الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والشّمس قد همّت لتذهب رهبة
…
لكنّها بقيت لنا لم تذهب
وعلى الأصائل رقّة. فكأنّما
…
لبست نحول العاشق المتلّهب
ومبشّر النّوار جاء مخلّفا
…
لا شكّ قد خطرت نوافح يثرب «1»
وهذا يظهر لنا أن مدّاح النبي الكريم الذين اختاروا الطبيعة مقدمة لقصائدهم، كانوا يريدون إظهار بهجة نفوسهم لمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقل هذه البهجة إلى نفوس سامعيهم، إضافة إلى رغبتهم بإظهار مقدرتهم الفنية، ومعرفتهم لضروب الصنعة البديعية، التي كان لها شأن كبير في ذلك الوقت.
الوعظ:
إلا أن شعراء المديح النبوي لم يقفوا عند هذه الألوان من مقدمات قصائد المديح، بل اتسعوا في مقدماتهم ونوّعوها تنويعا كبيرا، ومن ذلك تقديمهم للمدائح النبوية بالحكم والمواعظ، وضرب الأمثال، وهذه الألوان وردت في مقدمات قصائد المديح العربي، وهي تلائم المدحة النبوية، لأن المقام مقام ديني، ولأن الحكم والمواعظ تسترعي الانتباه، وتوحي بموضوع القصيدة، وتدفع إلى الخشية والورع، وهذا ما يقصد إليه شعراء المدائح النبوية، ليعتبر الناس من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأفعاله.
وغالبا ما تكون المواعظ في ذكر الذنوب وطلب التوبة والمغفرة، وهو ما يتطلع إليه الشعراء الذين مدحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء مدحهم، وهذا ما لا حظه النبهاني، ودعا إليه حين قال:«ويستحسن أيضا تقديم المواعظ والحكم في ابتداء مدائحه صلى الله عليه وسلم، لأنها من الأمور النافعة المستحسنة طبعا وشرعا» «2» .
(1) الصفدي: الوافي بالوفيات 8/ 265.
(2)
المجموعة النبهانية: 1/ 11.
فالشاعر يشرع في ذكر حاله وذنوبه، ويتحسر على مضي العمر في الغواية، فلا يجد مهربا من ذنوبه إلا استغفار الله تعالى والتشفع برسوله الكريم، مثلما قال البوصيري في افتتاح إحدى مدائحه النبوية.
وافاك بالذّنب العظيم المذنب
…
خجلا يعنّف نفسه ويؤنّب
لم لا يشوب دموعه بدمائه
…
ذو شيبة عوراتها ما تخضب
يستغفر الله الذّنوب وقلبه
…
شرها على أمثالها يتوثّب
ضاقت مذاهبه عليه فما له
…
إلّا إلى حرم بطيبة مهرب «1»
ويفتتح الصرصري إحدى مدائحه النبوية بالتحسر على عمره الذي أمضاه في المعاصي، ويتذكر يوم الحساب فلا يجد من يتشفع به غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو إلى التوبة قبل الممات، وبالتفكر في خلق الله، فيقول:
قم فبادر من قبل رفع النّعوش
…
حلبة السّبق ذا إزار كميش
وتدبّر خلق السّماء ففيها
…
عبر جمّة لذي التّفتيش
وتفكّر في خلقة الأرض تنظر
…
عجبا في مهادها المفروش «2»
ويكثر الشعراء في مقدماتهم الوعظية للمدائح النبوية من ذكر الموت الذي يبعث في النفوس الخشية والرهبة، ويحثها على ترك المعاصي، والمبادرة إلى التوبة واستغفار الله تعالى، فيخرجون ذكرهم للموت مخرج الحكم والمواعظ.
(1) ديوان البوصيري: ص 89.
(2)
ديوان الصرصري، ورقة 50.