الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ
، وإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوِ الْمُخَّ، أَوِ الْكَبِدَ، أَوِ الطِّحَالَ، أَوِ الْقَلْبَ، أَوِ الْكِرْشَ، أَوِ الْمُصْرَانَ، أَوِ الْإِلْيَةَ وَالدِّمَاغَ وَالْقَانِصَةَ، لَمْ يَحْنَثْ. وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ لَمْ يَحْنَثْ، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي، قَالَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
[الْقِسْمُ الثَّانِي الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ]
فَصْلٌ (الْقِسْمُ الثَّانِي: الْأَسْمَاءُ الْحَقِيقِيَّةُ) وَهِيَ نِسْبَةً إِلَى الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي وَضْعٍ أَوَّلَ.
(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ، فَأَكَلَ الشَّحْمَ، أَوِ الْمُخَّ، أَوِ الْكَبِدَ، أَوِ الطِّحَالَ، أَوِ الْقَلْبَ، أَوِ الْكِرْشَ، أَوِ الْمُصْرَانَ، أَوِ الْإِلْيَةَ وَالدِّمَاغَ وَالْقَانِصَةَ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَحْمًا وَيَنْفَرِدُ، عَلَّقَهُ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ، وَلَوْ أَمَرَ وَكِيلَهُ بِشِرَاءِ لَحْمٍ فَاشْتَرَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ لَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا، وَلَا يَنْفُذُ الشِّرَاءُ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَحْمٌ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ مِنَ الْحَيَوَانِ كَالْعَظْمِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ: يَحْنَثُ إِذَا قَصَدَ اجْتِنَابَ الدَّسَمِ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ كَارِعٍ وَذَنَبٍ، فَإِنْ أَكَلَ مِنَ الشَّحْمِ الَّذِي عَلَى الظَّهْرِ وَالْجَنْبِ وَفِي تَضَاعِيفِ اللَّحْمِ لَمْ يَحْنَثْ فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا بَائِعُهُ شَحَّامًا، وَيُسَمَّى لَحْمًا سَمِينًا، وَلَوْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ اللَّحْمِ فَاشْتَرَاهُ لَزِمَهُ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى:{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} [الأنعام: 146] ، لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الشَّحْمَ فِي صِفَتِهِ وَذَوْبِهِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى شَحْمًا، وَلَا أَنَّهُ بِمُفْرَدِهِ يُسَمَّى لَحْمًا، وَلَا يُسَمَّى بَائِعُهُ شَحَّامًا، بَلْ لَحَّامًا، لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَا هُوَ الْأَصْلُ دُونَ التَّبَعِ، وَفِي كِلَا الدَّلِيلَيْنِ نَظَرٌ، إِذْ بِمُجَرَّدِ شَبَهِ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يُسَمَّى بِاسْمِهِ وَيُعْطَى حُكْمَهُ، عَلَى أَنَّ شَبَهَ سَمِينِ الظَّهْرِ بِالْإِلْيَةِ أَقْرَبُ مِنْ شَبَهِهِ بِالشَّحْمِ.
فَرْعٌ: لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُؤَلِّفُ لِحُكْمِ لَحْمِ الرَّأْسِ وَاللِّسَانِ وَالسَّنَامِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، أَوْ أَكْلِ السَّمِينِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّ اسْمَ اللَّحْمِ لَا يَنْصَرِفُ
أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جُبْنًا، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إِلَيْهِ، وَعَنْهُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي لَحْمًا فَاشْتَرَى رَأْسًا أَوْ كَارِعًا لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.
وَالثَّانِي: بَلَى، لِأَنَّهُ لَحْمٌ، وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ (وَإِنْ أَكَلَ الْمَرَقَ لَمْ يَحْنَثْ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ (وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي) ، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو (مِنْ قِطَعِ اللَّحْمِ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْمٍ حَقِيقَةً، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ كَالْكَبِدِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَجْزَاءَ اللَّحْمِ فِيهِ، وَإِنَّمَا فِيهِ مَاءُ اللَّحْمِ، وَدُهْنُهُ. 1
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الشَّحْمَ، فَأَكَلَ شَحْمَ الظَّهْرِ حَنِثَ) أَيْ: إِذَا أَكَلَ بَيَاضَ اللَّحْمِ كَسَمِينِ الظَّهْرِ، يَحْنَثُ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى شَحْمًا، وَيُشَارِكُ شَحْمَ الْبَطْنِ فِي اللَّوْنِ وَالذَّوْبِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ وَالْعُرْفِ يَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ طَلْحَةَ الْعَاقُولِيِّ، وَعَلَى هَذَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْإِلْيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: الشَّحْمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجَوْفِ مِنْ شَحْمِ الْكُلَى وَغَيْرِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْإِلْيَةِ، أَوِ اللَّحْمِ الْأَبْيَضِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنْ أَكَلَ اللَّحْمَ الْأَحْمَرَ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الشَّحْمِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَحْنَثُ، لِأَنَّ اللَّحْمَ لَا يَخْلُو مِنْ شَحْمٍ.
