الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الرابع- المعاني:
إن المعاني التي ترد في الشعر العربي مستقاة من البيئة العربية والمجتمع العربي، ومن ثقافة الشاعر التي تمدّه بمعان تكثر وتقلّ حسب اتساع هذه الثقافة.
والشعراء يتابع بعضهم بعضا في ذكر المعاني التي يشكّلون منها مواضيع قصائدهم، ويتفاوتون في مقدرتهم على إبداع المعاني الجديدة، بتفاوت مواهبهم، وقد اشتهر شعراء كثيرون بمقدرتهم على إبداع المعاني وتوليدها، فقلما نجد شاعرا لم يبدع معنى من المعاني على نحو ما.
وإذا لم يتسنّ للشاعر معنى جديد، فإنه يضع المعنى القديم أو المعروف في قالب جديد، يبدو معه جديدا كل الجدة، أو يعمل عقله في المعنى القديم، ليخرج منه معنى جديدا، عن طريق نقل المعنى من موضوع إلى موضوع، أو عكسه أو الاجتزاء منه أو الاتساع به، أو غير ذلك من التغييرات التي يبدو معها المعنى جديدا.
ومعاني المديح النبوي موزعة على المقدمة وتنوعها، ومديح رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعان مختلفة المصادر، ومعاني الموضوعات الآخرى التي تضاف إلى المدحة النبوية.
وعند حديثنا عن المديح النبوي في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبيّن لنا أن الشعراء في البداية لم يستطيعوا الاتساع في الحديث عن مفهوم النبوة في شعرهم، فمدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمعاني التقليدية التي درجوا على استخدامها في مدح سادتهم، وكانت المعاني التقليدية غالبة على هذا المديح، على الرغم من ظهور الأثر الديني في هذا المديح، واستخدام الشعراء لمعان دينية مقتبسة من المفاهيم الدينية والقرآن الكريم.
وقد تابع شعراء المديح النبوي غيرهم في استخدام المعاني التقليدية في التعبير عن موضوعات مدائحهم النبوية، وخاصة في المقدمة التقليدية التي مهّدوا بها لمدح رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وعند الذين وقفوا على الأطلال فيها مجاراة لشعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين ذكروا الأطلال في مقدمات قصائدهم التي مدحوه بها.
فالصرصري افتتح إحدى مدائحه النبوية قائلا:
لمن دمن بالرّقمتين أراها
…
محارسمها طول البلى وعفاها
تحمّل عنها كلّ أغيد آنس
…
ولم يبق إلّا عفرها ومهاها
فأضحت قواء بعد طول غنائها
…
ينعّم فيها ريمها وطلاها «1»
فالطلول التي عفا الزمان على معالمها، معنى قديم تعاوره الشعراء، وإسكان المها الأطلال معنى تقليدي كذلك.
وتمسّك كثير من شعراء المدائح النبوية بهذه السّنة التقليدية في افتتاح قصائدهم، فوصفوا الأطلال مثل وصف الشعراء السابقين لها، وبالمعاني نفسها دون أن يضيفوا إلى معاني المقدمة المعروفة معنى جديدا، إلا أنهم انتقلوا نقلة واحدة من وصف الطلل وذكر منازل المحبوبة إلى ذكر الأماكن المقدسة، والتشوق إليها، وقد مرّت معنا أمثلة كثيرة على ذكر المقدسات وتعدادها بالطريقة نفسها التي ذكر فيها القدماء الأطلال، مثل قول البوصيري:
أمن تذكّر جيران بذي سلم
…
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبّت الرّيح من تلقاء كاظمة
…
وأومض البرق في الظّلماء من إضم «2»
وحين ذكر الشعراء الرحلة، ووصفوا الراحلة، لم يخرجوا في قسم كبير من وصفهم عن المعاني التقليدية التي تقال عادة في الحديث عن الرحلة والراحلة، إلا أنهم
(1) ديوان الصرصري: ورقة 117.
(2)
ديوان البوصيري: ص 238.
