الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ الثَّانِي: الْآلَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ، مُحَدَّدٌ، فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ، فَإِنْ قَتَلَهُ بِثَقْلَةٍ لَمْ يُبَحْ. وَإِنْ صَادَ بِالْمِعْرَاضِ أَكَلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ دُونَ عَرْضِهِ، وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا، فَقَتَلَتْ صَيْدًا أُبِيحَ، وَإِنْ قَتَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَزَجَرَهُ الْمُسْلِمُ) وَقِيلَ: وَلَمْ يَزِدْ عَدْوُ كَلْبِهِ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ، (لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّ الصَّائِدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ إِذِ الْعِبْرَةُ بِالْإِرْسَالِ.
[الشَّرْطُ الثَّانِي الْآلَةُ]
[أَنْوَاعُ الْآلَةِ]
[النَّوْعُ الْأَوَّلُ مُحَدَّدٌ]
فَصْلٌ
(الثَّانِي: الْآلَةُ وَهِيَ نَوْعَانِ مُحَدَّدٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ) لِأَنَّهَا مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهَا فَيَجِبُ أَنْ يُشْتَرَطَ لِلْمُحَدَّدِ مَا يُشْتَرَطُ لِآلَةِ الذَّكَاةِ، (وَلَا بُدَّ مِنْ جَرْحِهِ بِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَدِيٍّ:«مَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ، وَإِنْ أَصَابَهُ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ قَتَلَهُ بِثَقْلَةٍ لَمْ يُبَحْ) لِأَنَّهُ وَقِيذٌ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ بِشَبَكَةٍ أَوْ فَخٍّ أَوْ بُنْدُقَةٍ، وَلَوْ شَدَخَتْهُ، نَقَلَهُ الْمَيْمُونِيُّ (وَإِنْ صَادَ بِالْمِعْرَاضِ) قَالَ فِي الْمَشَارِقِ: هُوَ خَشَبَةٌ مُحَدَّدَةُ الطَّرَفِ، وَقِيلَ: فِيهِ حَدِيدَةٌ، (أَكَلَ مَا قَتَلَ بِحَدِّهِ) قَالَ أَحْمَدُ: الْمِعْرَاضُ يُشْبِهُ السَّهْمَ، يُحْذَفُ بِهِ الصَّيْدُ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ، فَخَرَقَ، فَهُوَ مُبَاحٌ، (دُونَ عَرْضِهِ) لِلْخَبَرِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِهِ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَحُكْمُ الصَّوَّانِ الَّذِي لَهُ حَدٌّ كَالْمِعْرَاضِ، (وَإِنْ نَصَبَ مَنَاجِلَ أَوْ سَكَاكِينَ، وَسَمَّى عِنْدَ نَصْبِهَا فَقَتَلَتْ صَيْدًا أُبِيحَ) إِذَا جَرَحَهُ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، لِأَنَّ النَّصْبَ جَرَى مَجْرَى الْمُبَاشَرَةِ فِي الضَّمَانِ، فَكَذَا فِي الْإِبَاحَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُبَاحُ بِحَالٍ، كَمَا لَوْ نَصَبَ سِكِّينًا فَذَبَحَتْ شَاةً، وَلِأَنَّهُ لَوْ رَمَى سَهْمًا، وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا، فَقَتَلَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ، وَهَذَا أَوْلَى، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ عليه السلام: «كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ يَدُكَ.» وَلِأَنَّهُ قَتَلَ الصَّيْدَ بِمَا لَهُ حَدٌّ، جَرَتِ الْعَادَةُ بِالصَّيْدِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ وَفَارَقَ مَا إِذَا نَصَبَ سِكِّينًا، فَإِنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالصَّيْدِ بِهَا، وَإِذَا
بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ، لَمْ يُبَحْ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ. وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَتَلَهُ، لَمْ يَحِلَّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا كَالذَّكَاةِ، فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
رَمَى سَهْمًا وَهُوَ لَا يَرَى صَيْدًا، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُعْتَادٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُ صَيْدًا فَلَمْ يَصِحَّ قَصْدُهُ بِخِلَافِ هَذَا، وَقِيلَ: يَحِلُّ مُطْلَقًا، فَإِنْ بَانَ مِنْهُ عُضْوٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَائِنِ بِضَرْبَةِ الصَّائِدِ، وَحَيْثُ حَلَّ فَظَاهِرُهُ يَحِلُّ، وَلَوِ ارْتَدَّ أَوْ مَاتَ، (وَإِنْ قَتَلَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ، لَمْ يُبَحْ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ) كَذَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، فَغُلِّبَ الْمُحَرَّمُ، وَكَسَهْمَيْ مُسْلِمٍ وَمَجُوسِيٍّ، وَلِأَنَّهُ يُخَافُ مِنْ ضَرَرِ السُّمِّ، فَعَلَى هَذَا: إِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ فَهُوَ مُبَاحٌ، وَفِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الصَّيْدِ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، مِثْلَ أَنْ يَقْتُلَهُ بِمُثَقِّلٍ وَمُحَدَّدٍ، أَوْ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ وَغَيْرِهِ، إِلَى آخِرِهِ، لَمْ يُبَحْ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَلَا تَأْكُلْ.» وَبِأَنَّ الْأَصْلَ الْحَظْرُ، فَإِذَا شَكَكْنَا فِي الْمُبِيحِ رُدَّ إِلَى أَصْلِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ أَعَانَ لَمْ يَأْكُلْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ هَذَا فِي كَلَامِ أَحْمَدَ بِمُرَادٍ، وَفِي الْفُصُولِ: إِذَا رُمِيَ بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ لَمْ يُبَحْ، لَعَلَّ السُّمَّ أَعَانَ عَلَيْهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ شَارَكَ السَّهْمَ تَغْرِيقٌ بِالْمَاءِ، (وَلَوْ رَمَاهُ فَوَقَعَ فِي مَاءٍ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِالْمُشَارِكِ، (إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْجُرْحُ مُوحِيًا كَالذَّكَاةِ، فَهَلْ يَحِلُّ؛ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَشْهَرُهُمَا، وَاخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ: أَنَّهُ يَحْرُمُ، لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مُبِيحٌ وَمُحَرِّمٌ، أَشْبَهَ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ: يَحِلُّ، وَجَزَمَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ بِالذَّبْحِ، وَجَوَابُهُ: قَوْلُهُ عليه السلام: فَإِنْ «وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَلَا خِلَافَ في تحريمه إِذَا كَانَتْ الجراح غير مُوحِيَة، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْتُلُهُ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ
فَمَاتَ، حَلَّ. وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرَ سَهْمِهِ، حَلَّ، وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحُ مُوحِيَةً حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ حَلَّ، وَإِلَّا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
خَارِجًا مِنَ الْمَاءِ، أَوْ يَكُونَ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يَقْتُلُهُ الْمَاءُ، أَوْ كَانَ التَّرَدِّي لَا يَقْتُلُ مِثْلَ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ، فَلَا خِلَافَ فِي إِبَاحَتِهِ، لِأَنَّ التَّرَدِّيَ وَالْوُقُوعَ إِنَّمَا حَرَّمَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ قَاتِلًا، أَوْ مُعِينًا عَلَى الْقَتْلِ، وَهَذَا مُنْتَفٍ هُنَا، (وَإِنْ رَمَاهُ فِي الْهَوَاءِ) أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ أَوْ جَبَلٍ، وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُلُوِّ لَعَمَّ، (فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَمَاتَ، حَلَّ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ زُهُوقُ رُوحِهِ بِالرَّمْيِ، لَا بِالْوُقُوعِ، وَعَنْهُ: يَحِلُّ بِجَرْحٍ مُوحٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3]، وَجَوَابُهُ: أَنَّ سُقُوطَهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَحِلَّ، كَمَا لَوْ أَصَابَهُ فَوَقَعَ عَلَى جَنْبِهِ، وَالْمَاءُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْأَرْضِ، (وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا لَا أَثَرَ بِهِ غَيْرَ سَهْمِهِ، حَلَّ) فِي الْأَشْهَرِ عَنْ أَحْمَدَ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنِي فِي سَهْمِي، قَالَ: مَا رَدَّ عَلَيْكَ سَهْمُكَ فَكُلْ. قَالَ: فَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي، قَالَ: وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ تَجِدْ فِيهِ غَيْرَ سَهْمِكَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ جَرْحَهُ بِسَهْمِهِ سَبَبُ إِبَاحَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ يَقِينًا، وَالْمُعَارِضُ لَهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَهُ بِفَمِ كَلْبِهِ، أَوْ وَهُوَ يَعْبَثُ بِهِ، أَوْ سَهْمَهُ فِيهِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ مُوحِيَةً أَوْ لَا، وَجَدَهُ مَيِّتًا فِي يَوْمِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ، لَكِنْ لَوْ غَابَ قَبْلَ تَحَقُّقِ الْإِصَابَةِ، ثُمَّ وَجَدَهُ عَقِيرًا وَحْدَهُ وَالسَّهْمَ وَالْكَلْبَ نَاحِيَةً، لَمْ يُبَحْ، (وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتِ الْجِرَاحُ مُوحِيَةً حَلَّ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ ظَهَرَ إِسْنَادُ الزُّهُوقِ إِلَيْهِ، (وَإِلَّا فَلَا) أَيْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ مُوحِيًا لَمْ يَظْهَرْ إِسْنَادُ الزُّهُوقِ إِلَيْهِ، (وَعَنْهُ: إِنْ وَجَدَهُ فِي يَوْمِهِ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِذَا رَمَيْتَ فَأَقْعَصْتَ فَكُلْ، وَإِنْ رَمَيْتَ فَوَجَدْتَ فِيهِ سَهْمَكَ مِنْ يَوْمِكَ أَوْ لَيْلَتِكَ فَكُلْ، وَإِنْ غَابَ عَنْكَ فَلَا تَأْكُلْ، لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حَدَثَ بَعْدَكَ. لَا يُقَالُ: الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُتَبَيِّنٌ
فَلَا. وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا، وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ مِنْهُ، وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْده حَلَّ، وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، حَلَّ الْجَمِيعُ، وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَهُ، وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ، فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا، قَالَ:«إِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ، لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ، فَكُلْ» . وَعَنْهُ: إِنْ غَابَ مُدَّةً قَرِيبَةً حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إِنْ غَابَ نَهَارًا حَلَّ، لَا لَيْلًا، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ: لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ اللَّيْلِ تَخَطُّفُ الْهَوَامِّ. وَعَنْهُ: يُكْرَهُ أَكْلُ مَا غَابَ، (وَإِنْ وَجَدَ بِهِ غَيْرَ أَثَرِ سَهْمِهِ، مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، لَمْ يُبَحْ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْأَخْبَارِ، وَكَمَا لَوْ وَجَدَ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا سِوَاهُ، وَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا بِالظَّنِّ، كَالسَّهْمِ الْمَسْمُومِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَتَتَوَجَّهُ التَّسْوِيَةُ لِعَدَمِ الْفَرْقِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالظَّنِّ الِاحْتِمَالُ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ الْأَثَرُ مِمَّا لَا يَقْتُلُ مِثْلَهُ، فَهُوَ مُبَاحٌ، لِأَنَّ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ.
فَرْعٌ: إِذَا غَابَ قَبْلَ عَقْرِهِ، ثُمَّ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ عَلَيْهِ، فَفِي الْمُنْتَخَبِ وَالْمُغْنِي: إِنَّهُ حَلَالٌ، وَعَنْهُ: يَحْرُمُ كَمَا لَوْ وَجَدَ سَهْمَهُ أَوْ كَلْبَهُ نَاحِيَتَهُ، وَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَحَنْبَلٍ حِلُّهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، (وَإِنْ ضَرَبَهُ فَأَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا وَبَقِيَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، لَمْ يُبَحْ مَا أَبَانَ مِنْهُ) هَذَا الْمَذْهَبُ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ» . وَعَنْهُ: إِنْ ذُكِّيَ حَلَّ الْبَائِنُ، وَإِنْ كَثُرَ كَبَقِيَّتِهِ، وَإِنْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، أَوْ قَطَعَ رَأْسَهُ، حَلَّ الْجَمِيعُ، فَإِنْ لَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ مُعْتَبَرَةٌ فَرِوَايَتَانِ، أَشْهَرُهُمَا: إِبَاحَتُهُمَا، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ مَا كَانَ ذَكَاةً لِبَعْضِهِ كَانَ ذَكَاةً لِجَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ، وَالْخَبَرُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي حَيًّا حَتَّى يَكُونَ الْمُنْفَصِلُ مِنْهُ مَيِّتًا.
