الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما أهل السنة، فإنهم يرون أنهم ورثة رسول الله، لأنهم اتبعوا سنته، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث غير حديثه فقال ابن الوزير «1» :
العلم ميراث النّبيّ كذا أتى
…
في النّصّ والعلماءهم ورّاثه
فإذا أردت حقيقة تدري بها
…
ورّاثه وعرفت ما ميراثه
ما ورّث المختار غير حديثه
…
فينا وذاك متاعه وأثاثه
قلنا (الحديث) وراثة نبويّة
…
ولكلّ محدث بدعة إحداثه «2»
ولذلك ضج بعض شعراء المديح النبوي من هذا الجدل الديني، ومن هذا التباين بين المسلمين، فتوجهوا في مدائحهم النبوية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستنجدون به، ويطلبون شفاعته لتتخلص الأمة من الفرقة والخلاف، فتكون قادرة على مواجهة أعدائها.
انتشار التصوف:
من المظاهر الدينية التي سادت هذا العصر، وكان لها أثر كبير في انتشار المدائح النبوية واتساعها، ظاهرة التصوف الذي انتشرت طرقه انتشارا كبيرا، وتغلغت بين الناس، ونالت الاعتراف الرسمي من الدولة، فكان تعيين شيوخ الطرق يتم من قبل السلطان.
وقد شجعت الصوفية إظهارا للتدين، وحثا على الجهاد. لذلك حرص المماليك مثل سابقيهم من الأيوبيين، على بناء التكايا والزوايا للمتصوفة وأهل العلم والفقراء والغرباء، لكن بعض هذه الزوايا تحول إلى مأوى للعجزة، الذين أصبحوا مضرب المثل
(1) ابن الوزير: محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى كان من كبار الحفاظ والعلماء المجتهدين اليمانيين ولد سنة (775 هـ) . القنوشي، صديق: التاج المكلل ص 340.
(2)
القنوشي، صديق: التاج المكلل ص 340.
وقد كان التصوف في مراحله الأولى تصوفا إسلاميا محضا، لا يخرج عمّا أتى به الإسلام، وعمّا عرف عن زهد الصحابة والتابعين، ثم أخذ المتصوفة يتسعون في مذهبهم، فأخذوا عن الشيعة بعض عقائدهم، وخاصة التنظيم الهرمي، وفكرة القطب أو الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية، التي أخذ بها المتصوفة والفرق الإسماعيلية، وظل التصوف يتسع في العقيدة حتى خرج بها أحيانا عن حدود الدين، واستمد بعض الأفكار من الديانات السماوية وغيرها، والفلسفات القديمة، لذلك حاربها كثير من رجال الدين وردوا عليها، فتهكم الشعراء من معتقداتهم الغامضة، وطريقتهم المميزة في التعبير عنها، وقسا بعضهم في مهاجمتهم وانتقاد معتقدات الفرق المتطرفة منهم.
وأصبحت أحوال الصوفية وأعمالهم وأقوالهم مدار حديث الشعراء، وأضحى التصوف أحد مكونات الثقافة في العصر، وخاصة ثقافة الشعراء، وكان للمتصوفة شعراؤهم الذين عبروا عن مذهبهم وأظهروا وجدهم في الذات الإلهية، وشوقهم إلى الصفاء والمقدسات، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكان لائق في شعرهم، يمدحونه على طريقتهم، ويظهرون مكانته في عالمهم، فهم ينسبون أنفسهم إليه، ويدّعون وراثتهم لحقيقته، فقالوا: «الناس ثلاثة، عالم وعابد وعارف صوفي، وكلهم قد أخذوا من الوراثة النبوية
…
العالم ورث أقواله
…
والعابد ورث أفعاله
…
والصوفي ورث الجميع» «1» .
وبرز في المدائح النبوية شعراء متفوقون من المتصوفة، مثل البوصيري الذي عرف بأنه من أتباع الطريقة الشاذلية، فمدائحه النبوية تعبق بالنفحات الصوفية، وبعض مدائحه تبدو أنها نظمت لتنشد في حلقات الذكر مثل قصيدته التي مطلعها:
يا ربّ صلّ على المختار من مضر
…
والأنبيا وجميع الرّسل ما ذكروا «2»
(1) ابن البنا السر قسطي: الفتوحات الإلهية ص 99.
(2)
ديوان البوصيري ص 272.