الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلّى الله عليه وسلّم، وذكر الرحلة والراحلة تقديم معروف للقصيدة المدحية، أفاد منه شعراء المديح النبوي، لأنه في وصف المصاعب التي اعترضتهم في رحلتهم، يظهرون فيه مدى محبتهم وشوقهم للرسول الكريم، وهو مناسبة لإضفاء هذه المشاعر على راحلاتهم، فتكون أعمق وأبلغ وأشد تأثيرا في النفس، فإذا كانت هذه البهائم تشعر بالشوق إلى الأماكن المقدسة، وتتجاوز الصعاب للوصول إليها، فكيف يكون حال من يركبها؟
هذا ما ظهر في تقديم الشهاب محمود في ذكر الرحلة إلى الحجاز، فوصف النوق وصفا خارجيا ونفسيا، وأضفى عليها المشاعر الإنسانية في قوله:
أرحها فقد ملّ الظّلام سراها
…
وأنحلها بعد المدى وبراها
وغادرها جلدا وعظاما حنينها
…
إلى منزل فيه اللّقاء قراها
ألست تراها كلّما ذكر الحمى
…
تمدّ له أعناقها وخطاها
سرى وحنين واشتياق ثلاثة
…
برت لحمها بري السّهام مداها «1»
فهو لا يتحدث عن الراحلات وإنما عن نفوس راكبيها، وإن مزج بين معاناة هذه النياق وبين مشاعر الركب الذين يتلهفون للوصول إلى المدينة المنورة، ورؤية الروضة الشريفة.
وصف الطبيعة:
وجارى شعراء المديح النبوي في مقدماتهم شعراء المديح التقليدي في وصف الطبيعة، ولكنهم لم يصفوا الصحراء القاحلة إلّا لماما، وأثناء الحديث عن رحلتهم، وإنما وصفوا الطبيعة الزاهية التي تعكس فرح نفوسهم بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي
(1) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص 95.
تظهر قدرة الباري- عز وجل على إحياء الميت من الأرض، وآياته في تنويع الخلق، وهذا ما أوضحه الصرصري في تقديمه لإحدى نبوياته، حين قال:
خطّ الرّبيع بأقلام التّباشير
…
رسالة كتبت بالنّور والنّور
حيّا البقاع الحيا فاهتزّ هامدها
…
لمّا أتتها يد البشرى بمنشور
والورق تهتف في الأوراق شاكرة
…
إحسان مبتدئ بالفضل مشكور
وقد فهمنا لهذا الفضل ترجمة
…
إنّ المهيمن يحيي كلّ مقبور «1»
أما الصفي الحلي، فإنه اقتصر في تقديمه لمدائحه النبوية على وصف الطبيعة فقط، فأظهر براعة في وصف مظاهر الطبيعة المشرقة التي تجذب اهتمام السامع، وتجعله يتابع الشاعر باهتمام، ويتفكّر في خلق الله، وتنتشي نفسه بالمظاهر التي تبعث على السرور والنشاط، فإذا وصل الشاعر إلى المديح النبوي، وجد سامعيه على استعداد لمتابعته بنشاط وتحفّز، فقال:
فيروزج الصّبح أم ياقوتة الشّفق
…
بدت فهيّجت الورقاء في الورق
وفاح من أرج الأزهار منتشرا
…
نشر تعطّر منه كلّ منتشق
كأنّ ذكر رسول الله مرّ بها
…
فأكسبت أرجا من نشره العبق «2»
وقد نحا ابن فضل الله العمري «3» هذا المنحى في التقديم لمدحته النبوية، مضيفا إلى وصف الطبيعة شيئا من المشاعر الإنسانية، فقال:
(1) ابن شاكر: فوات الوفيات 4/ 310.
(2)
ديوان الصفي الحلي: ص 83.
(3)
ابن فضل الله العمري: أحمد بن يحيى القرشي، مؤرخ حجة في معرفة الممالك والمسالك، إمام في الترسل عارف بأخبار رجال عصره، عاش في دمشق، من مؤلفاته (مسالك الأبصار) وله شعر رقيق منه (صبابة المشتاق في المدائح النبوية)، توفي سنة (749 هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات 1/ 157.