في أحيان كثيرة أضافوا إلى المعاني التقليدية في وصف الرحلة والراحلة معاني الشوق والحنين إلى الأماكن المقدسة، والوجد والحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك قول البوصيري:
سارت العيس يرجعن الحنينا
…
ويجاذبن من الشّوق البرينا
داميات من حفى أخفافها
…
تقطع البيد سهولا وحزونا
وعلى طول طواها حرمت
…
عشبها المخضّر والماء المعينا
كلّما جدّ بها الوجد إلى
…
غاية لم تدرها إلّا ظنونا «1»
فشعراء المديح النبوي استخدموا المعاني التقليدية التي تواضع عليها الشعراء الذين سبقوهم، فلو استقصينا كتابا في المعاني مثل كتاب محاضرات الأدباء، الذي حاول مؤلفه تتبع معاني الشعر العربي والتمثيل لها، وتمعّنا في معاني المديح والغزل وذكر الأطلال ووصف الرحلة، ووصف المعارك، والحديث عن النفس والتوبة، لرأينا أن هذه المعاني لم تكن جديدة في شعر المديح النبوي، وأن شعراء المدائح النبوية لم يخترعوها أو يوجدوها من العدم، وإنما هي مستقاة مما قيل عن هذه المعاني في التراث الأدبي العربي، وكل ما فعله شعراء المديح النبوي، هو أنهم نقلوا هذه المعاني من موضوع إلى موضوع، وسموا بها إلى المقام النبوي الشريف، وأعادوا صياغتها وطريقة استخدامها، وأضافوا إليها إضافات بسيطة، لوّنوها بها، فظهرت جديدة نوعا ما، إلى جانب ما استقوه من السيرة والحديث الشريف، ومتابعة بعضهم بعضا.
لقد لاحظ أدباء العصر المملوكي صعوبة الابتداع، لأنهم وجدوا أنهم مسبوقون إلى المعاني، لكن ذلك لم يدفعهم إلى اليأس، ففي المقدمة الغزلية للمدحة النبوية، نجد شعراء يذكرون معاني اعتاد سابقوهم ذكرها في مقدمات قصائدهم المدحية، أو في
(1) ديوان البوصيري: ص 257.
قصائد الغزل الخالص، مثل معاني الاستسقاء لماضي الزمان، والتلهف على أحوال سالفة، فقول ابن نباتة:
سقى الله أكناف الغضا سائل الحيا
…
وإن كنت أسقى أدمعا تتحدّر
وعيشا نضا عنه الزّمان بياضه
…
وخلّفه في الرّأس يزهو ويزهر «1»
يذكرنا بقول الشاعر:
سقى الله أياما لنا ولياليا
…
مضين فلا يرجى لهنّ طلوع
إذ العيش صاف والأحبّة جيرة
…
جميع وإذ كلّ الزّمان ربيع «2»
ولو تتبعنا المعاني التي استقاها شعراء المديح النبوي من الشعر العربي القديم، لأعجزنا ذلك، فلا توجد مدحة نبوية إلا وفيها معنى من معاني الشعراء السابقين، وربما تجاوز الشاعر المعنى إلى التعبير الأصلي، أو ما يقرب من التعبير الأصلي، فنتذكر المعنى وصاحبه، فابن سيد الناس «3» قال في مدحة نبوية:
لو لم أر الموت عذبا في الغرام بكم
…
ما شاقني لحسام البرق تقبيل «4»
فما نكاد نتم البيت الأول حتى يقفز إلى ذاكرتنا معنى عنترة بن شداد، حين يخاطب محبوبته بقوله:
ووددت تقبيل السّيوف لأنّها
…
لمعت كبارق ثغرك المتبسّم «5»
ومثل هذا كثير في المدائح النبوية، يفيد مادحو النبي من معاني القدماء، وينقلونها
(1) ديوان ابن نباتة: ص 180.
(2)
الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء 2/ 25.
(3)
ابن سيد الناس: محمد بن محمد اليعمري، كان حافظا للحديث فقيها، حسن التصنيف شاعرا، له (السيرة النبوية) و (بشرى الكئيب بذكر الحبيب)، توفي سنة (734 هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات 3/ 287.
(4)
المجموعة النبهانية: 3/ 60.
(5)
ديوان عنترة: ص 150.
من موضوعها الأصلي إلى المديح النبوي، فابن حجر يقول في مدحة نبوية:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
…
بمكّة أشفي ذا الفؤاد المفنّدا «1»
ولا شك في أنه حينما نظم هذا البيت كان يتذكر البيت المشهور لمالك بن الريب:
ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة
…
بجنب الغضا أزجي القلوص النّواجيا «2»
وقول النواجي في مدحة نبوية:
وتلدغ قلبي بالملام كأنّها
…
من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع «3»
مأخوذ شطره الثاني من قول النابغة:
فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة
…
من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع «4»
أما ابن نباتة الشاعر الكاتب، فإنه قد أفاد من التراث العربي في مجمله، فإذا ما قرأنا بيته التالي من مدحة نبوية:
وينكرني ليلي وما خلت أنّه
…
إذا وضع المرء العمامة ينكر «5»
نستذكر خطبة الحجاج، والبيت الذي استشهد به في خطبته، وهو بيت سحيم بن وثيل «6» :
(1) المجموعة النبهانية: 2/ 62.
