الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آثار النبي الكريم:
لقد عظّم المسلمون كل ماله علاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلّوا الأزمنة التي تخصه، مثل يوم مولده ويوم هجرته، والأمكنة التي تقلب فيها مثل مكان مولده وتعبده ومسجده ومدفنه، وأضفوا القداسة على الأدوات التي كان يستخدمها في حياته من سرير ولباس وآنية، وغير ذلك من متاع الدنيا. وحرصوا أشد الحرص على ما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، وتبرّكوا باثاره، فالخلفاء ظلوا يتوارثون بردته وجعلوها علامة الخلافة، وكدّوا أنفسهم في تحصيل كل ماله علاقة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وصل إلى العصر المملوكي شيء من هذه الآثار.
ولا شك في أن وجود هذه الآثار أمام عيون الناس، قد هيّج وجدهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفعهم إلى مدحه ومناجاته، فقال ابن خطيب داريا بهذه الآثار:
يا عين إن بعد الحبيب وداره
…
ونأت مرابعه وشطّ مزاره
فلقد ظفرت من الزّمان بطائل
…
إن لم تريه فهذه آثاره «1»
وابن رشيد السبتي «2» «له أبيات كتبها على حذو نعل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الحديث الأشرفية، وهي:
هنيئا لعيني أن رأت نعل أحمد
…
فيا سعد جدّي قد ظفرت بمقصدي
وقبّلتها أشفي الغليل فزادني
…
فيا عجبا زاد الظما عند موردي
ولله ذاك اليوم عيدا ومعلما
…
بمطلعه أرّخت مولد أسعدي
(1) الخطط المقريزية: 4/ 295.
(2)
ابن رشيد السبتي: محمد بن عمر بن محمد، فقيه أديب تصدى للتدريس في سبتة، من مصنفاته (الرحلة المشرقية) توفي سنة (721 هـ) . الصفدي: الوافي بالوافيات 4/ 284.
عليه صلاة نشرها طيّب كما
…
يحبّ ويرضى ربّنا لمحمّد «1»
ويظهر أن الناس في ذلك الوقت قد صنعوا أمثلة لنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتناقلوها في الأمصار الإسلامية، ليتبرّكوا بها ويشبعوا حنينهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده المبارك، وفضولهم إلى معرفة شكل الأشياء التي كان يستعملها النبي الأمين، وكانت هذه الأمثلة تثير كوامن نفوس الشعراء، فينظمون فيها الشعر الذي يظهرون فيه مشاعرهم الدينية، ومحبتهم الكبيرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانتشر الحديث شعرا عن النعل النبوي الشريف في المغرب العربي خاصة، فاتخذه الشعراء وسيلة لإظهار عواطفهم الدينية، وتوطئة لمدح صاحب النعل، فزادوا بذلك معاني المدحة النبوية، وحرّكوا مضمونها، فأكثروا من نظم القصائد التي تتحدث عن نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن يطالع كتاب (أزهار الرياض) يجد ما يوازي ديوانا كاملا من القصائد التي يشيد فيها أصحابها بالنعل النبوي، ويظهرون تقديسهم لها.
وقد أوسع ابن فرج السبتي «2» نعل النبي نظما، فأنشأ فيها قطعا على حروف المعجم في لزوم ما لا يلزم، سمّاها القطع المخمسة، كل قطعة خمسة أبيات، وهي في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، يفتتحها بالحديث عن نعل النبي، ومنها قوله:
أتمثال نعل كان يلبسها الذي
…
إذا غدت الأرسال ليس له كفء
أبو القاسم الأسمى الذي وطئ السّما
…
بأخمصه ليلا فشرّفها الوطء
أقبّل في طرس حواك كأنّني
…
عليل وفي تقبيل شكلك لي البرء «3»
وهكذا حرص مدّاح النبي صلى الله عليه وسلم على ذكر كل ما يتعلق به في مدائحهم النبوية،
(1) الصفدي: الوافي بالوفيات 4/ 218.
(2)
محمد بن فرج السبتي، فقيه من أعلام سبتة في القرن الثامن الهجري المقري: أزهار الرياض 1/ 146.
(3)
المقري: نفح الطيب 3/ 228.