الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكانك من قلبي وعيني كلاهما
…
مكان السّويدا من فؤادي وأقرب
وذكرك في نفسي وإن شفّها الظّما
…
ألذّ من الماء الزّلال وأعذب «1»
بل وصل عندهم حب النبي إلى الحد الذي يمتزج فيه بدمائهم، مثلما قال الوتري:
دماء مزجناها بحبّ محمّد
…
وأكبادنا من شوقه تتوقّد «2»
فهذا الشوق وهذا الحب الذي يبديه شعراء المدائح النبوية للرسول هو شعور ديني، يظهر تعلق المسلمين برسولهم الكريم، ويظهر مكانته عندهم، فهو أغلى ما في الوجود لديهم، وهو أملهم في حياتهم ومماتهم، ولو لم يكن على هذا القدر من الكمال والسّمو لما تعلق به الناس بعد موته، ولما حاز إعجاب غير المسلمين واحترامهم، مثلما حاز وجد المسلمين به وتقديسهم له.
فضائله:
أخذ شعراء المديح النبوي يتغنون بفضائله، وبمقامه السامي عند ربه، ويمزجون ذلك بمشاعر الود له، مثلما قال ابن العطار:
المصطفى أعلى البريّة منصبا
…
قد جلّ في العلياء ذاك المنصب
حاز السّيادة والكمال محمّد
…
فإليه أشتات المحامد تنسب
محبوبنا ونبيّنا وشفيعنا
…
يدني إلى روض الرّضا ويقرّب «3»
واستمر الشعراء الذين مدحوا الرسول يذكرون فضائله، ويظهرون انبهارهم بسمو قدره، وإيمانهم بنبوته ورسالته، وتعلّقهم بذاته الكريمة، ويعرضون مواهب الله له.
(1) السخاوي: الضوء اللامع 1/ 347.
(2)
الوتري: معدن الإفاضات ص 202.
(3)
المجموعة النبهانية: 1/ 439.
وقد أبدى شعراء المدائح النبوية تنوعا كبيرا في بيان فضائل الرسول الكريم، وكل منهم يهتمّ بجملة من الفضائل التي تؤيد توجهه الديني، فالمتصوفة مثلا اهتموا بالغيبيات في شخصية النبي الأمين وبزهده الذي هو ركيزة التصوف، والذي يظهر أن رسول الله كان مهيّأ لحمل الرسالة، وفي ذلك قال البوصيري:
ألف النّسك والعبادة والخل
…
وة طفلا وهكذا النّجباء
وإذا حلّت الهداية قلبا
…
نشطت في العبادة الأعضاء «1»
وطفق شعراء المديح النبوي يبحثون عن فضائل رسول الله ليدرجوها في مدائحهم له، وليذكّروا الغافلين بها، إلى جانب الكتب الكثيرة التي ألّفت في مناقب الرسول الكريم وفضائله، مثل كتاب عجالة الراكب الذي جاء فيه الحديث التالي: عن فضائل رسول الله صلى الله عليه وسلم: «في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة، فليصل، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة» «2» .
وقد تعلّق مدّاح النبي الكريم بهذا الحديث الشريف وأمثاله، فنظموها في قصائدهم، مثل قول الشهاب محمود في الحديث السابق:
والله خصّك في الأنام بخمسة
…
لم يعطها بشر سواك رسولا
حلّ الغنائم في الجهاد ولم تزل
…
للنّار يوم تقرّب مأكولا
والأرض أجمع مسجد وترابها
…
طهر يبيح الفرض والتّنفيلا
(1) ديوان البوصيري: ص 52.
(2)
ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة 88، والحديث في فتح الباري: 2/ 79.