(وَإِنْ بَقِيَ مُعَلَّقًا بِجِلْدِهِ حَلَّ) رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، لِأَنَّهُ لَمْ يَبِنْ، (وَإِنْ أَبَانَهُ وَمَاتَ فِي الْحَالِ، حَلَّ الْجَمِيعُ) عَلَى الْمَشْهُورِ، كَمَا لَوْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ، (وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ مَا أَبَانَ مِنْهُ) لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ مَا أُبِينَ مِنْهُ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْحَيَاةِ فِي الْعَادَةِ، فَلَمْ يُبَحْ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ الصَّيَّادُ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَجَوَابُهُ سَبَقَ، بِدَلِيلِ الْمَذْبُوحِ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا بَقِيَ سَاعَةً، وَرُبَّمَا مَشَى حَتَّى
مِنْهُ، وَإِنْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ، وَأَفْلَتَ حَيًّا، أُبِيحَ مَا أَخَذَ مِنْهُ. وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ وَالْحَجَرِ وَالْعَصَا وَالشَّبَكَةِ وَالْفَخِّ، فَلَا يُبَاحُ مَا قُتِلَ بِهِ، لِأَنَّهُ وَقِيذٌ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَمُوتَ، وَمَعَ هَذَا هُوَ حَلَالٌ، (وَإِنْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ حُوتٍ وَنَحْوِهِ، وَأَفْلَتَ حَيًّا، أُبِيحَ مَا أَخَذَ مِنْهُ) لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِيهِ أَنَّهُ مَيْتَةٌ، وَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْخَبَرِ.
تَذْنِيبٌ: قَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ اللَّيْلِ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: مَا عَلِمْتُ أَحَدًا كَرِهَهُ، وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ صَيْدَ الْفِرَاخِ الصِّغَارِ مِنْ أَوْكَارِهَا، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: لَا بَأْسَ بِصَيْدِ الصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ بِاللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَوْكَارِهَا، وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِالطَّرِيدَةِ، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي مَغَازِيهِمْ، وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعْنَاهَا أَنْ يَقَعَ الصَّيْدُ بَيْنَ الْقَوْمِ، فَيَقْطَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ قِطْعَةً بِسَيْفِهِ، حَتَّى يُؤْتَى عَلَى آخِرِهِ، وَهُوَ حَيٌّ، قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي إِلَّا أَنْ يَصِيدَ الصَّيْدَ، يَقَعُ بَيْنَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَكَاتِهِ، وَيَأْخُذُونَهُ قِطَعًا، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، (وَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمُحَدَّدٍ كَالْبُنْدُقِ، وَالْحَجَرِ) الَّذِي لَا حَدَّ لَهُ، (وَالْعَصَا، وَالشَّبَكَةِ، وَالْفَخِّ، فَلَا يُبَاحُ مَا قُتِلَ بِهِ) بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إِلَّا عَنِ الْحَسَنِ.
وَرَوَى شُعْبَةُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ عَمَّارٌ: إِذَا رَمَيْتَ بِالْحَجَرِ أَوِ الْمِعْرَاضِ أَوِ الْبُنْدُقَةِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ، وَإِنْ قَلَّ. وَجَوَابُهُ: قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ} [المائدة: 3] الْآيَةَ، (لِأَنَّهُ وَقِيذٌ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ، فَوَجَبَ أَلَّا يُبَاحَ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ شَاةً بِعَصَا فَمَاتَتْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْمَوْقُوذَةُ الَّتِي تُضْرَبُ حَتَّى تُوقَذَ، أَيْ: تُشْرِفَ عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يَضْرِبُونَهَا بِالْعَصَا، فَإِذَا مَاتَتْ أَكَلُوهَا، دَلِيلُ الْأَكْثَرِ مَا رَوَى سَعِيدٌ، ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، ثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا:«إِذَا رَمَيْتَ فَسَمَّيْتَ فَخَرَقْتَ فَكُلْ، وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ فَلَا تَأْكُلْ، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ الْمِعْرَاضِ إِلَّا مَا ذَكَّيْتَ، وَلَا تَأْكُلْ مِنَ الْبُنْدُقَةِ إِلَّا مَا ذَكَّيْتَ» . وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يَلْقَ عَدِيًّا، قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَوْ شَدَخَهُ أَوْ خَرَقَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ.