المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والتقوى في نفوس اللاهين، أو الذين يميلون إلى الخوارق في - المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي

[محمود سالم محمد]

فهرس الكتاب

- ‌المحتوى

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول بواعث ازدهار المديح النبوي وانتشاره

- ‌الفصل الأول الأسباب السياسية

- ‌الصراع الخارجي:

- ‌الصراع الداخلي:

- ‌الفصل الثاني الأسباب الاجتماعية

- ‌المظالم والكوارث:

- ‌المفاسد الاجتماعية:

- ‌الفصل الثالث الأسباب الدينية

- ‌مجادلة أهل الكتاب:

- ‌مخالفة الشريعة:

- ‌المظاهر الدينية:

- ‌الجدل المذهبي:

- ‌انتشار التصوف:

- ‌الرؤيا:

- ‌الفصل الأول نشأة المدح النبوي

- ‌القسم الأول: المديح والرثاء والمديح النبوي:

- ‌القسم الثاني- المدح النبوي في حياة الرسول:

- ‌القسم الثالث- في العصر الراشدي والأموي:

- ‌القسم الرابع- في العصر العباسي:

- ‌القسم الخامس- في العصر الفاطمي والأيوبي:

- ‌الفصل الثاني حدود المديح النبوي

- ‌القسم الأول- الشعر التقليدي:

- ‌القسم الثاني- مدح آل البيت:

- ‌القسم الثالث- الشعر الصوفي:

- ‌القسم الرابع- التشوق إلى المقدسات:

- ‌القسم الخامس- المولد النبوي:

- ‌الفصل الأول المضمون

- ‌القسم الأول- المدح بالقيم التقليدية:

- ‌القسم الثاني- المدح الديني:

- ‌محبته:

- ‌فضائله:

- ‌هديه:

- ‌السيرة:

- ‌المعجزات:

- ‌تفضيله:

- ‌الحقيقة المحمدية:

- ‌الرسول والبشرية:

- ‌التوسل به والصلاة عليه:

- ‌آثار النبي الكريم:

- ‌ذكر الآل والصحابة:

- ‌القسم الثالث- مواضيع أخرى:

- ‌الحديث عن المديح النبوي في قصائد المديح:

- ‌القسم الرابع- المعاني:

- ‌الفصل الثاني الأسلوب

- ‌القسم الأول- الشكل الشعري:

- ‌ذكر الأماكن:

- ‌الغزل:

- ‌الرحلة:

- ‌وصف الطبيعة:

- ‌الوعظ:

- ‌الدعاء:

- ‌المباشرة بالمدح:

- ‌الانتقال:

- ‌الرجز:

- ‌المقطوعات:

- ‌ضروب النظم:

- ‌الأشكال المتميزة:

- ‌القيود الشكلية:

- ‌ النظم

- ‌المعارضة:

- ‌الوزن والقافية:

- ‌القسم الثاني- الصياغة والأسلوب:

- ‌النظم:

- ‌التصنع:

- ‌الألفاظ:

- ‌القسم الثالث- الصنعة الفنية:

- ‌الصنعة الخيالية:

- ‌الصنعة اللفظية:

- ‌الفصل الأول أثر المدائح النبوية في المجتمع

- ‌القسم الأول- الأثر الاجتماعي:

- ‌النصح والإرشاد:

- ‌الاعتقاد بالمدائح النبوية:

- ‌الجدل العقائدي:

- ‌إظهار النزعة العربية:

- ‌القسم الثاني- الأثر التعليمي للمدائح النبوية:

- ‌القدوة والمثل:

- ‌المعرفة:

- ‌الفصل الثاني أثر المدائح النبوية في الثقافة

- ‌القسم الأول- أثر المدائح النبوية في الشعر:

- ‌أثره في الإبداع الشعري:

- ‌أثره في قصائد الشعر الآخرى:

- ‌الملاحم:

- ‌القسم الثاني- البديع:

- ‌القسم الثالث- التأليف:

- ‌المصادر والمراجع

- ‌المصادر المخطوطة:

- ‌المصادر المطبوعة:

- ‌المراجع:

- ‌الفهرس التفصيلي (عام)

- ‌ حرف الألف

- ‌ حرف الباء

- ‌ حرف التاء

- ‌ حرف الثاء

- ‌ حرف الجيم

- ‌ حرف الحاء

- ‌ حرف الخاء

- ‌ حرف الدال

- ‌ حرف الذال

- ‌ حرف الراء

- ‌ حرف الزاء

- ‌ حرف السين

- ‌ حرف الشين

- ‌ حرف الصاد

- ‌ حرف الضاد

- ‌ حرف الطاء

- ‌ حرف الظاء

- ‌ حرف العين

- ‌ حرف الغين

- ‌ حرف الفاء

- ‌ حرف القاف

- ‌ حرف الكاف

- ‌ حرف اللام

- ‌ حرف الميم

- ‌ حرف النون

- ‌ حرف الهاء

- ‌ حرف الواو

- ‌ حرف الياء

الفصل: والتقوى في نفوس اللاهين، أو الذين يميلون إلى الخوارق في

والتقوى في نفوس اللاهين، أو الذين يميلون إلى الخوارق في كل شيء، وخاصة العامة الذين يستهويهم القص، ويرغبون في الخوارق التي تشبع عواطفهم الدينية، ولذلك لم يلتفت شعراء المدائح النبوية إلى ما يثار حول هذه المعجزات من جدل؛ ولم يميزوا بين ما هو ثابت الرواية صحيح النقل، وبين ما هو ضعيف مشكوك فيه، لأنهم وجدوا أنفسهم في رحاب الفن الذي يستجيب للخارق المفعم بالدلالات، وليسوا في مجالس العلم التي تدقق في كل شيء.

