الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القدوة والمثل:
وأول ما قدمته المدائح النبوية في هذا الباب تجسيد القدوة المثلى برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان المثل الأعلى في مناحي الحياة كلها، والذي لا يمكن اللحاق به، ولكن الاقتداء به يجعل المرء مستقيما في حياته، سعيدا متعاونا مع أقرانه، راضيا لثقته بأنه يتبع سنة خير الخلق التي تضمن له رضا الله تعالى ومغفرته. وإذا اقتدى أفراد المجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن المجتمع سيكون مجتمعا خيّرا قويا متماسكا، يسوده العدل والرحمة والمحبة.
ففي مجتمع كان فيه المستأثرون بالثروة قلّة، وبقية الناس تعاني العوز والمرض، لا بد من تذكير الأغنياء بأن رسول الله أعظم إنسان خلقه الله، كان متواضعا رحيما ناكرا لذاته، بعيدا عن التفكير في الثراء وجمع المال، ولو أراد ذلك لحصل على ثروات الأرض وكنوزها، وقد ردّد شعراء المدح النبوي هذه الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدثوا عن زهده في الدنيا وبهرجها، ليتعظ المتهالكون على المال، والذين يظلمون من أجل الحصول عليه وكنزه. ودأب المصلحون في ذلك العصر على تنبيه الناس على تلك المسألة، فقال الماوردي في كتابه (أدب الدنيا والدين) عن المال: «ولو كانت فيه فضيلة لخصّ الله به من اصطفاه لرسالته، واجتباه لنبوته، وقد كان أنبياء الله تعالى مع ما خصّهم من كرامته، وفضلهم على سائر خلقه فقراء.. حتى صاروا في الفقر مثلا، قال البحتري:
فقر كفقر الأنبياء وغربة
…
وصبابة ليس البلاء بواحد «1»
لقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا يضرب به المثل في مناحي الحياة كلها، ومما تقارن به أعمال الناس، وكان الشعراء قبل العصر المملوكي، يتمثلون بمواقف النبي الكريم
(1) الماوردي: أدب الدنيا والدين ص 214 والبيت في ديوان البحتري 1/ 507.
وأقواله، فعند ما أراد شاعر مدح إنسان بالتواضع والانصياع للحق مع مكانته العالية، فإنه لم يجد مثلا لذلك أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:
له حق وليس عليه حق
…
ومهما قال فالحسن الجميل
وقد كان الرّسول يرى حقوقا
…
عليه لغيره وهو الرّسول «1»
فكان الشعراء يذكّرون الناس بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته، ليتعظوا ويعودوا عما يخالفها، وهذا ما فعله الصفي الحلي حين حث السلطان على إقامة الحد على لصوص سرقوا ماله واحتموا بأحد نوابه، في قوله:
وكذاك خير المرسلين محمّد
…
وهو الذي في حكمه لا يظلم
لمّا أتوه بعصبة سرقوا له
…
إبلا من الصّدقات وهو مصمّم
لم يعف بل قطع الأكفّ وأرجلا
…
من بعد ما سمل النّواظر منهم
ورماهم من بعد ذاك بحرّة
…
نار الهواجر فوقها تتضرّم
ورجا أناس أن يرقّ عليهم
…
فأبى وقال كذا يجازى المجرم
وكذا فتى الخطّاب قاد بلطمة
…
ملكا لغسّان، أبوه الأيهم «2»
إن الشاعر يذكر السلطان بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي جعل الحق فوق كل العلاقات، ولم يراع في الله قرابة ومكانة، وغير ذلك ممّا يعز على النفس.
وتجاوز في أخذ القدوة لإقامة الأحكام الشرعية إلى الخليفة الفاروق، فالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وبصحابته أيضا.
(1) المبرد: الكامل 1/ 322.
(2)
ديوان الصفي الحلي: ص 68.
