الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَهَادَتُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُرَدَّ.
الثَّانِي:
اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ
وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ وَالْمُتَمَسْخِرِ وَالْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُحَرَّمِ إِجْمَاعًا (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تُرَدَّ) كَالْمُتَّفَقِ عَلَى حِلِّهِ، وَلِأَنَّ لِفِعْلِهِ مَسَاغًا فِي الْجُمْلَةِ.
وَفِي الْإِرْشَادِ: إِلَّا أَنْ يُجِيزَ رِبَا الْفَضْلِ، أَوْ يَرَى الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ لِتَحْرِيمِهِمَا الْآنَ، وَذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَا خَالَفَ النَّصَّ مِنْ جِنْسِ مَا يَنْقُضُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ.
وَفِي التَّبْصِرَةِ: فِيمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ، أَوْ أَكَلَ مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ، أَوْ تَزَوَّجَ بِنْتَهُ مِنَ الزِّنَى، أَوْ أُمَّ مَنْ زَنَى بِهَا، احْتَمَلَ أَنْ تُرَدَّ.
تَنْبِيهٌ: مَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ فُسِّقَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إِجْمَاعًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: كَرِهَهُ الْعُلَمَاءُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي: غَيْرُ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ، وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ مِمَّنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا مُخْتَلِفًا فِيهِ: لَا يُعِيدُ فِي رِوَايَةٍ، وَيُتَوَجَّهُ تَقَيُّدُهُ بِمَا لَمْ يَنْقُضْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ، وَقِيلَ: لَا يُفَسَّقُ إِلَّا الْعَالِمُ، مَعَ ضَعْفِ الدَّلِيلِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ، وَامْتِنَاعِ انْتِقَالِهِ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةٍ، فَفِيهَا وَجْهَانِ، وَعَدَمُهُ أَشْهَرُ.
وَمَنْ أَوْجَبَ تَقْلِيدَ إِمَامٍ بِعَيْنِهِ اسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. قَالَ: وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِ الْفُقَهَاءِ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، فَأَدْخَلَهُمُ الْقَاضِي، وَأَخْرَجَهُمُ ابْنُ عَقِيلٍ.
[اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ]
(الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ)، وَهِيَ بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ سُهُولَةٍ: الْإِنْسَانِيَّةُ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَكَ أَنْ تُشَدِّدَ، (وَهُوَ فِعْلُ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ، وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ) عَادَةً؛ لِأَنَّ مَنْ فَقَدَهَا فَقَدِ اتَّصَفَ بِالدَّنَاءَةِ وَالسِّقَاطَةِ، وَكَلَامُهُ لَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِهِ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الصَّفْعُ: كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ، فَالْمُصَافِعُ إِذَنْ مَنْ يَصْفَعُ غَيْرَهُ، وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ قَفَاهُ فَيَصْفَعُهُ (وَالْمُتَمَسْخِرُ وَالْمُغَنِّي وَالرَّقَّاصِ) أَيْ: كَثِيرِ الرَّقْصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سُخْفٌ وَدَنَاءَةٌ، فَمَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ فَلَيْسَتْ لَهُ مُرُوءَةٌ، وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَحَاصِلُهُ: إنَّ كَلَامَ الْمُؤَلِّفِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ شَهَادَةَ مَنْ ذُكِرَ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ الْمُرُوءَةِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِخَصْلَةٍ مِمَّا ذُكِرَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا اتَّصَفَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَوْنَهُ فَاعِلًا لِلْمُحَرَّمِ، لَا يُقَالُ: فِعْلُ الْمُحَرَّمِ مَرَّةً لَا يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَفْرُوضٌ فَيَمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ بِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهِ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَالْكَبِيرَةِ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ كَانَ مَا اتَّصَفَ بِهِ غَيْرَ مُحَرَّمٍ، كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ كَوْنَهُ فِعْلَ دَنَاءَةٍ وَسَفَهًا، وَذَلِكَ مِنْ فَقْدِ الْمُرُوءَةِ.
فَقَوْلُهُ: (لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُصَافِعِ) إِلَى آخِرِهِ، فَفِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّهَا مِنَ الشَّرْعِ وَلَمْ يُرَدَّ، وَيَلْتَحِقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ حِكَايَةُ مَا يُضْحِكُ بِهِ النَّاسَ، وَنَارْنَجِيَّاتُ وَتَعْرِيَتُهُ وَبَوْلُهُ فِي شَارِعٍ، وَكَشْفُ رَأْسِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ صَدْرِهِ أَوْ ظَهْرِهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ فِيهِ، وَتَحْرِيشُ الْبَهَائِمِ وَالْجَوَارِحِ لِلصَّيْدِ، وَدَوَامُ اللَّعِبِ وَالْمُعَالَجَةُ بِشَيْلِ الْأَحْجَارِ وَالْخَشَبِ الثِّقَالِ، وَمَا عَدَّهُ النَّاسُ سَفَهًا كَمُتَزَيٍّ بِزِيٍّ يُسْخَرُ مِنْهُ.
