الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِذَا تَغَيَّرَتْ حَالُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ، فَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ وَالْعَمَلُ بِهِ.
فَصْلٌ
وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ. وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ، وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ، مِثْلُ: إِنْ أَنْكَرَ، وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ، فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يَكْتُبَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحُكْمِ بِشَاهِدَيِ الْفَرْعِ، فَكَذَلِكَ بَقَاءُ عَدَالَةِ الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيِ الْأَصْلِ. (وَإِنْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ) بِأَيِّ حَالٍ كَانَ. (فَلِمَنْ قَامَ مَقَامَهُ قَبُولُ الْكِتَابِ وَالْعَمَلُ بِهِ) كَذَا ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا ; لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَى مَا حَفِظَهُ الشُّهُودُ وَتَحَمَّلُوهُ. وَمَنْ تَحَمَّلَ شَهَادَةً وَشَهِدَ بِهَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ قَاضٍ الْحُكْمُ بِهَا، وَلَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ أَوِ انْمَحَى. وَكَمَا لَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فُلَانًا الْقَاضِيَ حَكَمَ بِكَذَا، لَزِمَهُ إِنْفَاذُهُ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ بِحَالِهِ، وَوَصَلَ الْكِتَابُ إِلَى غَيْرِهِ، عَمِلَ بِهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَلَوْ شَهِدَا بِخِلَافِ مَا فِيهِ قُبِلَ، اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، وَأَبُو الْوَفَا: فَإِنْ قَالَا: هَذَا كِتَابُ فُلَانٍ إِلَيْكَ، أَخْبَرَنَا مَنْ نَثِقُ بِهِ. لَمْ يَجُزِ الْعَمَلُ بِهِمَا. وَإِنْ قَدِمَ غَائِبٌ فَلِلْكَاتِبِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِلَا إِعَادَةِ شُهُودٍ، قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ.
[الْكِتَابَةُ إِلَى الْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ]
فَصْلٌ
(وَإِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اكْتُبْ إِلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ أَنَّكَ حَكَمْتَ عَلَيَّ حَتَّى لَا يَحْكُمَ عَلَيَّ ثَانِيًا. لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ إِنَّمَا يَحْكُمُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ غَيْرُهُ، أَوْ فِيمَا حَكَمَ بِهِ لِيُنَفِّذَهُ غَيْرُهُ، وَكِلَاهُمَا مَفْقُودٌ هُنَا.
وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْفُرُوعِ، لِيَخْلُصَ مِمَّا يَخَافُهُ.
فَإِنْ قَالَ: اشْهَدْ لِي عَلَيْكَ بِمَا جَرَى. لَزِمَهُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ. (وَلَكِنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِالْقَضِيَّةِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ثَانِيًا، وَفِيهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا. (وَكُلُّ مَنْ ثَبَتَ لَهُ عِنْدَ حَاكِمٍ حَقٌّ، أَوْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ، مِثْلُ: إِنْ أَنْكَرَ، وَحَلَّفَهُ الْحَاكِمُ) أَن ثُبُوتٌ مُجَرَّدٌ، أَوْ مُتَّصِلٌ بِحُكْمٍ وَتَنْفِيذٍ، أَوْ سَأَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ. (فَسَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ
لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى ; لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ سَأَلَه مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، ونسخة يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ. وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ إِجَابَةُ مَنْ سَأَلَهُ لِتَبْقَى حُجَّتُهُ فِي يَدِهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا ثَبْتَ لَهُ حَقٌّ بِإِقْرَارٍ، فَسَأَلَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قُلْنَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْسَى. وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَقٌّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَعْدَ النُّكُولِ، فَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، لَزِمَهُ. لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْلِفَ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي غَيْرُ الْإِشْهَادِ. فَأَمَّا إِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ، فَالْمَشْهُورُ: يَلْزَمُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامِ خَصْمِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَيِّنَةً. وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ الْإِشْهَادَ عَلَى بَرَاءَتِهِ لَزِمَهُ ; لِيُكُونَ حُجَّةً لَهُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَرَّةً أُخْرَى.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْإِشْهَادِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ رُبَّمَا نَسِيَا الشَّهَادَةَ أَوْ نَسِيَا الْخَصْمَيْنِ.
وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكْفِيهِ. وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ (وَإِنْ سَأَلَهُ مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ) أَيْ: كِتَابَتَهُ وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ، لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلِهَذَا قَالَ:(فَعَلَ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَخَذَ السَّاعِي زَكَاتَهُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ إِنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ. وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ سُجِّلَ وَغَيْرُهُ مَحْضَرٌ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ: الْمَحْضَرُ: شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ، لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ. (وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَنُسْخَةً يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ) هَذَا هُوَ الْأَوْلَى، حَتَّى إِذَا هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ بَقِيَتِ الْأُخْرَى. (وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ) لِأَنَّهُ الطَّالِبُ لِذَلِكَ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَاجَةِ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ دُونَ الْغُرْمِ.
تَنْبِيهٌ: مَنْ حُكِمَ لَهُ بِحَقٍّ بِحُجَّةٍ بِيَدِهِ، فَأَقْبَضَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْحَقَّ، وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الْحُجَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا، فَيَحْتَاجُ إِلَى حُجَّةٍ تَخُصُّهُ.