ومن العادات الاجتماعية التي أخذ بها الناس، والتي هبطت إليهم من الجاهلية، كرههم للبنات، والتشاؤم بولادتهم، وإهانتهن، ولذلك نبّه المصلحون الناس على خطل هذه العادة التي أنكرها الله تعالى في كتابه الكريم، فقال: وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى، ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ «1» وأنكرها رسول الله، فالإسلام أنزل المرأة المنزلة الكريمة التي تليق بها.
ولتذكير الناس بهذا، ضرب الشعراء لهم مثلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهم:
فخير النّاس كلّهم جميعا
…
رسول الله كان أبا البنات
وهنّ الؤنسات وهنّ أيضا
…
بعيد الموت أحرق باكيات «2»
فسيّد الخلق كان أبا البنات، ولم يخدش ذلك قدره الرفيع، وإلى جانب ذلك فالبنات صاحبات مشاعر رقيقة وحنان كبير، وهن المؤنسات لأهلهن، وهن الباكيات بحرقة صادقة على موت آبائهن.
وهكذا مضى الشعراء يضربون المثل برسول الله صلى الله عليه وسلم، مظهرين حسن الاقتداء بسيرته الكريمة، والتأسي بأسوته الحسنة في إصلاح الظواهر الاجتماعية الخاطئة، وتعديل القيم المنحرفة عن جادة الصواب.
إن مسألة الاقتداء والتّمثل بسيرة رسول الله العطرة، لم تكن مقصورة على المدائح النبوية فقط، بل إن الشعراء إذا أرادوا تقديم حجة على كلامهم، لا يجدون حجة أصدق من موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو صورة من صور حياته الكريمة، أو كل ما يتصل به من قريب أو بعيد، فتمثلوا بالصحابة الكرام، وتفانيهم في خدمة دينهم ونبيهم وأكثروا من مدحهم مظهرين تضحياتهم وإخلاصهم، ضاربين مثلا رائعا تتملاه الأجيال اللاحقة، وتفيد منه.
(1) الآية 58 سورة النحل.
(2)
البلوي: كتاب ألف با 1/ 410.
وأكثر ما تمثّل به الشعراء من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو صبره وتجلده عند فقد عزيز عليه، وتذكير المسلمين بمصابهم برسول الله صلى الله عليه وسلم عند رفعه إلى الرفيق الأعلى، ولذلك قال السيوطي في إحدى مقاماته:
وقد اتسع ابن العريف الأندلسي في هذا المعنى، فجعل العبرة في مصيبة المسلمين برسول الله صلى الله عليه وسلم عامة، يجد المسلم كل المصائب تهون أمام مصيبته بفقد نبيّه، فقال:
إذا نزلت بساحتك الرّزايا
…
فلا تجزع لها جزع الصّبي
فإنّ لكل نازلة عزاء
…
بما قد كان من فقد النّبي «2»
واستخدم الشعراء هذا المعنى في الرّثاء، فعند ما رثى شاعر اسمه (أحمد بن محمد بن علي الحجازي) ابن حجر، قال فيه:
يا ربّ فارحمه واسق ضريحه
…
بسحائب من فيض فضلك عامره
يا نفس صبرا فالتّأسي لائق
…
بوفاة أعظم شافع في الآخره «3»
أدى انتشار هذا المعنى وكلف الشعراء به إلى تأليف كتاب يظهر العبرة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواطن الاقتداء بها، سمّاه صاحبه (سلوة الكئيب بوفاة الحبيب)، أنشد فيه لابن حجر قوله:
اصبر لكلّ مصيبة وتجلّد
…
واعلم بأنّ المرء غير مخلّد
(1) مقامات السيوطي: ص 77، وابن ناصر الدين الدمشقي: سلوة الكئيب، ورقة 52، وسنن الدارمي، مقدمة ص 14.
(2)
الصفدي: الوافي بالوفيات 8/ 134.
(3)
ابن فهد المكي: لحظ الألحاظ ص 342.
وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها
…
فاذكر مصابك بالنّبيّ محمّد «1»
فالشعراء استقوا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم معاني مختلفة، ضربوا بها المثل لأهل عصرهم، ليتعظوا بها، وليصلحوا من شأنهم، فالنبي الكريم هو المثل الأعلى للمسلمين، وهو القدوة لهم في كل حركاته وسكناته، فحين يعرض مدّاحه زهده وورعه وعدله، يذكّرون حكامهم بما كان عليه سيد الوجوه، وبما هم عليه الآن من غنى وظلم، وحين يتطرقون إلى جهاده وشجاعته وصبره ومصابرته، فإنهم يقدّمون للمتقاعسين عن الجهاد صور البطولة الفذّة التي تحفزهم إلى بذل كل ما يستطيعون للحفاظ على دينهم وأوطانهم.
وغير ذلك كثير يقرعون به أسماع اللاهين الغافلين، ليثوبوا إلى رشدهم، وليقتدوا بسنّة هاديهم.
وإلى جانب إظهار القدوة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرص شعراء المدح النبوي على ذكر أخلاق النبي الكريم وصحابته الأطهار بالتفصيل، ومقارنتها بأخلاق أهل عصرهم، على أمل أن يتركوا من أخلاقهم ما يبتعد بهم عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم وأخلاق أصحابه، وأن يتخلّقوا بخلق من بعث ليتمم مكارم الأخلاق «2» .
وإذا كانت المدائح في الشعر العربي- في أكثرها- تلبس الممدوح أخلاقا لا تصحّ له، وترفعه إلى مرتبة سامية، فإن الشعراء، وإن كانوا ينافقون ويزيفون الواقع، فقد رسموا صورة مثالية لما يجب أن يكون عليه الرجل العربي، وأشاعوا الفضائل بين الناس ليأخذوا بها، فالمجتمع يفيد بذلك من قصيدة المدح، لأنها تحيي فيه أخلاقا لا قوام له بغيرها، وقد عبّر أبو تمام عن هذا المعنى بقوله:
(1) ابن ناصر الدين الدمشقي: سلوة الكئيب، ورقة 52.
(2)
«بعثت لأتمم حسن الأخلاق» موطأ الإمام مالك، حديث 8 ص 904، «بعثت لأتمم صالح الأخلاق» مسند ابن حنبل 2/ 381.
ولولا خلال، سنّها الشّعر ما درى
…
بغاة النّدى من أين تؤتى المكارم «1»
وحين يذكر شعراء المدح النبوي أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاق صحابته، وتنتشر قصائدهم بين الناس وينشغلون بها، فإنّ هذه الأخلاق الجميلة الجليلة، سترسخ في نفوسهم، ويتخلّقون بها، ويبتعدون عمّا يخالفها.
وقد نقلت كتب التاريخ والأدب أمثلة وافية للانحراف عن الخلق السوي في ذلك العصر، فكان لا بد للمصلحين، ومنهم شعراء المدح النبوي من محاربة هذا الانحراف، وتذكير أصحابه بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاق أصحابه، ولذلك ألّفت الكتب الكثيرة في مناقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته وأخلاقه، منها كتاب (عجالة الراكب في ذكر أشرف المناقب)، قال مؤلفه:«كتبت في سفري هذا ضراعة، هي عجالة راكب، أودعتها لطائف من أشرف المناقب، استخرجت معظمها من كلام العلماء، وأدت إلى بعضها قريحتي.. لكن الأولى التأدب بأدبه، والاقتداء بهداه» «2» .
ومن هذه الكتب أيضا كتاب (أدب الدنيا والدين) الذي عزا مؤلفه بعض ما أورده فيه إلى منام رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ذات ليلة، فقلت: يا رسول الله، أوصني، فقال: استح من الله عز وجل حقّ الحياء، ثم قال: تغير الناس، قلت: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: كنت أنظر إلى الصبي، فأرى من وجهه البشر والحياء، وأنا أنظر إليه اليوم فلا أرى ذلك في وجهه. ثم تكلم بعد ذلك بوصايا وعظات، تصورتها، وأذهلني السرور عن حفظها، ووددت لو أني حفظتها» «3» .