1 -
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا، فَأَكَلَ زُبْدًا، أَوْ سَمْنًا، أَوْ كِشْكًا، أَوْ مَصْلًا، أَوْ جُبْنًا) أَوْ أَقِطًا (لَمْ يَحْنَثْ) نَصَّ عَلَيْهِ، اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى لَبَنًا، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَظْهَرْ طَعْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِيهَا، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِي الزُّبْدِ إِنْ ظَهَرَ فِيهِ لَبَنٌ، حَنِثَ بِأَكْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ أَكَلَ مِنْ لَبَنِ الْأَنْعَامِ، أَوِ الصَّيْدِ، أَوْ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ، حَنِثَ، حَلِيبًا كَانَ، أَوْ رَائِبًا، مَائِعًا، أَوْ جَامِدًا، لِأَنَّ الْجَمِيعَ لَبَنٌ.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ وَالسَّمْنِ، فَأَكَلَ لَبَنًا لَمْ يَحْنَثْ) ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى زُبْدًا وَلَا سَمْنًا، وَفِي الْمُغْنِي إِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ الزُّبْدُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ ظَهَرَ حَنِثَ، لِأَنَّ ظُهُورَهُ كَوُجُودِهِ، وَكَذَا إِنْ حَلَفَ عَلَى الزُّبْدِ، فَأَكَلَ
لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ، فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتَّمْرِ، وَالرُّمَّانِ، حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ حَنِثَ، وَيُحْتَمَلُ أَلا يَحْنَثَ، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا، فَأَكَلَ مُذَنِّبًا حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا، أَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
سَمْنًا، وَإِنْ أَكَلَ سَمْنًا وَإِنْ أَكَلَ جُبْنًا لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يُصْنَعُ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا، فَأَكَلَ شَيْئًا مِمَّا يُصْنَعُ مِنَ اللَّبَنِ سِوَى السَّمْنِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الزُّبْدِ وَجْهٌ، فَإِنْ أَكَلَ السَّمْنَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي طَبِيخٍ يَظْهَرُ فِيهِ طَعْمُهُ حَنِثَ. 1
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرِ الشَّجَرِ) غَيْرَ بَرِّيٍّ (كَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالتَّمْرِ، وَالرُّمَّانِ) وَالْمَوْزِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَالنَّبْقِ، وَالْأَصَحُّ وَلَوْ يَابِسًا كَصَنَوْبَرٍ وَعُنَّابٍ (حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى فَاكِهَةً عُرْفًا وَشَرْعًا، وَيُسَمَّى بَائِعُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ فَاكِهَانِيًّا، لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا لَيْسَا مِنَ الْفَاكِهَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68] لِأَنَّهُمَا ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ يُتَفَكَّهُ بِهِمَا كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَالْعَطْفُ لَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، بَلْ لِتَشْرِيفِهِمَا وَتَخْصِيصِهِمَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ} [البقرة: 98] وَلَيْسَ مِنْهَا زَيْتُونٌ، وَبَلُّوطٌ، وَبُطْمٌ، وَزُعْرُورٌ أَحْمَرُ، وَآسٌ، وَسَائِرُ ثَمَرٍ بَرِّيٍّ لَا يُسْتَطَابُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ حَنِثَ بِالثَّمَرَةِ فَقَطْ، وَلَوْ لَقَطَ مِنْ تَحْتِهَا (وَإِنْ أَكَلَ الْبِطِّيخَ حَنِثَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ يَنْضَجُ وَيَحْلُو، أَشْبَهَ ثَمَرَةَ الشَّجَرِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْنَثَ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُحَرَّرِ وَجْهًا، لِأَنَّهُ ثَمَرٌ بَقْلُهُ كَالْخِيَارِ (وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ) وَسَائِرِ الْخُضْرَوَاتِ، كَقَرْعٍ، وَبَاذِنْجَانٍ، وَجَزَرٍ، وَلِفْتٍ، وَفُجْلٍ، وَقُلْقَاسٍ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى فَاكِهَةً، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ. 1
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ رُطَبًا فَأَكَلَ مُذَنِّبًا) وَهُوَ الَّذِي بَدَا فِيهِ الْإِرْطَابُ مِنْ ذَنَبِهِ، وَبَاقِيهِ بُسْرًا وَمُنْصِفًا، وَهُوَ الَّذِي بَعْضُهُ بُسْرٌ وَبَعْضُهُ رُطَبٌ، أَوْ لَا يَأْكُلُ بُسْرًا، فَأَكَلَ ذَلِكَ (حَنِثَ) قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ آكِلَهُ قَدْ أَكَلَ الرُّطَبَ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رُطَبًا.
فَرْعٌ: حَلَفَ وَاحِدٌ: لَيَأْكُلَنَّ رُطَبًا، وَآخَرُ: لَيَأْكُلَنَّ بُسْرًا، فَأَكَلَ الْأَوَّلُ مَا فِي النِّصْفِ مِنَ الرَّطْبَةِ، وَأَكَلَ الْآخَرُ بَاقِيَهَا، بَرَّ. (وَإِنْ أَكَلَ تَمْرًا أَوْ بُسْرًا) لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرُطَبٍ (أَوْ
رُطَبًا أَوْ دِبْسًا أَوْ نَاطِفًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ أُدُمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ وَالزَّيْتُونِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ، وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ رُطَبًا، أَوْ دِبْسًا، أَوْ نَاطِفًا، لَمْ يَحْنَثْ) ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَمَرٍ، وَإِنْ أَكَلَ رُطَبًا غَيْرَ بُسْرٍ، قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَوْ هُمَا عَنْ مُذَنِّبٍ، فَلَا حِنْثَ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَأْكُلُ أُدُمًا حَنِثَ بِأَكْلِ الْبَيْضِ وَالشِّوَاءِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَالْجُبْنِ وَالْمِلْحِ) فِي الْأَشْهَرِ فِيهِ (وَالزَّيْتُونِ، وَاللَّبَنِ، وَسَائِرِ مَا يُصْبَغُ بِهِ) أَيْ: مَا يُغْمَسُ فيه الخبز، وَيُسَمَّى ذَلِكَ الْمَغْمُوسُ فِيهِ صَبْغًا، لِأَنَّ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بأكل الخبز بِهِ هُوَ التَّأَدُّمُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ} [المؤمنون: 20]«وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نِعْمَ الْأُدُمُ الْخَلُّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ائْتَدِمُوا بِالزَّيْتِ، وَادَّهِنُوا بِهِ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«سَيِّدُ أُدُمِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ» . رَوَاهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي غَرِيبِهِ، «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: سَيِّدُ إِدَامِكُمُ الْمِلْحُ» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ، وَلِأَنَّهُ يُؤْكَلُ به الخبز عَادَةً وَيُعَدُّ لِلتَّأَدُّمِ، فَكَانَ أُدْمًا، (وَفِي التَّمْرِ وَجْهَانِ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ.
أَحَدُهُمَا: هُوَ أُدْمٌ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ تَمْرَةً عَلَى كِسْرَةٍ، وَقَالَ: هَذِهِ إِدَامُ هَذِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ.
وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَدَمُ بِهِ عَادَةً، وَهُوَ فَاكِهَةٌ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ عَلَيْهِمَا زَبِيبٌ وَنَحْوُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ، وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: لَا يَحْنَثُ.
فَرْعٌ: الْقُوتُ: خُبْزٌ، وَفَاكِهَةٌ يَابِسَةٌ، وَلَبَنٌ، وَنَحْوُهُ، وَقِيلَ: قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، وَيَحْنَثُ بِحَبٍّ يُقْتَاتُ فِي الْأَصَحِّ، وَالطَّعَامُ مَا يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ، وَفِي مَاءٍ، وَدَوَاءٍ، وَوَرَقِ شَجَرٍ، وَتُرَابٍ،
حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا، فَلَبِسَ ثَوْبًا، أَوْ دِرْعًا، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ حَنِثَ، وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَنَحْوِهَا، وَجْهَانِ، وَالْعَيْشُ عرفا: الخبز، وَفِي اللُّغَةِ الْعَيْشُ: الْحَيَاةُ، فَيَتَوَجَّهُ مَا يَعِيشُ بِهِ، فَيَكُونُ كَالطَّعَامِ.