‌تفضيله:

أراد شعراء المدائح النبوية إيصال ما يشعرون به إلى الناس بأية طريقة، وما يشعرون به هو كمال رسول الله، وتفرّده وعلو مقامه، وليس أفضل من المعجزات تعبيرا عن ذلك. وربما انساقوا إلى هذا الحرص على ذكر المعجزات بفعل الجدل الديني مع أهل الكتاب، الذين نسبوا إلى أنبيائهم معجزات كثيرة في معرض التفاضل بين الأنبياء والأديان، فجارى المسلمون هؤلاء في الإكثار من نسب المعجزات إلى رسول الله، ونثرها بين الناس، وهذا ما قادهم في مدائحهم النبوية إلى تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الأنبياء جميعا، وتقديمه عليهم في معجزاته وكماله ومكانته عند الله تعالى، وقد أشاروا إلى ذلك في حديث الإسراء والمعراج، إذ إن حديث الإسراء والمعراج يفصح عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وصلّى بهم في المسجد الأقصى، وقابلهم أثناء عروجه إلى السماوات العلى، وقد افتتح البوصيري همزيته في التفضيل هذا فقال:

كيف ترقى رقيّك الأنبياء

يا سماء ما طاولتها سماء

لم يّساووك في علاك وقد حا

ل سنا منك دونهم وسناء

إنّما مثّلوا صفاتك للنّا

س كما مثّل النّجوم الماء «1»

(1) ديوان البوصيري: ص 49.

ص: 242

فالبوصيري جعل الأنبياء صورة لفضائل النبي المصطفى، وليسوا مثله في ذاته وجوهره، وليس البوصيري بدعا بين شعراء المدائح النبوية في الإغراق والمبالغة في مسألة تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء والرسل، فهذه المسألة أشبعها أصحاب كتب السيرة المتأخرون، وكتب الخصائص، توسيعا وتفصيلا، بأحاديث وروايات غيبية كثيرة، وقد جاء في كتاب (تاريخ الخميس) أن السيوطي جمع بعض خصائص النبي الكريم في رسالة، سمّاها (نموذج اللبيب في خصائص الحبيب)، وقال: هي منحصرة في قسمين، القسم الأول في الخصائص التي اختص بها عن جميع الأنبياء، ولم يؤتها نبي قبله، وهي أربعة أنواع: النوع الأول ما اختص به في ذاته في الدنيا

والنوع الثاني ما اختص به في ذاته في الآخرة..» «1» .

ومضى أصحاب كتب الخصائص في ذكر ما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيره من الأنبياء، وما فضلهم به، وكأنهم في معركة حاسمة مع أهل الكتاب، يريدون كسبها في هذه المفاضلة، كما يريدون كسب معركة الأمة مع الغزاة الصليبيين.

وعلى الرغم من أنهم رووا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينهى فيه عن تفضيله، وقالوا: إنه حديث مشهور، إلا أنهم ذكروا تأويلا لهذا الحديث، يفضي إلى أنه يجب تفضيله «2» .

واستندوا في ذلك على آيات القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، وذهبوا إلى أن الله تعالى فضّل بعض الأنبياء على بعض، فرفع بعضهم فوق بعض درجات، واستشهدوا على ذلك بقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ «3» .

(1) الديار بكري، حسين: تاريخ الخميس ص 213 وللكتاب اسم آخر هو الخصائص الكبرى.

(2)

ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة 91.

(3)

سورة البقرة: آية 253.

ص: 243

وبذلك قرروا أن «نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل هذا الأفضل، فهو أفضل مخلوق وأكمله» «1» .

وقد أظهر الدكتور زكي مبارك امتعاضه من المبالغة في تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على سائر إخوته من الأنبياء، فحين عقّب على قول البوصيري:

فإنّه شمس فضل هم كوكبها

يظهرن أنوارها للناس في الظّلم

قال: «هذا المعنى ينافي الأدب الجميل في رعاية حقوق الأنبياء، وهو يساير به نزعة ساذجة لا يقرها عقل، ولا يدعو إليها دين، وليس ممّا ينقص مجد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لمن سبقوه من الأنبياء شخصية مستقلة عنه كل الاستقلال» «2» .

أخذ شعراء المديح النبوي أحاديث تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأنبياء ورواياته، ونظموها في مدائحهم النبوية، موضحين مظاهر هذا التفضيل وجوانبه.