(2)
الأصفهاني: الأغاني 22/ 285.
(3)
المجموعة النبهانية: 2/ 348.
(4)
ديوان النابغة الذبياني: ص 46.
(5)
ديوان ابن نباتة: ص 180.
(6)
سحيم بن وثيل التميمي: شاعر مخضرم تفاخر مع والد الفرزدق في المعاقرة، حتى نحر نحو ثلاث مئة ناقة في خلافة علي بن أبي طالب، فمنع أكلها. الجاحظ: البيان والتبيين 2/ 308.
أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني «1»
فاتسع بعض شعراء المديح النبوي في أخذ المعاني من الشعر القديم، ووضعها في سياق المدحة النبوية، مع المحافظة على التعبير الأصلي، أو تغيير ترتيب الجمل.
والطريف من المدائح النبوية في هذا الباب، ما نظمه بعض شعراء المديح النبوي، حين شطروا قصائد قديمة مشهورة، مثل قصائد امرئ القيس، ومنها مدحة نبوية لحازم القرطاجني «2» ، أخذ فيها معلقة امرئ القيس، وشطرها، فجعل كل بيت من القصيدة يحوي شطرا من أبيات قصيدة امرئ القيس، على هذا النحو:
لعينيك قل إن زرت أفضل مرسل
…
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وفي طيبة فانزل ولا تغش منزلا
…
بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل «3»
وتمضي مدحته النبوية على هذا النحو، يجهد الشاعر عقله في الملاءمة بين المعنى القديم وما يمكن أن يصير إليه عند إتمامه وتضمينه ونقله إلى المديح النبوي، فصرف المعاني القديمة الوصفية والغزلية في قصيدة امرئ القيس يحتاج إلى مقدرة وصناعة وحذق وتفكير أكثر من الشاعرية.
وزيادة على التظارف وإظهار المقدرة الفنية والعقلية، اتكأ الشعراء هنا على الشعر القديم، فأخذوا منه المعنى والوزن والقافية.
وقد عد أدباء ذلك العصر هذه الطريقة في نظم المدائح النبوية من دواعي بروز الشاعر، واشتهاره بالمقدرة على المواءمة، لذلك أظهر ابن حجة الحموي في خزانته
(1) الأصمعيات: ص 17.
(2)
حازم بن محمد بن حسين الأندلسي، نزل تونس، شاعر لغوي بلاغي له مصنفات، توفي سنة (684 هـ) . ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 5/ 387.
(3)
المقري: أزهار الرياض 3/ 178.
إعجابه الكبير بما فعله ابن الوردي حين مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقصيدة، ضمّن فيها أعجاز قصيدة أبي العلاء المعري وبعض صدورها، وهي القصيدة الرائية التي مدح بها أبو العلاء أحد فضلاء عصره، ونقلها ابن الوردي «1» إلى مستحقها صلى الله عليه وسلم، فمطلع قصيدة المعري:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السّمر
…
لعلّ بالجزع أعوانا على السّهر
فقال زين الدين:
وقف على الجزع واذكرني لساكنه
…
لعلّ بالجزع أعوانا على السّهر
إذا تبسّم ليلا قل لمبسمه
…
يا ساهر البرق أيقظ راقد السّمر
وقال أبو العلاء:
يودّ أنّ ظلام اللّيل دام له
…
وزيد فيه سواد القلب والبصر
نقله زين الدين إلى المديح، فقال:
تشرّف الرّكن إذ قبّلت أسوده
…
وزيد فيه سواد القلب والبصر «2»
وتمضي القصيدة على هذا النحو، يتبع فيها ابن الوردي أبا العلاء بيتا بيتا، وينقل معانيها إلى المدح النبوي.
وقد أولع شعراء المديح النبوي بهذه الطريقة في إنشاء مدائحهم، فأكثروا منها، وخاصة في أواخر العصر المملوكي.
(1) ابن الوردي: عمر بن مظفر بن عمر، فقيه مؤرخ شاعر من معرة النعمان له عدة مصنفات. توفي (749 هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات 3/ 157.
(2)
ابن حجة: خزانة الأدب ص 382، والمعري: سقط الزند 1/ 114.
