الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن الشعراء بعيدين عن هذا الموقف، فكانوا يسجلون في شعرهم مشاعر السخط على مظاهر البؤس الذي يحكم حياة العامة، وإذا لم تسعف بعضهم الشجاعة الكافية للتصريح بما يجول في أنفسهم كانوا يعتمدون طريقة غير مباشرة، ويتجهون إلى الدين ومدح النبي الكريم، فيقدمون المثل الأعلى للعدل والرحمة بالناس، ويقارنون بين ما كان عليه المسلمون الأوائل، وبين ما آل إليه الأمر في عهدهم لعل حكامهم الذين يتمسّكون بالدين ويظلمونهم ينتبهون لذلك، فلا يستمرون فيما هم عليه، ولعل الناس تعي حقوقها، فتهب للمطالبة بها، وتضع حدا للأوضاع الخاطئة التي أضحت شيئا اعتاده الناس، فظنوه قدرا لا مفر منه.
وقد شهد العصر المملوكي الكثير من الأزمات الخانقة، وحدثت كوارث طبيعية حصدت الناس حصدا بالإضافة إلى المجاعات المتكررة التي أوصلت الناس إلى أكل لحوم البشر، فكانوا عندما تلمّ بهم مصيبة من هذه المصائب يضجون بالدعاء إلى الله تعالى، ويستشفعون برسوله، ليرفع عنهم هذا الكرب.
المفاسد الاجتماعية:
عرف العصر المملوكي بعض صور اللهو والمجون، والمفاسد الاجتماعية، وخاصة في أعياد النصارى، حيث يجهر الناس باللهو وشرب الخمر، ففي عيد الشهيد «يخرج عامة أهل القاهرة ومصر على اختلاف طبقاتهم، وينصبون الخيام على شطوط النيل وفي الجزائر، ولا يبقى مغني ولا مغنية، ولا صاحب لهو ولا رب ملعوب، ولا بغي ولا مخنث ولا ماجن ولا خليع ولا فاتك ولا فاسق إلا ويخرج لهذا العيد، فيجتمع عالم عظيم جدا، لا يحصيهم إلا خالقهم، وتصرف أموال لا تنحصر، ويتجاهر هناك بما لا يحتمل من المعاصي والفسوق وتثور فتن، وتقتل أناس، ويباع الخمر
…
» «1» .
(1) الخطط المقريزية: 1/ 110.
ووصل الأمر في عهد بعض السلاطين إلى حد ضمان الخمارات وأماكن الفسق، وحماية الفجور لقاء المال الذي يدفع إلى ضامن هذه الضروب من المفاسد، والذي يدفع قدرا معينا من المال للدولة.
وكانت هذه المظاهر في مد وجزر، وفقا لظروف الدولة من حروب وسواها، وحسب شخصية السلطان الحاكم، فإذا كان السلطان محبّا للهو، مجاهرا به، جاهر الناس بالمعاصي، واشتدّ ولعهم باللهو، وإذا كان السلطان جادا، منصرفا عن الملذات المحرّمة، استتر طالبو اللذة الرخيصة، وهدمت أماكن المجون، التي تباح فيها المفاسد.
وربما كان لاختلاط العناصر المختلفة، والأجناس المتباينة، أثر في انتشار مظاهر الفساد الاجتماعي، وظهور العادات الغريبة عن العرب والإسلام، وقد يكون إقبال الناس على اللهو والمجون من قبيل الهرب من قسوة الحياة، واشتداد الظلم والعسف، إلا أن هذه الحياة اللاهية لم ترق لكثير من الناس، وهاجمها رجال الدين، وعدوها أحد أسباب المصائب التي تحلّ بالأمة، وهذا ما جعل بعض الشعراء يضجّون بالدعاء إلى الله تعالى، ليخلّص المجتمع من هذه المفاسد، ويتوسلون برسوله مادحين مستشفعين ليذكّروا الناس بتعاليم الدين وحدوده، والحياة الإنسانية الحقة التي دعا إليها الإسلام، وطبقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليشيعوا الروح الدينية بين الناس، ليعدلوا عن هذه المفاسد، أو ليقاوموها.
وقد نظم كثير من الشعراء القصائد الدينية، والمدائح النبوية منها خاصة، للتكفير عن مشاركتهم في اللهو والمجون بالفعل والقول، يطلبون فيها شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلاص من ذنوبهم، ويعلنون فيها توبتهم عمّا كانوا عليه، ويأملون الأجر والثواب والمغفرة من وراء مدحهم للنبي الكريم.