تَنْبِيهٌ: يُكْرَهُ غِنَاءٌ، قَالَهُ الْخَلَّالُ وَصَاحِبُهُ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ. الْخَبَرَ.
وَقَالَ عُمَرُ: الْغِنَاءُ زَادُ الرَّاكِبِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُغْنِي: هُوَ حَرَامٌ.
قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30] .
قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ الْغِنَاءُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان: 6] : هُوَ الْغِنَاءُ.
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ شِرَاءِ الْمُغَنِّيَاتِ وَبَيْعِهِنَّ وَالتِّجَارَةِ فِيهِنَّ وَأَكْلِ أَثْمَانِهِنَّ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
فَعَلَى هَذَا: تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِفِعْلِهِ الْمُحَرَّمَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فِعْلُهُ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: يَبِيعُ الْوَصِيُّ جَارِيَةَ الطِّفْلِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُغَنِّيَةٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ أَحْمَدُ ـ أَيْضًا ـ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ، لَا يُعْجِبُنِي.
وَذَكَرَ فِي الشِّفَا الْإِجْمَاعَ عَلَى كُفْرِ مَنِ اسْتَحَلَّهُ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِمَا: يَحْرُمُ مَعَ آلَةٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَنَا.
وَكَذَا قَالُوا هُمْ وَابْنُ عَقِيلٍ: إِنَّ اسْتِمَاعَهُ مِنَ النِّسَاءِ الْأَجَانِبِ يَحْرُمُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ دَاوَمَهُ أَوِ اتَّخَذَهُ صِنَاعَةً بِقَصْدٍ، أَوِ اتَّخَذَ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً يَجْمَعُ عَلَيْهِمَا، رُدَّتْ شَهَادَتُهُ مُطْلَقًا.
مَسَائِلُ: الْأُولَى: يَحْرُمُ مِزْمَارٌ وَطُنْبُورٌ وَنَحْوُهُمَا، نَصَّ عَلَيْهِ، فَمَنْ أَدَامَ اسْتِعْمَالَهَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَذَا عُودٌ وَجُنْكٌ؛ لِأَنَّهَا تُطْرِبُ وَتَفْعَلُ فِي طِبَاعِ غَالِبِ النَّاسِ مَا تَفْعَلُهُ الْمُسْكِرَاتُ.
وَقَالَ عليه السلام: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أُنَاسٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ» ، مُخْتَصَرٌ مِنَ الْبُخَارِيِّ.
وَالْمَعَازِفُ: الْمَلَاهِي، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمِزْمَارُ مُبَاحٌ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
وَجَوَابُهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّمَاعِ وَالِاسْتِمَاعِ، بِدَلِيلِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، وَالْمُحَرَّمُ إِنَّمَا هُوَ الِاسْتِمَاعُ، مَعَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ: الْحَدِيثُ مُنْكَرٌ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِمَاعُ كُلِّ مَلْهَاةٍ مَعَ غِنَاءٍ وَغَيْرِهِ فِي سُرُورٍ وَغَيْرِهِ، وَكَرِهَ أَحْمَدُ الطَّبْلَ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِغَيْرِ حَرْبٍ.
الثَّانِيَةُ: الضَّرْبُ بِالْقَضِيبِ مَكْرُوهٌ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهِ تَصْفِيقٌ وَرَقْصٌ، وَإِنْ خَلَا عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِآلَةِ لَهْوٍ وَلَا يُطْرِبُ وَلَا يُسْمَعُ مُنْفَرِدًا، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، وَالتَّغْيِيرُ يَتْبَعُ الْغِنَاءَ الَّذِي مَعَهُ إِنْ حُرِّمَ حَرُمَ، وَإِنْ كُرِّهَ كَرُهَ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ مُطْلَقًا.
قَالَ أَحْمَدُ: أَكْرَهُ التَّغْيِيرَ؛ لِأَنَّهُ يُلِذُّ وَيُطْرِبُ، وَقَالَ: لَا يُسْمَعُ التَّغْيِيرُ، فَقِيلَ: هُوَ بِدْعَةٌ. فَقَالَ: حَسْبُكَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَفِي الْكَافِي: مَنْ أَدْمَنَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إِمَّا مَعْصِيَةٌ وَإِمَّا دَنَاءَةٌ.