1 -
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ شَيْئًا فَلَبِسَ ثَوْبًا أَوْ دِرْعًا، أَوْ جَوْشَنًا، أَوْ خُفًّا، أَوْ نَعْلًا حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، فَحَنِثَ بِهِ كَالثِّيَابِ، لَكِنْ لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْخُفِّ أَوِ النَّعْلِ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا حَنِثَ كَيْفَ لَبِسَهُ، وَلَوْ تَعَمَّمَ بِهِ، وَلَوِ ارْتَدَى بِسَرَاوِيلَ، أَوِ اتَّزَرَ بِقَمِيصٍ لا بطيه، وَلَا بِتَرْكِهِ عَلَى رَأْسِهِ، وَلَا بِنَوْمِهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَدَثَّرَ بِهِ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ قَالَ: قَمِيصًا، فَاتَّزَرَ بِهِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنِ ارْتَدَى فَوَجْهَانِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ حُلِيًّا، فَلَبِسَ حِلْيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ، حَنِثَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12]، وقَوْله تَعَالَى:{يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} [الحج: 23]، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْبَحْرِ الشَّرْقِيِّ: إِنِّي جَاعِلٌ فِيكَ الْحِلْيَةَ، وَالصَّيْدَ، وَالطِّيبَ، وَكَذَهَبٍ وَجَدَهُ، (وَإِنْ لَبِسَ عَقِيقًا أَوْ سَبَجًا) وَحَرِيرًا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ كَخَرَزِ الزُّجَاجِ، وَفِي الْوَسِيلَةِ: تَحْنَثُ الْمَرْأَةُ بِحَرِيرٍ، (وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: الْمُفْرَدِينَ، وَمِنْطَقَةٌ مُحَلَّاةٌ لَا سَيْفٌ، (فِي مُرْسَلَةٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا: لَا حِنْثَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحُلِيٍّ إِذَا لَمْ يَلْبَسْهُ، فَكَذَا إِذَا لَبِسَهُ، وَالثَّانِي: بَلَى، كَلَبْسِ سُوَارٍ وَخَاتَمٍ، وَلِأَنَّهَا مِنْ حُلِيِّ الرِّجَالِ، وَلَا يُقْصَدُ بِلَبْسِهَا مُحَلَّاةً إِلَّا التَّجَمُّلُ بِهَا.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خَاتَمًا فَلَبِسَهُ فِي غَيْرِ خِنْصَرٍ حَنِثَ، لِأَنَّهُ لَابِسٌ، وَلَا فَرْقَ
أَوْ سَبَجًا لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ لَبِسَ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي مُرْسَلَةٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَهُ، فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
بَيْنَ الْخِنْصَرِ وَغَيْرِهِ إِلَّا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ عَلَى تَخْصِيصِهِ بِالْخِنْصَرِ، وَكَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً، فَجَعَلَهَا فِي رِجْلِهِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ عَيْبٌ وَمَشَقَّةٌ بِخِلَافِهِ هُنَا.
