الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشفاعة عمّت وإرسال إلى
…
كلّ الورى طرّا وجيلا جيلا
ونصرت بالرّعب الشّديد فمن ترد
…
تغزوه بات بذعره مخبولا «1»
وربما أجمل الشاعر فضائل رسول الله، أو ذكر فضل الله عليه، دون أن يحدد أية فضيلة، مكتفيا بتقرير هذه الحقيقة، مثل قول البوصيري:
إنّ النّبيّ محمّدا من ربّه
…
كرما بكلّ فضيلة ممنوح
الله فضّله ورجّح قدره
…
فليهنه التّفضيل والتّرجيح «2»
ولذلك دعا الشعراء إلى نسب كل الفضائل إلى رسول الله، وإلى الحديث عنه بأية طريقة لائقة به، فمهما جنح القائل فيها إلى التعظيم والمبالغة، فإن أي حديث عنه يصدق طالما أن الله تعالى كمّله، وهذا ما أوضحه النواجي في قوله:
تجانست فيه أوصاف الكمال فقل
…
مهما تشافهو مأمون ومأمول «3»
هديه:
وكما أفاض شعراء المديح النبوي في الحديث عن فضائله وخصائصه وميزاته، أفاضوا كذلك في الحديث عن رسالته وهدايته للناس، وتبليغه لشرع الله، على أكمل وجه وأحسنه، أو كما قال البرعي:
هداية الله في الدّنيا وخيرته
…
من خلقه فهو هادي كلّ حيران «4»
وهذا ما ذهب إليه الصرصري حين تحدث عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما بعده
(1) الشهاب محمود: أهنى المنائع ص 13.
(2)
ديوان البوصيري: ص 103.
(3)
المجموعة النبهانية: 3/ 149.
(4)
ديوان البرعي: ص 53.
مقام، والذي أدّى تكليف خالق الكون أحسن أداء، ثم التفت إلى مدحه بسمات النبوة وجلالها، فقال:
مصطفى الله ذي الجلال من الخل
…
ق نبيّ له علينا الولاء
فأتاهم من ربّه بكتاب
…
هو للنّاس رحمة وشفاء
ولقد أحسن البلاغ وأبقى
…
سنّة لا تشوبها الآراء «1»
وأكدّ البوصيري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع الحد الفصل بين الخير والشر، بين شرع الله ونوره، وضلالات الناس وجهالاتهم، فالله تعالى أرسله بهديه لينقذ البشرية من مفاسدها، وجعله صلاح أمرها، فقال:
لولا النّبيّ محمّد وعلومه
…
لم يعرف التّحسين والتّقبيح
عقد الإله به الأمور فلم يكن
…
لسواه إمساك ولا تسريح «2»
وأجمل السبكي «3» تفضيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفضيل شرعه وأمته، فقال:
وخير نبيّ جاء من خير عنصر
…
بخير كتاب قد هدى خير أمّة
لقد رفع الرّحمن ذكرك فاغتدى
…
يقارن ذكر الله عند التّحيّة «4»
إن قدر رسول الله عند ربه قدر عظيم، حاول شعراء المديح النبوي إيضاح ذلك والدلالة عليه، كما فعل السبكي، حين جعل اقتران ذكر رسول الله بذكر الله تعالى من علامات رفع الله قدر نبيه، وحين جعل ابن مليك الحموي «5» قسم الله به ما يدل على علو
(1) ديوان الصرصري: ورقة 3.
(2)
ديوان البوصيري: ص 100.
(3)
السبكي، تقي الدين: علي بن عبد الكافي بن علي، المفسر الحافظ المقرئ، برع في العلوم وولي قضاء الشام ومشيخة دار الحديث، له مصنفات كثيرة. توفي سنة (756 هـ) . شذرات الذهب 6/ 180.
(4)
المجموعة النبهانية: 1/ 519.
(5)
ابن مليك الحموي، علي بن محمد بن علي، شاعر ولد بحماة وانتقل إلى دمشق وتفقه، له ديوان شعر، توفي (917 هـ) . الغزي: الكواكب السائرة 1/ 361.