فمثلما رأى ابن حجة في قصيدة المعري أن معانيها تستحق أن تقال في رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى صاحب سكردان السلطان ذلك حين قال:
كان صلى الله عليه وسلم في الفخر والعلا أحق بقول أبي العلاء:
وإنّي وإن كنت الأخير زمانه
…
لآت بما لم تستطعه الأوائل «1»
وإذا كان شعراء المديح النبوي قد أخذوا بعض معانيهم من الشعر العربي القديم، ونقلوا هذه المعاني إلى المديح النبوي، فمن الأولى أن يأخذوا معانيهم من قصائد المديح النبوي السابقة والمشهورة، وخاصة أنهم يكررون المعاني نفسها، أو أن يأخذوا بعض معانيهم من قصائد قريبة في موضوعها من المديح النبوي، مثل قصائد التصوف أو التشوق للمقدسات، وهذا ما فعلته عائشة الباعونية حين نظمت إحدى مدائحها النبوية معارضة لقصيدة في التصوف لابن الفارض، وهي اليائية، فأخذت بعض معانيها، وقالت:
سعد إن جئت ثنيّات اللّوى
…
حيّ عنّي الحيّ من آل لؤي
واجر ذكري وإذا صفوا له
…
صف لهم ما قد جرى من مقلتي
ذبت حتّى كاد شخصي يختفي
…
عن جليسي فكأنّي رسم في «2»
وقد أخذ شعراء المدائح النبوية يعارض بعضهم بعضا، ويأخذون معاني بعضهم، وخاصة معاني القصائد المشهورة، مثل بردة كعب بن زهير، التي عارضها البوصيري في قصيدته التي سمّاها (ذخر المعاد في وزن بانت سعاد) ، صرّح فيها بمعارضته لكعب، وقارن بين قصيدته وقصيدة كعب، فقال:
(1) ابن أبي حجلة: سكردان السلطان ص 348.
(2)
ديوان الباعونية، ورقة 2.
لم أنتحلها ولم أغصب معانيها
…
وغير مدحك مغصوب ومنحول
وما على قول كعب إن توازنه
…
فربّما وازن الدّرّ المثاقيل «1»
فالبوصيري تحدث عن أخذ المعاني من القصيدة المعارضة، ونفى أن يكون هذا الأخذ نوعا من الغصب والسرقة، وخاصة في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشعراء المدائح النبوية تعاوروا معاني محددة في جميع قصائدهم، فممدوحهم واحد ونظرتهم إليه واحدة، وتفاضلهم يكون في مقدرتهم على توليد معان جديدة من المعاني المعروفة، وعلى استخدام هذه المعاني استخداما جديدا متفردا يزيدها عمقا ويمنحها دلالات جديدة وإيحاآت مؤثرة.
وعارض الشرف الأنصاري لامية كعب، فقال:
أو همت نصحا (لو أنّ النّصح مقبول
…
لا ألهينّك إنّي عنكك مشغول)
بان التّجلّد عنّي والتّصبّر مذ
…
(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)
تيّاهة آثرت صدّا لمغرمها
…
(متيّم إثرها لم يفد مكبول)«2»
فمعارضة الشرف الأنصاري هي تشطير لقصيدة كعب (بانت سعاد) ، جعل الشطر الأول من نظمه، ولاءم بينه وبين الشطر الثاني الذي اختاره من قصيدة كعب، فأخذ جلّ معاني قصيدة كعب.
وجاء بعد ذلك ابن مليك الحموي، فعارض قصيدتي كعب والبوصيري، فأخذ معاني من هذه، ومعاني من تلك، وقال:
لا تحسبوا طرفه بالنّوم مكتحلا
…
ما الطّرف بعدكم بالنّوم مكحول
(1) ديوان البوصيري: ص 220.
(2)
ديوان الشرف الأنصاري: ص 389.
يا صاح دعني من ذكر الحبيب ومن
…
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول «1»
وهكذا تعاور شعراء المديح النبوي معانيهم ومعاني الشعراء الذين سبقوهم، مثل أخذ ابن نباتة عن كعب بن زهير وابن سينا في قوله:
بانت سعاد فليت يوم رحيلها
…
فسح اللّقا فلثمت كعب مودّعي
بعد الحواميم التي بثنائها
…
هبطت إليك من المحلّ الأرفع «2»
وإذا دققنا في معاني شعراء المديح النبوي، وأرجعناها إلى أصولها في الشعر العربي، نرى أن مدّاح رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقوا معاني كثيرة، يصعب حصرها، فإذا ما تذكرنا مطلع بردة البوصيري التي أضحت مثل اللازمة عند شعراء المديح النبوي المتأخرين، وهو:
أمن تذكّر جيران بذي سلم
…
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم «3»
نجد شبيها لهذا المعنى أو أصلا له في قول الشاعر المتقدم:
مزجت دموع العين من
…
ني يوم بانوا بالدّما
وكأنّما مزجت بخد
…
دي مقلتي خمرا بما «4»
أو في قول أبي علي النهرواني المتوفي سنة (525 هـ) :
قل لجيران بذي سلم
…
لم تسامحتم بسفك دمي «5»
(1) ديوان ابن مليك الحموي: ص 26.