1 -
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبَهُ، أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارَهُ، فَرَكِبَ دَابَّةَ عَبْدِهِ، وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ، فَلَا حِنْثَ) نَقُولُ إِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ، فَدَخَلَ دَارَ عَبْدِهِ، حَنِثَ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ دَارَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، وَالثَّوْبُ وَالدَّابَّةُ كَالدَّارِ، لِأَنَّهُمَا مَمْلُوكَانِ للسيد فَيَتَنَاوَلُهُمَا يَمِينُ الْحَالِفِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَحْنَثُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فُلَانٌ لِأَنَّ الدَّارَ تُضَافُ إِلَى سَاكِنِهَا كَإِضَافَتِهَا إِلَى مَالِكِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1]{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ، وَلِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَلِأَنَّ سَاكِنَ الدَّارِ مُخْتَصٌّ بِهَا، فَكَانَتْ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ صَحِيحَةً، وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْعُرْفِ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ كَمَا لَوْ قَالَ: هَذِهِ دَارُ زَيْدٍ، وَفَسَّرَ إِقْرَارَهُ بِسُكْنَاهَا، احْتُمِلَ أَنْ يُقْبَلَ تَفْسِيرُهُ، وَلَوْ سَلَّمَ بِقَرِينَةِ الْإِقْرَارِ يَصْرِفُهُ إِلَى الْمِلْكِ، وَلَوْ حَلَفَ: لَا دَخَلْتُ مَسْكَنَ زَيْدٍ، حَنِثَ بِدُخُولِهِ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهَا، وَلَوْ قَالَ: هَذَا السَّكَنُ لِزَيْدٍ كَانَ مُقِرًّا لَهُ بِهَا (وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ) أَوْ غَصَبَهَا (لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ فُلَانًا لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَ الدَّابَّةِ، وَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الدَّارِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ فِي الدَّارِ، لِكَوْنِهِ اسْتَعَارَهَا أَوْ غَصَبَهَا، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ لِسُكْنَاهُ بِهَا، فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ، وَلَوْ غَصَبَهَا أَوِ اسْتَعَارَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْكُنَهَا لَمْ تَصِحَّ إِضَافَتُهَا إِلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ بِدُخُولِ الدَّارِ الْمُسْتَعَارَةِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ، لِوُجُودِ شَرْطِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: وإِنْ قَالَ: لَا أَسْكُنُ مَسْكَنَهُ، فَفِيمَا لَا يَسْكُنُهُ زَيْدٌ مِنْ مِلْكِهِ، وَمَا يَسْكُنُهُ بِغَصْبٍ وَجْهَانِ، وَفِي التَّرْغِيبِ الْأَقْوَى: إِنْ كَانَ سَكَنَهُ مَرَّةً حَنِثَ، وَإِنْ قَالَ: مَلَكَهُ، فَفِيمَا اسْتَأْجَرَهُ خِلَافٌ فِي الِانْتِصَارِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهَا حِينَئِذٍ، كَحَلِفِهِ لَا يَرْكَبُ رَحْلَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَلَا يَبِيعُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ مِنَ الدَّارِ، وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا، بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، وَمَنْعِ الْجُنُبِ مِنَ اللُّبْثِ فِيهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ إِذَا دَخَلَهُ، كَمَا لَوْ دَخَلَ الدَّارَ نَفْسَهَا، وَإِنْ حَلَفَ
وَلَبِسَ ثَوْبَهُ، وَدَخَلَ دَارَهُ، أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ، فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ رَكِبَ دَابَّةً اسْتَعَارَهَا فُلَانٌ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ فَرَكِبَ دَابَّةً جُعِلَتْ بِرَسْمِهِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَدَخَلَ سَطْحَهَا حَنِثَ، وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا حَنِثَ، وَإِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لَيَخْرُجَنَّ مِنَ الدَّارِ، فَصَعِدَ سَطْحَهَا لَمْ يَبِرَّ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ قرينة عمل بِهَا، فَإِنْ صَعِدَ عَلَى شَجَرَةٍ حَتَّى صَارَ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا بَيْنَ حِيطَانِهَا حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ بَيْنَ حِيطَانِهَا، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ، وَكَذَا إِنْ كَانَتِ الشَّجَرَةُ فِي غَيْرِ الدَّارِ، فَتَعَلَّقَ بِفَرْعٍ مَادٍّ عَلَى الدَّارِ فِي مُقَابَلَةِ سَطْحِهَا، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى حَائِطِ الدَّارِ فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَدِّهَا، أَشْبَهَ الْقَائِمَ عَلَى سَطْحِهَا.
وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا (وَإِنْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ) :
أَحَدُهُمَا: يَحْنَثُ، لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَدِّهَا.
