الْكِبَارُ، وَقَالَ: لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ، وَوَضْعُهُ تَحْتَ الْقَصْعَةِ لِاسْتِعْمَالِهِ لَهُ، وَحَرَّمَهُ الْآمِدِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِ الْكَرَاهَةَ إِلَّا مِنْ طَعَامِ مَنْ عَادَتُهُ السَّمَاحَةُ.
[الِاضْطِرَارُ إِلَى أَكْلِ الْمُحَرَّمِ]
فَصْلٌ.
(وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا) سِوَى سُمٍّ وَنَحْوِهِ، بِأَنْ يَخَافَ تَلَفًا، وَقِيلَ: أَوْ ضَرَرًا، وَفِي الْمُنْتَخَبِ: أَوْ مَرَضًا، أَوِ انْقِطَاعًا عَنِ الرُّفْقَةِ، وَمُرَادُهُ يَنْقَطِعُ فَيَهْلِكُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، أَكَلَ وُجُوبًا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وِفَاقًا، وَقِيلَ: نَدْبًا، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ:(حَلَّ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) ، اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ، وَيَحْرُمُ مَا زَادَ عَلَى الشِّبَعِ إِجْمَاعًا (وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى
رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رِوَايَتَيْنِ) .
أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ.
وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ:«أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّةَ فَنَفَقَتْ عِنْدَهُ نَاقَةٌ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَكُلُوهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ كَالْمُبَاحِ، وَقِيلَ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِدَوَامِ الْخَوْفِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا تَزَوُّدُهُ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ: يَتَزَوَّدُ إِنْ خَافَ الْحَاجَةَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: كَمَا يَتَيَمَّمُ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إِذَا خَافَ، كَذَا هُنَا، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ، وَلَمْ يَتُبْ فَلَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ قَبْلَ أَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِسَائِلٍ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَكَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ إِذَا لَمْ يَسْأَلْ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إِنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ، قِيلَ: فَإِنْ تَوَقَّفَ، قَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ، (وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ) أَيْ: جَهِلَهُ (وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ) ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ، وَحَقُّهُ يُلْزِمُهُ غَرَامَتَهُ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهِ، وَفِي الْفُنُونِ قَالَ حَنْبَلِيٌّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا خِلَافَ هَذَا، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ) هَذَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَذَلَهُ مَالِكُهُ، وَفِي الْكَافِي: هِيَ أَوْلَى إِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ، وَلَوْ بِقِتَالِهِ، ثُمَّ صَيْدًا، ثُمَّ مَيْتَةً، فَلَوْ عَلِمَهُ، وَبَذَلَهُ فَفِي بَقَاءِ حِلِّهِ - كَبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا - مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، فَإِنْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا عَلَى احْتِمَالٍ، فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَطَعَامًا أَكَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ، وَمَيْتَةً أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَإِنِ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ تَحَرَّى عَلَى
وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ، فَإِنْ أَبَى لِلْمُضْطَرِّ أَخَذَهُ قَهْرًا، وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَهُ قِتَالُهُ عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ، أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْأَشْهَرِ، وَلَوْ وَجَدَ مَيْتَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَكَلَ مِنْهَا، (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ، لِأَنَّهُ سَاوَاهُ فِي الضَّرُورَةِ، وَانْفَرَدَ بِالْمِلْكِ، أَشْبَهَ غَيْرَ حَالَةِ الِاضْطِرَارِ، وَهَذَا فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ الْمَاءِ مِنَ الْعَطْشَانِ، وَيَلْزَمُ كُلُّ أَحَدٍ أَنْ يَقِيَهُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: إِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَحَدٌ فَمَاتَ لَزِمَهُ ضمانه، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ فِي ثَانِي الْحَالِ، فَهَلْ يَمْلِكُهُ، أَوْ يَدْفَعُهُ إِلَى الْمُضْطَرِّ إِلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ فِيهِ وَجْهَانِ، أَظْهَرُهُمَا: لَهُ إِمْسَاكُهُ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إِيثَارُهُ، وَفِي الْهَدْيِ: لَهُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ غَايَةُ الْجُودِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ، وَلِفِعْلِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَعُدَّ ذَلِكَ فِي مَنَاقِبِهِمْ، (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ (لَزِمَهُ بَذْلُهُ) لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِحْيَاءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ فَلَزِمَهُ بَذْلُهُ كَمَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَنَافِعِهِ فِي تَخْلِيصِهِ مِنَ الْغَرَقِ، (بِقِيمَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي ذِمَّةِ مُعْسِرٍ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ، وَفِي زِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ وَجْهَانِ، وَفِي الِانْتِصَارِ، وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: فَرْضًا بِعِوَضِهِ، وَقِيلَ: مَجَّانًا، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ كَالْمَنْفَعَةِ فِي الْأَشْهَرِ، (فَإِنْ أَبَى فلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ) بِالْأَسْهَلِ، فَإِنِ امْتَنَعَ أَخَذَهُ (قَهْرًا) لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ دُونَ مَالِكِهِ، (وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ) أَيْ: يُعْطِي الْمَالِكَ قِيمَتَهُ، لِئَلَّا يَجْتَمِعَ عَلَيْهِ فَوَاتُ الْعَيْنِ، وَفَوَاتُ الْمَالِيَّةِ، (فَإِنْ مَنَعَهُ فَلَهُ قِتَالُهُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي وَالْوَجِيزِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِتَالُهُ، كَمَا ذَكَرَ فِي دَفْعِ الصَّائِلِ (عَلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ) وَهُوَ الْأَوْلَى، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ) لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ مَانِعِي الزَّكَاةِ، (عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ) لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْمُبِيحَ لِلْقِتَالِ مَنْعُ مَا يُبَاحُ لَهُ، لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ، لَكِنْ لَوْ لَمْ يَبِعْهُ إِلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَخَذَهُ
لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَالْحَرْبِيِّ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ؟ وَإِنْ وُجِدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
، وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَاتِلُهُ، (فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ، أَشْبَهَ الصَّائِلَ، (وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمَ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ، فَلَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَلَهُ أَكْلُهُ، (وَإِنْ وُجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ) .
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ يَشْتَرِكَانِ فِي الْحُرْمَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عليه السلام:«كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» .
وَالثَّانِي: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنَ اللَّحْمِ لَا مِنَ الْعَظْمِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ لَا بِمِقْدَارِهَا، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَالْقَوَدِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَلَا إِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَعْصُومَ الْحَيَّ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ نَفْسَهُ بِإِتْلَافِهِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ، فَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَلَا الْعُدُولُ إِلَى الْمَيْتَةِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ فِيهِ مَضَرَّةً، أَوْ يَخَافَ أَنْ يُمْرِضَهُ، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَدَفْعِ بَرْدٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ، وَكَوْنُهُ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْعِوَضُ.
مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْجُبْنِ؛ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ عَنِ الْجُبْنِ الَّذِي تَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُبْنِ، وَقِيلَ لَهُ: تُعْمَلُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَوْزًا، أَوْ بَيْضًا قُومِرَ بِهِ.