(2)
ديوان ابن نباتة ص 290.
(3)
ديوان البوصيري: ص 238.
(4)
الراغب الأصفهاني: محاضرات الأدباء 2/ 34.
(5)
الصفدي: الوافي بالوفيات 12/ 34.
إن أخذ شعراء المدائح النبوية للمعاني من الشعر العربي لا يقلل من مقدرة شعراء المدائح النبوية، ولا يقدح في موهبتهم وثقافتهم، فهذه سنّة الشعر والأدب عند كل أمة، يا بني الجديد علي القديم، ويضيف إليه معاني جديدة، والمعاني التقليدية أو التي استعارها شعراء المدائح النبوية من الشعر العربي ليست معاني المديح النبوي كلها، بل هي نسبة ضئيلة من معاني المدح النبوي التي أخذها مدّاح النبي من سيرته العطرة، وحديثه الشريف، وقبل كل ذلك من القرآن الكريم. فنجد المعنى القرآني بالتعبير القرآني يزين قصائد المديح النبوي، ويعطر موضوعاتها، فالصرصري مثلا يفتتح إحدى مدائحه النبوية قائلا:
سبحان من رفع السّماوات العلا
…
سبعا وزان السّقف بالأبراج
وأطاح بالقمر المنير ظلامها
…
وأضاءها بسراجها الوهّاج
وبأمره البحران يلتقيان لا
…
يبغي على عذب مرور أجاج
والفلك سخّرها لمنفعة الورى
…
فجرين فوق المزبد العجّاج «1»
ومضى الصرصري في تسبيحه، وكأنه ينظم المعاني القرآنية، حتى إذا وصل إلى المديح النّبوي ظل يقتبس المعاني القرآنية، ويمزجها بالمعاني المستقاة من السيرة الكريمة، فقال:
وهو المسمّى في القران بشاهد
…
وبمنذر ومبشّر وسراج
أسرى من البيت الحرام به إلى
…
أقصى مساجده بليل داج «2»
(1) ديوان الصرصري: ورقة 22.
(2)
ديوان الصرصري: ورقة 22.
أما المعاني المقتبسة من السيرة النبوية، فكثيرة جدا، لم يترك شعراء المدائح النبوية معنى من معانيها دون أن يذكروه في قصائدهم، وخاصة أن كتّاب السيرة النبوية، والخصائص والدلائل، بذلوا جهودا كبيرة في تسجيل كل صغيرة وكبيرة عن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما يتعلق بها من أحداث ومواقف ومعجزات، وكل ما نطق به أو فعله.
وقد مرّت معنا أمثلة كثيرة على ذلك حين تحدثنا عن مضمون المدحة النبوية.
وربما أفاد الشعراء من معاني مصطلحات العلوم، فعبروا بها عن مواضيع المديح النبوي، مثل قول ابن نباتة:
كأنّ الحبّ دائرة بقلبي
…
فحيث الانتهاء الابتداء
لنا سند من الرّجوى لديه
…
غداة غد يعنعنه الوفاء «1»
إلا أن استقاء شاعر المديح النبوي للمعاني من سابقيه، لا يعني أن الأمر مسلم به كليا، فمن الصعوبة بمكان أن نحكم على أخذ اللاحق من السابق، فربما كان الأمر من قبيل توارد الخواطر، ووقع الحافر على الحافر- كما يقولون-، وقد شعر ابن حجة بصعوبة الجزم في التسليم لشاعر بأنه مبتدع أحد المعاني، فقال:«كان عنّ لي أن أورد هنا من سلامة الاختراع للمتقدمين والمتأخرين جملة مستكثرة، ولم يصدني عن ذلك إلا الخيفة ممّن تبحّر عليّ في المطالعة، فيورد ما أثبت من المعنى المخترع لزيد أنه مسبوق إليه من عمرو» «2» .
ولم تكن كل المعاني التي جاء بها الشعراء في المديح النبوي، معاني تقليدية أو قديمة أو أنها غير مبدعة، بل إن شعراء المديح النبوي أبدعوا في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفه ومناجاته، والتعبير عن حبهم له، معاني كثيرة، ولكن يصعب أن تظهر لنا هذه المعاني
(1) ديوان ابن نباتة: ص 6.
(2)
ابن حجة: خزانة الأدب ص 406.
البديعة في هذا الكم الهائل من شعر المديح النبوي، وإلا بعد أن ترتب جميع المدائح النبوية ترتيبا زمنيا، ليتضح متى ظهر هذا المعنى أو ذاك أوّل مرة، ومن الذي ابتدعه، فمعاني المديح النبوي سرعان ما تنتشر بين مدّاح النبي صلى الله عليه وسلم في مشرق الأقطار العربية الإسلامية ومغربها.
واستطاع بعض شعراء المديح النبوي أن يولّدوا من المعاني القديمة التقليدية معاني تكاد تكون بديعة جديدة، بفضل تطور استخدامها عبر الزمن، وبفضل الألوان التعبيرية المستجدة، فمن المقدمة الغزلية لقصيدة المدح التقليدية إلى الغزل الرمزي عند المتصوفة، الذي يخرج بالغزل المعروف عند الشعراء العرب عن آفاقه المعهودة ومراميه المعروفة، إلى الغزل الذي أضحى مقدمة للمدحة النبوية بشروط تواضع عليها شعراء المديح النبوي، نجد بعض المعاني التي جمعت بين التعبير الغزلي، ومضمون التشوق الديني للأماكن المقدسة، مثل التغزل بالكعبة المشرفة، فإن شعراء المدائح النبوية استطاعوا أن يجمعوا في الحديث عنها بين التعابير الرقيقة التي اعتاد عليها الشعراء، وبين مشاعر الشوق والحنين والتقديس لها برمزية شفافة، فجاءت المعاني بإيحاآت الألفاظ التي تعبّر عنها طريفة، فيها شيء من الجدّة، كقول ابن الزملكاني في مخاطبة الكعبة:
أهواك يا ربّة الأستار أهواك
…
وإن تباعد عن مغناي مغناك «1»
وقول العزازي «2» :
دمي بأطلال ذات الخال مطلول
…
وجيش صبري مهزوم ومفلول «3»
فرّبة الأستار هي الكعبة التي تتسابق الأقطار الإسلامية إلى صنع كسوتها وأستارها، وهي نفسها ذات الخال، وهو الحجر الأسود الذي يسعى المسلمون إلى لمسه وتقبيله والتبرّك به.
(1) الصفدي: الوافي بالوفيات 4/ 217.
(2)
العزازي: شهاب الدين أحمد بن عبد الملك التاجر، الشاعر المشهور، كان جيد النظم في الشعر والموشحات، ت (710 هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات 1/ 95.
(3)
ابن تغري يردي: المنهل الصافي 1/ 341.
فالشعراء استطاعوا اقتناص هذه الصفات والإفادة منها في تشكيل معان بديعة.
ويقرب من هذا ما نجده في حديث شعراء المدائح النبوية عن الرحلة إلى الحجاز، فإنهم تابعوا سابقيهم في وصف الرحلة، وفي إضفاء المشاعر الإنسانية على رواحلهم، ولكنهم استطاعوا أن يضيفوا إلى ذلك مشاعر التقوى واللهفة، ونسبها إلى هذه الرواحل، وأن يشملوها بالمشاعر الدينية التي تغلب على الراحلين إلى الحجاز.
وظلت المشاعر الدينية تحيط بكل ما يقوله شعراء المدائح النبوية في مقدماتهم، وحتى عند ما وصفوا الطبيعة تمهيدا للمدح، لم يجدوا فيها ما يبهج النفس فقط، بل جعلوها مظاهر لقدرة الله تعالى، وأنطقوها بشكره وتسبيحه، مثل قول الصرصري:
والورق تهتف في الأوراق شاكرة
…
إحسان مبتدئ بالفضل مشكور «1»
وعلى الرغم من أن شعراء المديح النبوي استخدموا المعاني التقليدية في المديح، إلا أن نسبها إلى الرسول الكريم أخرجها عن تقليديتها، واستطاع الشعراء المثقفون ثقافة دينية كبيرة أن يولّدوا من المعاني التقليدية معاني جديدة، لها صبغة دينية، فجاءت بديعة جديدة، فكم أثنى الشعراء على أخلاق ممدوحيهم، ولكن لم يخطر على بال أحدهم أن يتحدث عن مصادر أخلاق الممدوح، وأن يميّز بين هذه المصادر، مثلما فعل البوصيري في الثناء على أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:
خلائقه مواهب دون كسب
…
وشتّان المواهب والكسوب «2»
وحين أثنى البوصيري على تقوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجتهاده في عبادته، عبّر عن ذلك بمعنى بديع يقرب من الجدة، ضربه مضرب المثل، فقال:
(1) ديوان الصرصري: ورقة.
