الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هجوت محمّدا فأحببت عنه
…
وعند الله في ذاك الجزاء
فقال له: جزاؤك عند الله الجنة يا حسان.. فلمّا قال:
فإنّ أبي ووالده وعرضي
…
لعرض محمّد منكم وقاء
قال له: وقاك الله حرّ النار، فقضى له بالجنة مرتين في ساعة واحدة، وسبب ذلك شعره» «1» .
فمدح النبي رفع شأن الشعراء وشهرهم، وضمن لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنة بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه.
أثره في الإبداع الشعري:
ولشعراء المدح النبوي آراء حول تأثير المدح النبوي في الشعر، أوردوها في مدائحهم النبوية، وكل منهم له رأيه الذي استقاه من تجربته مع المدح النبوي.
فإلى جانب أثر المدح النبوي في نفس الشاعر، يؤثّر في إبداعه الشعري، ويعطيه صورة أفضل، أو كما قال الصرصري في بيان أثر المدح النبوي في شعره:
بمديحه العطر المنيف تعطّرت
…
وتطهّرت وتنوّرت أوزاني
يعطي القريض غضاضة ونضارة
…
وفصاحة تربي على سحبان «2»
فالمدح النبوي يعطّر شعره كله، ويطهره من فساد القول وإثمه، فتصبح له نكهة أخرى وموقع مؤثر محبب في النفوس، وهو إلى جانب ذلك يدفع الشاعر إلى الإجادة في قوله، ليرتفع إلى مقام الموضوع السامي، فتكون النتيجة شعرا نضرا فصيحا، لا يجاريه في الفصاحة مجار.
(1) ابن رشيق: العمدة 1/ 53.
(2)
ديوان الصرصري: ورق 115.
ووصف مدحة نبوية له بقوله:
أتيتك يا خير البرايا بمدحة
…
أطاعت قوافيها بغير تكلّف
عليها بهاء من ثنائك باهر
…
شهيّ إلى قلب المحبّ المشغف «1»
لقد أسعفه المدح النبوي على النظم دون تكلّف وتصنّع، وبراحة تامة، فجاءت قصيدته جميلة، ترتاح إليها قلوب محبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمدح النبوي يضفي على الشعر بهاء، ويحلّيه برونق ورواء، وحين ينظم الشاعر المدح النبوي يأتي شعره رائقا مهذبا بعيدا عن الصعوبة والمعاظلة، ليس فيه عويص:
إذا قيل فيك الشّعر جاء مهذّبا
…
جليّ المعاني ليس فيه عويص
ووصفك يعطي الفهم نورا كأنّه
…
على الدّرّ في البحر الخضمّ يغوص «2»
وقارن الصرصري بين الشعر الذي يمدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم والشعر الذي يمدح به غيره، فقال:
نظم القريض بمدح غيرك نقده
…
زيف ونظم مديحك الإبريز
كلّ العروض بحسن مدحك كامل
…
يحلّى به المقصور والمهموز «3»
فالمدح النبوي عند الصرصري يحسّن الشعر ويجمّله، ويحثّ القريحة وينشّطها، ويجبر الشاعر على الارتقاء بشعره إلى سويّة هذا الموضوع.
أما ابن نباتة، فإنه يجعل نظم المدح النبوي مثل الصياغة، وهذا إعلاء لشأوها، وإظهار لأثرها في شعره، ولسويته الفنية التي توازي الذهب، فيقول:
(1) ديوان الصرصري: ورقة 67.
(2)
المصدر نفسه: ورقة 52.
(3)
المصدر نفسه: ورقة 48.
أصوغ على الدّرّ اليتيم مدائحا
…
أعدّ بها من صاغة الشّعراء «1»
وعلى الرغم من استخدامه مصطلحات الشعر في بناء معانيه، إلا أنه عبّر عن صنعة الشعر التي ترتقي في المدح النبوي، الذي جعله في قصيدة أخرى عاصما للشعر من الانحدار، فقال:
فلولا معرب الأمداح فيه
…
هوى بيت القريض ولا بناء «2»
وأوضح الكندي الدشناوي أثر المدح النبوي في شعره، حين ذهب إلى أنه عند ما ينظم المدح النبوي يأتي شعره جزلا متماسكا، فصفات النبي تحلي الشعر وتعلي قيمته، وتعين القريحة الضعيفة، وتحثها على الإبداع فيأتي الشعر جميلا قيّما، أو كما قال:
أبيت سوى مدح خير الورى
…
فأصبح نظمي وثيق العرا
بروحي صفات تحلّي القري
…
ض وتسكبه ذهبا أحمرا
تعين القريحة أنّى ونت
…
وتبرز ألفاظها جوهرا «3»
وقد عبّر الدروكي عن الرأي السائد بين الشعراء حول المدح النبوي والشعر، وهو أنه يجب أن تكون سويّة الشعر الذي يمدح به رسول الله صلى الله عليه وسلم عالية، تليق بهذا المدح، وألا ينظمه إلا من يملك الموهبة والمقدرة والثقافة، فقال في مقدمة مدحة نبوية:
قيل اتّخذ مدح النّبيّ محمّد
…
فينا شعارك إنّ شعرك ريّق
وعلى بناتك لليراعة بهجة
…
وعلى بيانك للبراعة رونق «4»
(1) ديوان ابن نباتة: ص 15.
(2)
المصدر نفسه: ص 30.
(3)
الأدفوي: الطالع السعيد ص 490.
(4)
الصفدي: الوافي بالوفيات 5/ 31.