فالبوصيري جعل تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم على غيره من الرسل، قائما على المفاضلة بين معجزاتهم ومعجزاته، فقال:

وكلّ آي أتت الرسل الكرام بها

فإنّما اتّصلت من نوره بهم

فإنّه شمس فضل هم كواكبها

يظهرن أنوارها للناس في الظّلم «3»

فجرّد الرسل الكرام من معجزاتهم، ونسبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسل استمدوها من نوره، وهو بالنسبة إليهم كالشمس ترسل نورها إلى الكواكب التي تعكس هذا النور، ولهذا فالرسل الكرام توسلوا إلى الله به، وهذا ما أشار إليه الشهاب محمود في قوله:

(1) ابن الزملكاني: عجالة الراكب، ورقة 86.

(2)

مبارك، زكي: المدائح النبوية في الأدب العربي ص 189.

(3)

ديوان البوصيري: ص 242.

ص: 244

يا من به الرّسل الكرام توسّلوا

فغدا توسّلهم به مقبولا «1»

وأكّد عليه الحلي في قوله:

وبك استغاث الأنبياء جميعهم

عند الشّدائد ربّهم ليعانوا «2»

في حين جعل ابن بنت الأعز «3» التفاضل بين الأنبياء مدخلا لسرد معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

وأراه كيف تفاضل الأملاك والر

رسل الكرام وكان غير مقلّد

هل جاء قبلك مرسل بخوارق

إلّا وجئت بمثله أو أزيد

فعصا الكليم تبدّلت أعراضها

وكذا عصاك تبدّلت بمهنّد «4»

أما الباعونية، فتقيم تفضيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء، على الأحاديث الغيبية، وعلى ما روى في قصة الإسراء والمعراج، فتقول:

ولقد قامت على تفضيله

حجج كالشّمس ما عنها غطي

أمّه بالرّسل منها وكذا

حشرهم تحت لواه يا أخي

وإذا ما أحجموا عن رتبة

قام فيها شافعا من غير لي «5»

ويظهر أن المفاضلة بين الأنبياء وتفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، ما كانت لتتم بهذه الحدة وتأخذ من جهد الكتّاب والشعراء هذا القدر، لو لم يكن العصر الذي شهد ظهور كتب الخصائص وقصائد المديح النبوي، عصر صراع مع عدو خارجي، أراد محو هذا

(1) الشهاب محمود: أهنى المنائح ص 14.

(2)

ديوان الصفي الحلي: ص 81.

(3)

ابن بنت الأعز: عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن خليفة العلامي، وزير فقيه، تولّى التدريس، توفي سنة (695 هـ) . ابن شاكر: فوات الوفيات 2/ 279.

(4)

ابن شاكر: فوات الوفيات 2/ 281.

(5)

ديوان الباعونية، ورقة 4.

ص: 245

الأمة من الوجود، وجعل الطعن في الإسلام وصاحبه أحد أسلحة عدوانه، فما كان من المسلمين إلا أن ردّوا على هذا الطعن بإظهار مقام نبيهم الكريم والإدلال على أهل الكتاب بهذا المقام السامي، وزاد في المبالغة التي اتسم بها هذا الجانب من الحديث عن رسول الله ما أشاعه المتصوفة من آراء ونظريات متطرفة في الدين، وميلهم المغرق إلي الغيبيات، وتفسيرهم الآيات والأحاديث تفسيرا غيبيّا، لا يتطابق مع تفسيرها الظاهر، وكأنهم يبحثون عما يستتر خلف الحروف لأنهم جعلوا كل شيء رمزا لما يقابله في عالم الغيب الذي يتوقون إليه، وإلى كشف أسراره، حتى إذا وصلوا في مذهبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، جعلوه قطب أقطابهم، وصاحب طريقتهم، فرفعوه فوق كل مخلوقات الله، وأقاموا عليه نظرية الإنسان الكامل، والحقيقة المحمدية، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم هو أوّل المخلوقات، وهو أبو الأنبياء، أو أنه تجلّى في شكل الأنبياء السابقين له، ومن هنا أعاد بعض شعراء المدائح النبوية فضائل الأنبياء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستغرقوا في الروايات الغيبية التي تتحدث عن هذه العلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين بقية الأنبياء، هذه العلاقة التي تقوم على استمداد الكرامات والمعجزات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عكس نوره الأزلي في ذواتهم، وإلّا فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يذكر نبيا من أنبياء الله إلا بكل تقدير واحترام، وأعطى لكل نبي حقه، فهم إخوته في حمل رسالة الله وهدايته إلى الإنسانية، وإن أحد أركان الإيمان في الإسلام هو الإيمان برسل الله وأنبيائه جميعا، وتقديرهم واحترامهم، أو كما قال البوصيري في إحدى مدائحه النبوية:

صلوات الله ذي الفضل على

رسل الله إلينا أجمعينا

أكرم الخلق هم الرّسل لنا

وأبو القاسم خير المرسلينا «1»

(1) ديوان البوصيري: 259.

ص: 246