(2)
ديوان البوصيري: ص 50.
وإذا حلّت الهداية قلبا
…
نشطت في العبادة الأعضاء «1»
واستطاع البوصيري أيضا أن يخرج بمعان جديدة من حديثه عن المعجزات، حين قارن بين المكاذبين لرسالته الغراء، وموقف الحيوان والجماد، الذي أظهر المعجز في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قوله:
والجمادات أفصحت بالذي أخ
…
رس عنه لأحمد الفصحاء
ويح قوم جفوا نبيّا بأرض
…
ألفته ضبابها والظّباء
وسلوه وحنّ جذع إليه
…
وقلوه وودّه الغرباء
أخرجوه منها وآواه غار
…
وحمته حمامة ورقاء «2»
فالمعجزات التي نقلها شعراء المديح النبوي نقلا إلى قصائدهم، ونظموها نظما، فجارت على شعرهم وأفقدته رواءه، أوحت للبوصيري بمعان جديدة متميزة، أظهرت مقدرته الفائقة على الملاحظة الدقيقة، واقتناص المعاني الجديدة، وتوليدها.
ولا يفوتنا هنا ما أضافه المتصوفة من معان جديدة وغريبة إلى المدائح النبوية، والمتأتية من مذهبهم، ومن طريقتهم في التعبير، والتي تقوم على الرمز والاستبطان، والتعبير عن معان غامضة بتعابير لها معان ظاهرة، يريد الشاعر أن يصرف المتلقي عن المعاني الظاهرة إلى المعاني المستترة وراء الكلمات ووراء العلاقات فيما بينها.
وأكثر ما يظهر ذلك في معاني الحقيقة المحمدية، التي لم تكن معروفة بين الشعراء في المراحل الأولى من المديح النبوي، والتي استجدت في العصر المملوكي أو قبيله بقليل، فتناولها الشعراء بطرق مختلفة، ومن وجوهها الكثيرة، منها مسألة المفاضلة بين
(1) ديوان البوصيري: ص 52.
(2)
المصدر نفسه: ص 53.
الأنبياء- عليهم السلام وتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم جميعا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أوّل الأنبياء، وهو الحقيقة الثابتة المستمرة التي تتجسد في كل عصر بنبي من الأنبياء، فهم صور متعددة لحقيقة واحدة، وهذا معنى لم نعهده من قبل في الشعر العربي، يدل عليه قول البوصيري:
إنّما مثّلوا صفاتك للنّا
…
س كما مثّل النّجوم الماء «1»
وكذلك الأمر في مدح المتصوفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن معاني مدحهم له جديدة مستمدة من مذهبهم، وهي معان لم تكن معروفة سابقا، مثل قول الصرصري:
يا سيّد البشر الذي هو غوثنا
…
في حالتي جدب الزّمان وخصبه «2»
ومن معانيهم الجديدة في المديح النبوي، المعنى المستمد من اعتقادهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سر الوجود وعلّته، مثل قول الدروكي.
يا قطب دائرة الوجود بأسره
…
لولاك لم يكن الوجود المطلق «3»
ومن معاني الحقيقة المحمدية التي تبدو جديدة على المديح النبوي، قول العفيف التلمساني في أبوّة رسول الله لآدم- عليهما السلام، ووجوده السابق للوجود:
وقد كنت قبل الغيب فيه ممكّنا
…
فأوجب إمكاني الوجود المحقّق
أبا لأبي الآباء كنت ونشأتي
…
لها آخر الأبناء يعزى فيخلق «4»
ونجد شيئا من الجدة في معاني تأثير رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكون ومظاهر الطبيعة والإنسانية وأمته، مثل قول البوصيري في فرح الطبيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) ديوان البوصيري: ص 49.
(2)
ديوان البوصيري: ورقة 10.
(3)
ابن حجر: الدرر الكامنة 4/ 259.
(4)
ديوان العفيف التلمساني: ورقة 109.
فرحت به البريّة القصوى ومن
…
فيها وفاضلت الوعور سهولا «1»
وقول الصرصري:
تبشبش وجه الأرض مذ حلّها كما
…
بطلعته وجه السّماء تبشبشا «2»
وقد أسهب الشعراء في إظهار أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنسانية، فهو طبيب لأرواح الناس أو قلوبهم المريضة، كما قال ابن الموصلي مسجلا معنى بديعا فيه شيء من الجدة:
وكم مراض قلوب حين عالجها
…
باللّطف صحّت ومن سكر الضّلال صحت «3»
ومن أمثلة المعاني البديعة التي جاءت في معرض الحديث عن أثر رسول الله في أمته قول لسان الدين بن الخطيب «4» ، يربط بين انتصارات المسلمين الأوائل على الامبراطوريات القديمة، وصراع العرب المسلمين مع الغزاة الصليبيين:
ولولاك لم يعجم من الرّوم عودها
…
فعود الصّليب الأعجميّ صليب «5»
ولا نعدم في حديث الشعراء عن مدائحهم بعض المعاني البديعة الجديدة، التي تظهر موقع المديح النبوي في نفوس الناس، فالحلي يصف المدائح النبوية بقوله:
هي الرّاح لكن بالمسامع رشفها
…
على أنّه تفنى ويبقى سرورها «6»
(1) ديوان البوصيري: ص 206.
