الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والروايات الغيبية، لأن شاعرية الموشح وإيقاعه لا تسمح للناظم أن ينقاد إلى النظم المجرد.
وبذلك يظهر لنا أن المديح النبوي في العصر المملوكي قد أودع في الأشكال الشعرية جميعها، التي كانت تعرف آنذاك، لأن هذا الفن الشعري لا يحوز على اهتمام فئة دون فئة، بل يحوز على اهتمام المسلمين جميعا.
وقد حفلت المدائح النبوية بتنوع كبير في الشكل الشعري، يفوق ما عرفه أي فن شعري آخر، فبالإضافة إلى كل ما سبق نجد ألوانا أخرى من الشكل الشعري، دعت إليها طبيعة المضمون، فلم تتابع شكل القصيدة العربية التقليدي في أجزائه وتركيبه.
الأشكال المتميزة:
ومن هذه الألوان مقصورة لابن جابر، مدح فيها النّبي الكريم، وتحدث عن مواضيع أخرى، لكنه أطالها إطالة كبيرة، وقسّمها إلى أجزاء، ليس بينها ما هو مقدمة أو ما هو غرض، بل قدم موضوعاته في القصيدة وفق ما يوصله إليه نظمه، وما يتبادر إلى ذهنه، والأجزاء في معظمها معشرات، يتألف كل جزء من عشرة أبيات مرتبة ترتيبا أبجديا، إذ استوفي في القافية حروف الهجاء جميعها قبل حرف الألف، فلا يجمع القصيدة إلا انتهاء القافية بحرف الألف، ووجود مدح النبي منثورا في أجزائها، بدأها بقوله:
بادر قلبي للهوى وما ارتأى
…
لمّا رأى من حسنها ما قد رأى
فقرّب الوجد لقلبي حبّها
…
وكان قلبي قبل هذا قد نأى
ثم تغزل فقال:
يا ربّ ليل قد تعاطينا به
…
حديث أنس مثل أزهار الرّبى
في روضة تعانقت أغصانها
…
إذا وصلت ما بينها ريح الصّبا
ثم مدح فقال:
تالله لا أعبا بعيش قد مضى
…
ولا زمان قد تعدّى وعتا
مذ علقت كفّى بالهادي الذي
…
ساد الورى طفلا وكهلا وفتى
ثم تحدث عن الأخلاق فقال:
لا أسأل النّذل ولو أنّي به
…
أملك ما حاز النّهار والدّجا
لكن إذا اضطرّ زمان جائر
…
أمّلت من ليس يردّ من رجا «1»
وهكذا ينتقل في مقصورته من موضوع إلى موضوع، ويدرج في أثنائها المديح النبوي، وكأنه جمع عدة قصائد في قصيدة واحدة، فجاءت متفردة في بابها، موضوعا وشكلا، على الرغم من التزامه بقيود فرضها على نفسه سلفا.
ومن القصائد التي تميزت في شكلها الشعري بفضل مضمونها، القصائد التي نظمها أصحابها وسيلة يتوسلون بها رسول الله تعالى، أو القصائد التي نظمت كلها صلاة على النبي، فهذه القصائد لا تحتاج إلى مقدمة أو خاتمة، أو غير ذلك مما هو معروف في شكل القصيدة المدحية العربية، مثل قصيدة البوصيري، التي مرت معنا وسماها (القصيدة المضرية في الصلاة على خير البرية) .
فالوسيلة لون من ألوان المديح النبوي أو من الأوراد والأدعية التي ينظمها المتصوفة لينشدوها في مجالسهم ومحافلهم. ومثل ذلك القصيدة المحمدية للبوصيري، وهي مدح لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بدأ كل شطر من أشطرها بكلمة (محمد) ، فلا يتبين لها أجزاء ولا
(1) المقري: نفح الطيب 7/ 309.
يتبين لها مقدمة من خاتمة، وكأنها نشيد من أناشيد مجالس الذكر، أو هي كذلك، فهي تبدأ بقوله:
محمّد أشرف الأعراب والعجم
…
محمد خير من يمشي على قدم
محمد باسط المعروف جامعه
…
محمد صاحب الإحسان والكرم
محمد ذكره روح لأنفسنا
…
محمد شكره فرض على الأمم «1»
وقد اشتهر البرعي بمثل هذه التوسلات والصلوات، فكان يضمّنها مدائحه النبوية، ويكثر منها، ويخصص لها قصائد خاصة، منها هذه الوسيلة التي يقول فيها:
يا صاحب القبر المنير بيثرب
…
يا منتهى أملي وغاية مطلبي
يا من به في النّائبات توسّلي
…
وإليه من كلّ الحوادث مهربي
يا غوث من في الخافقين وغيثهم
…
وربيعهم في كلّ عام مجدب «2»
وله كذلك قصيدة جيدة في الصلاة على النبي، أبدع في معانيها، وأحسن صياغتها، فحازت على إعجاب المنشدين على مر العصور، إذ لحنت في عصرنا الحاضر، ولا نزال نسمعها بين الحين والآخر، وهي:
يا ربّ صلّ على النّبيّ المجتبى
…
ما غرّدت في الأيك ساجعة الرّبا
يا ربّ صلّ على النبي وآله
…
ما أمّت الزوار نحوك يثربا
يا ربّ صلّ على النّبيّ وآله
…
ما كوكب في الجوّ قابل كوكبا
صلوا على المختار فهو شفيعكم
…
في يوم يبعث كلّ طفل أشيبا «3»
(1) ديوان البوصيري: ص 274.
(2)
ديوان البرعي: ص 60.
(3)
المصدر نفسه: ص 62.