وَالثَّانِي: لَا، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى دَاخِلًا، وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ قَامَ فِي مَوْضِعٍ إِذَا أَغْلَقَ الْبَابَ كَانَ خَارِجًا مِنْهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. 1
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ إِنْسَانًا حَنِثَ بِكَلَامِ كُلِّ إِنْسَانٍ) لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، وَلِفِعْلِهِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ، لَأَنَّ السَّلَامَ كَلَامٌ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ، فَيَحْنَثُ بِهِ كَغَيْرِهِ، وَفِي الرِّعَايَةِ: إِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ ولم يعرفه فَوَجْهَانِ، وَإِنْ صَلَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ إِمَامًا، وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ، لَمْ يَحْنَثْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ فِيهَا فَفَتَحَ عَلَيْهِ الْحَالِفُ (وَإِنْ زَجَرَهُ، فَقَالَ: تَنَحَّ، أَوِ اسْكُتْ، حَنِثَ) لِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامٌ، فَيَدْخُلُ فِي مَا حَلَفَ عَلَى عَدَمِهِ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا، فَلَوْ كَاتَبَهُ، أَوْ رَاسَلَهُ، حَنِثَ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَلَّا يُشَافِهَهُ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ، أَوْ سَبَبُ يَمِينِهِ يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، لِأَنَّهُ يَصِحُّ نَفْيُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّسَالَةُ تَكْلِيمًا لَتَنَاوَلَ مُوسَى وَغَيْرَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَمْ يَخْتَصَّ بِكَوْنِهِ كَلِيمَ اللَّهِ تَعَالَى، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} [الشورى: 51] ، لِأَنَّهُ وُضِعَ لِإِفْهَامِ الْآدَمِيِّينَ، أَشْبَهَ الْخِطَابَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:{آيَتُكَ أَلا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] ، وَالرَّمْزُ لَيْسَ بِتَكْلِيمٍ، لَكِنْ إِنْ نَوَى تَرْكَ مُوَاصَلَةٍ، أَوْ سَبَبٍ، أَوْ كَانَ سَبَبُ يَمِينِهِ
حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ، وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَاحْتَمَلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَقْتَضِي هِجْرَانَهُ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَبْتَدِئُهُ بِكَلَامٍ) أَوْ لَا كَلَّمْتُ فُلَانًا حَتَّى يُكَلِّمَنِي، أَوْ حَتَّى يَبْدَأَنِي بِكَلَامٍ، (فَتَكَلَّمَا مَعًا، حَنِثَ) فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُبْتَدِئٌ، إِذْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ كَلَامٌ سِوَاهُ، وَفِي الرِّعَايَةِ: قُلْتُ: لَا، لَكِنْ إِذَا قَالَ: لَا بَدَأْتُهُ بِكَلَامٍ، فَتَكَلَّمَا مَعًا، لَمْ يَحْنَثْ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، لِعَدَمِ الْبِدَايَةِ، وَالثَّانِي: بَلَى، لِمَا تَقَدَّمَ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا) وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا (فَذَلِكَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحِينَ الْمُطْلَقَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى أَقَلُّهُ سِتَّةٌ، فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ أَقَلُّ زَمَنٍ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ كَالْكَثِيرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17] ، فَإِنْ قُلْتَ تَرِدُ لِلسَّنَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] ، وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ، وَيُرَادُ بِهِ سَاعَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} [الروم: 17] وقال: جِئْتُهُ مُنْذُ حِينٍ، وَإِنْ كَانَ أَتَاهُ مِنْ سَاعَةٍ، وَيُرَادُ بِهِ مُدَّةٌ طَوِيلَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54]، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْإِطْلَاقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْإِطْلَاقِ الْخَالِي عَنِ الْإِرَادَةِ، مَعَ أَنَّ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَبَا عُبَيْدَةَ قَالُوا فِي قَوْله تَعَالَى:{تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 25] ، سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَا اسْتُشْهِدُوا بِهِ مِنَ الْمُطْلَقِ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَا ذَكَرْنَاهُ أَقَلُّ، فَحُمِلَ عَلَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: إِنْ عَرَّفَهُ فَلِلْأَبَدِ، كَالدَّهْرِ وَالْعُمُرِ، أَمَّا إِذَا قَيَّدَ لَفْظَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ بِزَمَنٍ، فَإِنَّهَا تَتَقَيَّدُ بِهِ، (وَإِنْ قَالَ: زَمَنًا، أَوْ دَهْرًا، أَوْ بَعِيدًا، أَوْ مَلِيًّا، رَجَعَ إِلَى أَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِي إِرَادَتِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، وَعِنْدَ الْقَاضِي: إِنَّ زَمَنًا كَحِينٍ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: فِي وَقْتٍ وَنَحْوِهِ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِنَا مَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْمُؤَاخَذَةِ وَالزَّمَانِ كَحِينٍ، وَاخْتَارَه فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ لِلْأَبَدِ كَالدَّهْرِ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ إِذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ زَمَانًا، فَهُوَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، (وَإِنْ قَالَ: عُمُرًا، احْتَمَلَ ذَلِكَ) أَيْ: يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى أَقَلِّ مَا تَنَاوَلَهُ