الثَّالِثَةُ: يُبَاحُ الدُّفُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَمَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُرْسِ، ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، قِيلَ: وَالْخِتَانُ. وَقِيلَ: وَسُرُورٌ حَادِثٌ غَيْرُهُمَا، لَكِنْ إِنْ ضَرَبَ بِهِ الرِّجَالُ تَشْبِيهًا بِالنِّسَاءِ كُرِهَ ذَلِكَ، ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَةِ، الرَّابِعَةُ: الْحُدَاءُ، بِضَمِّ الْحَاءِ، وَقِيلَ: بِكَسْرِهَا، لَا بَأْسَ بِهِ، وَلِذَلِكَ يُنْشِدُ الْأَعْرَابُ سَائِرَ أَنْوَاعِ الْإِنْشَادِ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى حَدِّ الْغِنَاءِ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْغِنَاءِ.
الْخَامِسَةُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: الشِّعْرُ كَالْكَلَامِ، حَسَنُهُ كَحَسَنِهِ، وَقَبِيحُهُ كَقَبِيحِهِ.
قَالَ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ ـ: مَا يُكْرَهُ مِنْهُ؛ قَالَ: الْهِجَاءُ وَالرَّقِيقُ الَّذِي يُشَبِّبُ بِالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْكَلَامُ الْجَاهِلِيُّ فَمَا أَنْفَعَهُ.
وَسَأَلَهُ عَنِ الْخَبَرِ: «لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» فَتَلَكَّأَ، فَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ النَّضْرِ: لَمْ تَمْتَلِئْ أَجْوَافُنَا؛ لِأَنَّ فِيهَا الْقُرْآنَ وَغَيْرَهُ، وَهَكَذَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا، فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ أَظْهَرُ، وَإِنْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ بِالْمِدْحَةِ بِإِعْطَائِهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِأَمْرَدَ، فُسِّقَ، لَا إِنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
السَّادِسَةُ: تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْأَلْحَانِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: بِدْعَةٌ لَا تُسْمَعُ، كُلُّ شَيْءٍ مُحْدَثٍ لَا
وَاللَّاعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ وَالنَّرْدِ وَالَّذِي يَتَغَذَّى فِي السُّوقِ، وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يُعْجِبُنِي، إِلَّا أَنْ يَكُونَ طَبْعُ الرَّجُلِ كَأَبِي مُوسَى، وَنَقَلَ جَمْعٌ: أَوْ يُحْسِنُهُ بِلَا تَكَلُّفٍ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ: إِنْ غَيَّرْتَ النَّظْمَ حُرِّمَتْ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ فِي الْكَرَاهَةِ، وَفِي الْوَسِيلَةِ: يَحْرُمُ. نَصَّ عَلَيْهِ.
وَعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَقِيلَ: لَا، وَلَمْ يُفَرِّقْ (وَاللَّاعِبِ بِالشَّطْرَنْجِ) وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي قَوْلِ عَلِيٍّ، قَالَ: وَهُوَ مَيْسِرُ الْعَجَمِ، وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ: هُوَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ، قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ وَهُوَ فِيهَا فَأَحْرَقَهَا، وَمَرَّ عَلِيٌّ عَلَى قَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِهِ، فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ؛! رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، وَقَالَ: هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: 32] ، وَهَذَا لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ فَيَكُونُ مِنَ الضَّلَالِ، وَلَا نُسَلِّمُ عَلَى لَاعِبٍ بِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ بِعِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ إِجْمَاعًا (وَالنَّرْدِ) هُوَ مُحَرَّمٌ، وَإِنْ خَلَا عَنْ قِمَارٍ؛ لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ مَرْفُوعًا، قَالَ:«مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ» ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَالنَّرْدُ: اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَشِيرُ: بِمَعْنَى حُلْوٍ.
وَرَوَى أَبُو مُوسَى مَرْفُوعًا، قَالَ:«مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا.
قَالَ أَحْمَدُ: النَّرْدُ أَشَدُّ مِنَ الشَّطْرَنْجِ، قَالَ الْأَصْحَابُ: إِنَّمَا شَدَّدَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ.