ولهذا أكثر شعراء المدح النبوي من الحديث عن الأخلاق في مدائحهم، ومن ذلك قول البوصيري:
(1) ديوان أبي تمام 3/ 183.
(2)
ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة 85.
(3)
الماوردي: أدب الدنيا والدين ص 222.
لم يعده الحسن في خلق وفي خلق
…
ولم يزل حبّه شغلا لكلّ خلي
وقف على سنن المرضيّ من سنن
…
فإنّ فيها شفاء الخبل والخبل «1»
وقد نظم ابن جابر مقصورة طويلة جعلها على أقسام، كل قسم على حرف من حروف الهجاء يسبق الألف المقصورة، وقد أورد فيها نبذة من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحدث عن أخلاق أهل عصره، ودعا إلى الاقتداء بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله:
إنّ الذي لا ينثني عن جوده
…
إن بخل الدّهر لنا وإن سخا
زيّنه تواضع على علا
…
فما ازدهى بعزّة ولا نخا
أحسن أخلاقا من الرّوض إذا
…
ما اختال في برد الصّبا أو ارتدى
وأضاف قائلا في مدحه:
أدّبنا بسنّة أفلح من
…
نمى إليها النّفس يوما أو عزا «2»
وبعد أن اقتطف من أخلاق النبوة الطاهرة باقة بديعة، وعرضها أمام الناس، أخذ يقارن بين هذه الأخلاق وبين أهل عصره، فابتدأ بالحديث عن نفسه، وترفّعه عن سؤال النذل، الذي ضنّ بماله على المحتاجين فقال:
لا أسأل النّذل ولو أنّي به
…
أملك ما حاز النّهار والدّجا
لكن إذا اضطر زمان جائر
…
أمّلت من ليس يردّ من رجا «3»
ثم أخذ يسرد بعض الأخلاق الفاضلة المأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعها في قالب الحكم، فقال:
(1) ديوان البوصيري ص 234.
(2)
المقري: نفح الطيب 7/ 310.
(3)
المقري: نفح الطيب 7/ 309.
هل هي إلا سنّة الحقّ التي
…
أرشد من لاذبها أو احتذى
كفّ اللّسان وانبساط الكفّ بال
…
خير وطيب الذّكر همّ قد شذا
ومن تكن دنياه أقصى همّه
…
لم يرو من ثدي الحجى ولا اغتذى «1»
لقد ذكر الشاعر هذه الأخلاق الفاضلة في مقصورته النبوية، وكأنه يغمز من أخلاق معاصريه، فهذه الحكم جاء بها ليجابه ما انتشر بين الناس في زمانه من عادات فاسدة وأخلاق مذمومة، لذلك عاد إلى إدراج طائفة أخرى من الأخلاق على شكل حكم، فقال:
والعلم في حال الغنى والفقر لا
…
يزال يرقى بك كلّ مرتقى
ولا ألوم المال فالمال حمى
…
من جاهل يلقاك شرّ ملتقى
قد جبل النّاس على حبّ الغنى
…
فربّه فيهم مهاب متّقى
وما لذي فقر لديهم رتبة
…
ولو أفاد وأجاد واتّقى
إنّ الغنى طبّ لعلّات الفتى
…
والفقر داء لا تداويه الرّقى «2»
فالشاعر يعرض في مدحته النبوية عددا من الفضائل الخلقية التي يجدر بالناس أن يتحلوا بها، وينتقد بلطف بعض أخلاق أهل عصره، وخاصة البخل وحب المال وكنزه ومراعاة الغنى واحترامه على علّاته، وازدراء الفقير على علمه وأدبه.
وقد مرّ كثير من الأمثلة التي أظهر فيها الشعراء اهتمامهم بالأخلاق الفاضلة، حين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلقه وشمائله وخصاله الكريمة، وحين أشادوا بصحابته الكرام، وتخلّقهم بأخلاق حبيبهم المصطفى.
(1) المقري: نفح الطيب 7/ 311.
(2)
المصدر نفسه 7/ 319.
وإلى جانب ذلك حاول شعراء المدح النبوي توجيه الناس إلى الأخلاق الحسنة بالحكم والمواعظ التي نثروها في ثنايا مدائحهم النبوية، مثل قول الشهاب محمود في مقدمة نبوية له:
ليس موت الفتى إذا صح منه ال
…
قصد دون الذي يحاول عارا
ليس شيء يكفي فإن تقنع النّف
…
س تجد قلّ ما ترى إكثارا «1»
لقد أراد شعراء المدح النبوي أن يعلّموا أبناء عصرهم الأخلاق الحميدة، فعرضوا أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحميدة وأخلاق صحابته الكرام في قصائدهم، ليعرفها الناس ويستذكروها ويتخلقوا بها، وانتقدوا بعض أخلاق عصرهم السيئة، ليتركها أصحابها، وأظهروا فوائد الخلق الجميل، ليتحول إليه الناس، ولا شك أن انشغال الناس الكبير بالمدائح النبوية، جعلهم يتأثرون بهذا الجانب منها، ويتخلّقون بالأخلاق التي أوردها شعراء المدح النبوي وحبّبوها ودعوا إليها بوعي أو دون وعي.
كذلك عرض شعراء المدح النبوي عقائدهم، حتى تنتشر بين الناس، وأوضحوا مذاهبهم ليتعلمها الناس ويأخذوا بها، وكل واحد منهم يريد لمذهبه الانتشار والانتصار.
فالصرصري الحنبلي، يؤكد في مدائحه النبوية تمسكه بسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفضه للآراء المخالفة، وخاصة تلك التي تجتهد في الذات الإلهية، فيقول:
على أنّني إن شاء ربّي آخذ
…
بسنّتك الحسنى ولست مبدّلا
ولست بسبّاب ولا بمشبّه
…
ولا ربّ تأويل ولست معطّلا «2»
إنّ الشاعر يتبرأ من السبّابين الذين يسبون بعض الصحابة، ومن الذين يتأوّلون
(1) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص 96.
(2)
ديوان الصرصري، ورقة 122.
كلام الله تعالى ويصرفونه إلى غير مقاصده، والمعطّلين الذين يعطّلون المشيئة الإلهية، ويعلن التزامه بالسنّة، ويطلب من الناس الالتزام بها، لأنها تعصم من الانحراف والزّيغ عن الإسلام الصحيح، والدّين القويم.
وهو يدعو الناس إلى ذلك صراحة، وإلى اتباع السنّة الشريفة، والحرص على الجماعة، لأن الخروج عن السنة والجماعة، خروج عن الدين القويم، فيقول:
وإن شئت أن تحيا سعيدا مهذّبا
…
بالسّنّة الزّهراء ذات الهدى خذ
عليك بها فاشدد يديك بحبلها
…
ومن يطّرحها نابذا فله انبذ «1»
في حين نجد الصفي الحلي، الذي عرف بتشيعه، دائم الإشارة إلى ذلك والدعوة إليه، إنه يفضّل آل النبي الكرام على غيرهم، وفي ذلك يقول:
لهم إخاء ورحمى غير منكرة
…
والذّكر أنزل في تعريض سبقهم
هم هم في جميع الفضل ما عدموا
…
فضل الإخاء ونصّ الذّكر والرّحم «2»
فالمدح النبوي حوى عرضا للعقائد وجدلا حولها، كل شاعر يحسّن مذهبه ويدعو له، فيردّ عليه شاعر آخر أو عالم لا يرى رأيه.
(1) ديوان الصرصري، ورقة 23.
(2)
ديوان الحلي ص 700.