ذلك، واحتمل أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا، وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِثْلَ الْحِينِ، إِلَّا بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا، فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ، وَالدَّهْرَ، فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ، وَالْحُقْبُ: ثَمَانُونَ سَنَةً، وَالشُّهُورُ: اثْنَا عَشَرَ، عِنْدَ الْقَاضِي، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ ثَلَاثًا كَالْأَشْهُرِ، وَالْأَيَّامُ: ثَلَاثَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
اللَّفْظُ (وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ عَامًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: 16] ، وَهُوَ قَوْلٌ حَسَنٌ، قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كَالْحِينِ، فَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنَ الْعُمُرِ وَالدَّهْرِ، (وَقَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا مِثْلَ الْحِينِ) ، لِمَا تَقَدَّمَ، (إِلَّا بَعِيدًا أَوْ مَلِيًّا) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ طَوِيلًا، (فَإِنَّهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَإِنْ قَالَ: الْأَبَدَ، وَالدَّهْرَ) وَالْعُمُرَ (فَذَلِكَ عَلَى الزَّمَانِ كُلِّهِ) ، لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ دُخُولَ الزَّمَانِ كُلِّهِ. (وَالْحُقْبُ)، بِضَمِّ الْحَاءِ:(ثَمَانُونَ سَنَةً) ، نَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْوَجِيزِ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ: هُوَ أَدْنَى زَمَانٍ، لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ عَامًا، وَقِيلَ: لِلْأَبَدِ (وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ عِنْدَ الْقَاضِي) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36] ، (وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ (ثَلَاثًا) لِأَنَّهُ جَمْعٌ (كَالْأَشْهُرِ) فَإِنَّهَا ثَلَاثَةٌ وَجْهًا وَاحِدًا، (وَالْأَيَّامُ ثَلَاثَةٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ، وَإِنْ عَيَّنَ أَيَّامًا تَبِعَتْهَا اللَّيَالِي.
1 -
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَابَ هَذِهِ الدَّارِ فَحَوَّلَ وَدَخَلَهُ حَنِثَ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ، وَكَذَا إِذَا جَعَلَ لَهَا بَابًا آخَرَ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ، أَوْ قَلَعَ الْبَابَ وَنَصَبَهُ فِي دَارٍ أُخْرَى، لَمْ يَحْنَثْ بِالدُّخُولِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي نُصِبَ فِيهِ الْبَابُ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ مِنْ بَابِهَا، فَدَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَابِ لَمْ يَحْنَثْ، وَيَتَخَرَّجُ، بَلَى، إِذَا أَرَادَ بِيَمِينِهِ اجْتِنَابَ الدَّارِ، لَكِنْ إِنْ كَانَ لِلدَّارِ سَبَبٌ هَيَّجَ الْيَمِينَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْوِي مَعَ زَوْجَتِهِ فِي دَارٍ، فَأَوَى مَعَهَا فِي غَيْرِهَا (وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحَصَادِ، انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ) لِأَنَّ إِلَى لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ، فَتَنْتَهِي عِنْدَ
وَدَخَلَهُ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحَصَادِ، انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ، حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَوَّلِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ) هذه رِوَايَةٌ، لِأَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ هِجْرَانَهُ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِتَنَاوُلِ الْجَمِيعِ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ لِلْمُخَالَفَةِ فِي يَمِينِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ، أَشْبَهَ الْمُودَعَ، وَلِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، وَجَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ نَذْرُهُ الصَّامِتَ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْمَالِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ ضَائِعًا فِي وَجْهٍ، فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ، لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ أَوِ اشْتَرَى عَقَارًا وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فِيهِ وَالْآمِرِ بِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ، فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِذَا وَكَّلَ فِيهِ وَأَضَافَ إِلَى الْمُوَكَّلِ فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَكَلَّمَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ، أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ، فَضَرَبَهُ بِأَمْرِهِ حَنِثَ.
قَاعِدَةٌ: تُطَلَّقُ امْرَأَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زِنْدِيقًا بِقَائِلٍ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، قَالَهُ سَجَّادَةُ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَبْعَدَهُ، وَالسَّفَلَةُ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَلَا يُبَالِي عَلَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ رُئِيَ.
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الرِّعَاعُ السَّفَلَةُ وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْغَوْغَاءِ: صِغَارُ الْجَرَادِ.