(2)
ابن شاكر: فوات الوفيات 4/ 301.
(3)
الصفدي: الوافي بالوفيات 1/ 267.
(4)
لسان الدين بن الخطيب: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني الأندلسي، مؤرخ أديب وزير، ترك الأندلس إلى المغرب، له مؤلفات كثيرة، توفي سنة (776 هـ)، الناصري أحمد: الاستقصا 2/ 132.
(5)
ديوان لسان الدين بن الخطيب: ص 324.
(6)
ديوان الحلي: ص 78.
لقد تطورت معاني المديح النبوي مع تقدم الزمن واتساع الثقافة، وتنوعت تنوع مذاهب الشعراء واختلافها واستجد منها ما استجد مع الأفكار الدينية والفلسفية التي دخلت إلى الثقافة العربية.
فمعاني مديح المتصوفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تختلف عن معاني غيرهم من المسلمين، والمعاني التي مدح بها شعراء المديح النبوي الرسول الأمين في بداية العصر المملوكي تتباين قليلا عن المعاني التي مدحوه بها في آخره.
وكذلك الأمر حين تظهر فكرة جديدة، ففي بداية المديح النبوي مثلا لم تكن معاني الحقيقة المحمدية متداولة، في حين أضحت في العصر المملوكي من لوازم المدحة النبوية.
ومثل ذلك يحدث حين ينقل مادح النبي المعنى من موضوع ما إلى المديح النبوي بخفّة وبراعة، فإنه يصبح معنى جديدا من معاني المديح النبوي، وخاصة حين يرصد الشاعر علاقته برسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلقه به، وعلاقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكون والحياة، فإن ذهنه يتفتق عن معان جديدة جميلة.
إن معاني المدحة النبوية مستقاة من سيرة رسول الله الكريمة، وحديثه الشريف، ومن كل ما له علاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبعضها مقتبس من القرآن الكريم.
وإلى جانب ذلك أخذ شعراء المديح النبوي معانيهم من التراث العربي، وشعره خاصة، ونقلوها إلى المديح النبوي، مثلما أخذوا المعاني التي حفلت بها قصائد المديح النبوي السابقة.
واستطاع شعراء المديح النبوي في العصر المملوكي أن يضيفوا إلى معاني المديح النبوي معاني جديدة، جاءت من الأفكار الجديدة التي عرفوها في عصرهم، ومما تفتقت عنه قرائحهم، فالمبرّزون منهم لم يقيدوا أنفسهم بما تواضع عليه سابقوهم من معاني
المديح النبوي، بل حاولوا أن يتسعوا في مصادر معانيهم، فاقتنصوا المعنى من هنا وهناك، وبالقدر الذي أسعفتهم به ثقافتهم وموهبتهم.
إن مضمون المدحة النبوية هو كل ما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب، فإذا تجاوزنا المقدمات المتنوعة للمدائح النبوية، وجدنا القيم التقليدية التي مدح بها الشعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم جريا على سنة المدح العربي، والتي أضحت ذات خصوصية متميزة حين مدح بها النبي الكريم.
ومدح الشعراء رسول الله صلى الله عليه وسلم مدحا دينيا، وهو المضمون الأساس للمدحة النبوية، فعبروا عن حبهم له وتعلقهم به، وعددوا فضائله، وتحدثوا عن أثره في أمته والبشرية والكون، ومكانته السامية عند ربه، مجسدة بالحقيقة المحمدية، وتغنوا بشمائله وخصائصه، وأشاروا إلى مواطن العظمة في سيرته، وعددوا معجزاته، وتوسلوا به وتشفعوا ليفّرج الله تعالى كروبهم، ويغفر ذنوبهم.
واتسعوا في مضمون المدحة النبوية، فتحدثوا عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم المادية الباقية، وأظهروا تقديسهم لها، وأشادوا باله وصحابته الكرام، وعكسوا همومهم وآمالهم وأوضاع عصرهم.