الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ له، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ قَدَرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِه، وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَرْعٌ: إِذَا أُخْبِرَ حَاكِمٌ آخَرُ بِحُكْمٍ أَوْ ثُبُوتٍ عَمِلَ بِهِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُخْبِرِ.
وَفِي الرِّعَايَةِ: عَنِ الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ خَبَرَهُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِمَا، أَوْ فِي عَمَلِ أَحَدِهِمَا.
وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يُقْبَلُ، إِلَّا أَنْ يُخْبِرَ فِي عَمَلِهِ حَاكِمًا فِي غَيْرِ عَمَلِهِ، فَيَعْمَلُ بِهِ إِذَا بُلِّغَ عَمَلَهُ وَجَازَ حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّرْغِيبِ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَا فِي وِلَايَةِ الْمُخْبِرِ فَوَجْهَانِ.
وَفِيهِ إِذَا قَالَ: سَمِعْتُ الْبَيِّنَةَ، فَاحْكُمْ. لَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَ حَيَاةِ الْبَيِّنَةِ، بَلْ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهَا.
[مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ هَلْ يَأْخُذُهُ بِنَفْسِهِ]
فَصْلٌ
(مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ حَقٌّ، وَلَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهُ بِالْحَاكِمِ، وَقَدَرَ عَلَى مَالٍ له، لَمْ يَجُزْ) أَيْ: يَحْرُمُ. (أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ حَقِّهِ. نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ عَامَّةُ شُيُوخِنَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، وَرَوَاهُ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:«أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» . وَقَوْلُهُ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» . وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ وَالْمُعَارَضَةَ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ، إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ فَلَهُ ذَلِكَ.
فَعَلَى مَا ذَكَرَهُ: لَوْ أَخَذَ شَيْئًا لَزِمَهُ رَدُّهُ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَسَاقَطَا فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ غَرِمَهُ. وَتَقَدَّمَ لَوْ غَصَبَهُ مَالًا، أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ أَخَذَهُ قَهْرًا، زَادَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يُفْضِ إِلَى فِتْنَةٍ.
قَالَ: وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دَيْنٌ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا، فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ. وَجْهًا وَاحِدًا ; لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ رَضِيَا. (وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ) هَذا رِوَايَةٌ، فَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّيَا الْأَخْذَ بِالْعَدْلِ. (فَإِنْ قَدَرَ
بِقَدْرِه مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، لِحَدِيثِ هِنْدَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:«الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» .
وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ أَخَذَ بِقَدْرِه) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا)، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ. (قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِه) لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ لَا مُقَابِلَ لَهُ. (مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، لِحَدِيثِ هِنْدَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَلِقَوْلِهِ عليه السلام: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ» .
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ; لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدَ قَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إِلَى الْفَرْقِ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الزَّوْجِيَّةِ وَاجِبٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَالْمُحَاكَمَةُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ تَشُقُّ، بِخِلَافِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ.
وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ أَنَّ قِيَامَ الزَّوْجِيَّةِ كَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ ; لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَهَا مِنَ الْبَسْطِ فِي مَالِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ مَا يُؤَثِّرُ فِي أَخْذِ الْحَقِّ، وَبَذْلِ الْيَدِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ.
وَعَلَى الْجَوَازِ، لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى جِنْسِ حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا مِنْ غَيْرِ جِنْسِ حَقِّهِ.
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا يَبِيعُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَلْحَقُهُ فِيهِ تُهْمَةٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ، كَمَا قَالُوا فِي الرَّهْنِ يُرْكَبُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ مُقِرًّا بِهِ بَاذِلًا لَهُ، أَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لِأَمْرٍ يُبِيحُ الْمَنْعَ كَالتَّأْجِيلِ وَالْإِعْسَارِ، أَوْ قَدَرَ عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ بِالْحَاكِمِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ.
فَرْعٌ: نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنَيْهِ وَحَرْبٌ: عَلَى أَنَّ لِابْنِ الابن أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. ذَكَرَهُ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ. وَيَتَخَرَّجُ جَوَازُهُ بِنَاءً عَلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيِّ الْوَصِيَّةَ مَا فِي يَدِهِ إِذَا كَتَمَ الْوَرَثَةُ تَعْيِينَ التَّرِكَةِ. (وَحُكْمُ الْحَاكِمِ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ) وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ ; لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ
صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حُكْمٌ بِشَهَادَةِ زُورٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، كَالْمَالِ الْمُطْلَقِ. (وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا، فَرُفِعَا إِلَى عَلِيٍّ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي، اعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ. فَقَالَ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ. فَعَلَى هَذَا: يَحِلُّ لِمُدَّعِي النِّكَاحِ وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا. وَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ. وَلِمَنْ عَلِمَ كَذِبَ شُهُودِ الطَّلَاقِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمَرْأَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إِلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إِلَى حُكْمِهِ. لَكِنَّ اللِّعَانَ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْبَيِّنَةُ أَوْلَى.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ اللِّعَانَ حَصَلَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ. وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ. لَكِنْ أَجَابَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ اللِّعَانَ وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِسَتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ، فَتَعَقَّبَ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إِلَّا بِهِ، وَمَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِلْفَسْخِ بِهِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا إِلَّا جَهْلُ الْحَاكِمِ بِبَاطِنِ الْأَمْرِ، وَعِلْمُهُمَا وَعِلْمُ الشُّهُودِ أَكْثَرُ مِنَ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُومٌ وَهَذَا مَحْسُوسٌ.
وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْمُقْنِعِ ثُمَّ اسْتَثْنَى: إِلَّا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَطَعَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ.
فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ شُفْعَةَ جِوَارٍ، زَالَ بَاطِنًا فِي الْأَعْرَفِ. وَلَوْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ، عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ - مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ - فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ، نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِلَّا أَبَا الْخَطَّابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ، مَنْ حُكِمَ لَهُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ بِبَيِّنَةِ زُورٍ، حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا، ثُمَّ إِنْ وَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَزِنًى، وَيُصْبِحُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ، خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ. وَإِنْ حَكَمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودٍ زُورٍ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهَا ظَاهِرًا، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَطِئَهَا فَهَلْ يُحَدُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.