قدره عند ربه، فالله عز وجل أقام النبي محمدا صلى الله عليه وسلم مقاما لم يقمه أحدا من قبله ولا بعده، فقال في ذلك:
نبيّ به الرّحمن أقسم واسمه
…
من الحمد والفرقان قد جاء مشتقّا
نبيّ غدا في حلبة الفضل سابقا
…
فمن ذا يجاريه وقد أحرز السّبقا
فبالغ وحدّث عن علوّ مقامه
…
فكلّ غلوّ جاء في مدحه طبقا «1»
وبعد أن أفرغ شعراء المدائح النبوية ما في جعبتهم حول فضائل رسول الله وأوصافه، تحدثوا عن صبره ومصابرته في تبليغ رسالته، وجهاده في سبيل الله وإعلاء كلمة الحق، وإزهاق الباطل، وأفاضوا في الحديث عن جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه، وقتاله في سبيل الله، وشجاعته في مواجهة أعداء الله والحق، فأشادوا ببطولته المتناهية حين واجه الجاحدين للحق، وقاد المسلمين من نصر إلى نصر بتأييد من الله وبجنود من عنده، حتى أقام عمود الإسلام، وهدم صرح الشرك والضلاله.
وهذا ما عبر عنه الصرصري في قوله:
مؤيّد الجيش بالأملاك تقدمه
…
للنّصر في حومة الهيجاء ريح صبا
فأصبح الدّين معمور الجناب به
…
ومربع الكفر أضحى مقفرا خربا «2»
وأشار الشهاب محمود إلى صبر رسول الله وأناته في تبليغ دعوته، وإيصالها إلى الناس بالطرق المختلفة والسبل المتاحة، مؤيّدا بنصر من الله، وحمايته من كيد الأعداء، فقال:
فصبرت تدعوهم وتحلم عنهم
…
وتروض جامحهم وتلطف قيلا
وحماك ربّك من حبائل كيدهم
…
ليتمّ سابق أمره المفعولا
أوحى إليك الله ما أوحى وما
…
كذب الفؤاد ولا استراب ذهولا «3»
(1) ديوان ابن مليك الحموي ص 14.
(2)
المجموعة النبهانية: 1/ 396.
(3)
الشهاب محمود: أهنى المنائح ص 11.
فشجاعة رسول الله وثباته في جهاده من أجل الحق، حقيقة يجب أن تبقى ماثلة في نفوس المسلمين، وأن يقتدوا بها في صراعهم مع أعدائهم، ولذلك كررها شعراء المديح النبوي في قصائدهم.
وهكذا استقصى شعراء المديح النبوي فضائل رسول الله وخصائصه، والمعاني الدينية المتعلقة به، وكرروها في جميع قصائدهم، منتشين بعظمة رسولهم الكريم، وبأثره الخيّر في حياة الإنسانية، مازجين هذه المعاني السامية التي ينفرد بها النبي المصطفى بالمعاني التقليدية التي اعتاد العرب على المدح بها ليظهروا ما كان عليه رسول الله من عظمة وسمو في الجانب الديني والجانب الإنساني، وما تركه من خير ورحمة لأمّته، فوصفه البرعي بقوله:
محمّد من زكت شمس الوجود به
…
وطاب من ثمرات الكون عرفاه
فرد الجلالة فرد الجود ألبسه
…
تاج الجلالة من للخلق أهداه
ومثله ما رأت عين ولا سمعت
…
أذن ولا نطقت به في الكون أفواه «1»
لقد حاول شعراء المديح النبوي قدر استطاعتهم أن يجملوا فضائل رسول الله، وأن يوضحوا خصائصه وميزاته، فنشروها في قصائدهم، وتتبّعوها في مصادرها، حريصين على ألّا يفوتهم شيء منها، ليردّوا على منتقصي النبي الكريم من ناحية، وليشيعوا هذه الشمائل الكريمة بين الناس، لينعموا بذكرها، ويقتدوا ويعتبروا من ناحية ثانية.
(1) ديوان البرعي: ص 34.