النَّاسِ، وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَأَمَتِهِ، وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ، الذي يغربل في الطريق على فلوس وغيرها، وَالنَّفَّاطِ وَالْقَمَّامِ وَالزَّبَّالِ وَالْمُشَعْوِذِ وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ وَالْقَرَّادِ وَالْكَبَّاشِ، فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِذَا حَسُنَتْ طريقتهم؛ عَلَى وجهين.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَائِدَةٌ: ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ حُكْمَ اللَّعِبِ بِالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالصَّدْرِ ـ وَهُوَ حُفَرٌ تُجْعَلُ فِي الْأَرْضِ وَالْكِعَابِ ـ حُكْمُ النَّرْدِ.
وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا: «مَنْ لَعِبَ بِالْكِعَابِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ مِنَ الْمَيْسِرِ، وَالْحَمَامِ: ـ أَيِ: اللَّاعِبُ بِهَا ـ فَإِنْ قَصَدَ الْمُرَاهَنَةَ وَأَخَذَ حَمَامَ غَيْرِهِ حَرُمَ، وَإِنْ كَانَ عَبَثًا وَلَهْوًا فَهُوَ دَنَاءَةٌ وَسَفَهٌ.
قَالَ أَحْمَدُ: مَنْ لَعِبَ بِالْحَمَامِ الطَّيَّارَةِ يُرَاهِنُ عَلَيْهَا أَوْ يُسَرِّحُهَا مِنَ الْمَوَاضِعِ لَعِبًا، لَمْ يَكُنْ عَدْلًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا سَرَّحَ حَمَامًا، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بَصَرَهُ، فَقَالَ:«شَيْطَانٌ يَتْبَعُ شَيْطَانًا» . فَأَمَّا إِنْ قَصَدَ بِتَعْلِيمِهَا حَمْلَ الْكُتُبِ بِمَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، أو اسْتِفْرَاخَهَا، أَوْ لِلْأُنْسِ بِأَصْوَاتِهَا، جَازَ. (وَالَّذِي يَتَغَذَّى فِي السُّوقِ) وَالنَّاسُ يَرَوْنَهُ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْغَنِيَّةِ أَكْلَهُ عَلَى الطَّرِيقِ، فَأَمَّا إِنْ أَكَلَ كَسْرَةً وَنَحْوَهَا لَمْ يَضُرَّ. (وَيَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ) وَكَذَا نَوْمُهُ بَيْنَ جَالِسِينَ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ، وَكَذَا طُفَيْلِيٌّ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. (وَيُحَدِّثُ بِمُبَاضَعَةِ أَهْلِهِ وَأَمَتِهِ) وَمُخَاطَبَتِهِمَا بِخِطَابٍ فَاحِشٍ بَيْنَ النَّاسِ، (وَيَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ) أَيْ: يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ حَرَامٌ، لِأَنَّ فِيهِ كَشْفًا لِعَوْرَتِهِ، الْمَأْمُورُ بِسَتْرِهَا، (وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَمَنْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ، نَقَلَهُ ابْنُ الْحَكَمِ.
(فَأَمَّا الشَّيْنُ فِي الصِّنَاعَةِ كَالْحَجَّامِ وَالْحَائِكِ وَالنَّخَّالِ) الَّذِي يُغَرْبِلُ فِي الطَّرِيقِ عَلَى فُلُوسٍ وَغَيْرِهَا (وَالنَّفَّاطِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالنِّفْطِ، مِثْلَ لَبَّانٍ وَتَمَّارٍ (وَالْقَمَّامِ) الْكَنَّاسِ، يُقَالُ: قَمَّ الْبَيْتَ: إِذَا كَنَسَهُ (وَالزَّبَّالِ) وَهُوَ الَّذِي صِنَاعَتُهُ الزِّبْلُ، كَنْسًا وَجَمْعًا وَنَقْلًا (وَالْمُشَعْوِذِ) قَالَ ابْنُ فَارِسٍ: لَيْسَتْ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَهُوَ خِفَّةٌ فِي الْيَدَيْنِ كَالسِّحْرِ (وَالدَّبَّاغِ وَالْحَارِسِ) وَالْحَدَّادِ وَالصَّبَّاغِ (وَالْقَرَّادِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالْقِرْدِ، وَيَطُوفُ بِهِ الْأَسْوَاقَ وَغَيْرَهَا مُكْتَسِبًا بِهِ (وَالْكَبَّاشِ) الَّذِي يَلْعَبُ بِالْكِبَاشِ وَيُنَاطِحُ بِهَا، وَهُوَ مِنْ أَفْعَالِ السُّفَهَاءِ وَالسَّفَلَةِ (فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ إِذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ؛ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَصَحُّهُمَا: