الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول أثر المدائح النبوية في المجتمع
القسم الأول- الأثر الاجتماعي:
إن الأسباب التي دفعت إلى التوسع في فن المدح النبوي، وساعدت على انتشاره، تشير إلى ما رآه شعراء المدح النبوي من آثار لقصائدهم في نفوس الناس، فالأسباب السياسية تظهر أن قصائد المدح النبوي التي تحمل إشارات سياسية مثل الإشادة بالعرب وتفضيلهم، كانت تلقى تجاوبا عند العرب، وتحثهم على إبراز شخصيتهم في مناحي الحياة كلها، والأسباب الاجتماعية تنمّ عن أن مهاجمة شعراء المدح النبوي للظلم والمساوئ الاجتماعية كانت تنبّه الناس على ضرورة التخلص من هذه المساوئ، والأسباب الدينية تظهر أن شعراء المدح النبوي كانوا يؤثّرون في الجدل الديني الدائر بين المسلمين، فينتصر كل شاعر بالمدح النبوي للمذهب الذي يميل إليه.
والذي ينظر في شعر العصر كله، يلاحظ أنه انعكست عليه ملامح الحياة، وأصداء أحداثها السياسية والاجتماعية، وتياراته الفكرية والدينية.
والمديح النبوي جزء من شعر العصر، حمل ملامحه المعنوية والشكلية، ولم يكن فنا شعريا يقرب من العبادة فقط، لأن الأدب ثمرة لتفاعل الأديب مع بيئته والظروف المحيطة بها، والمؤثرة فيها، ولذا كانت موضوعات الشعر في عصر ما صدى لمظاهر البيئة فيه.
وقد شهد العصر المملوكي على امتداده مصاعب لا حصر لها، وأزمات متلاحقة، وعرف فيه الظلم الاجتماعي، وظل الصراع السياسي والعسكري على أشده، بسبب الغزو الأوروبي والغزو المغولي، فبقي الناس في قلق وضيق وترقب.
وفي مثل هذه الأحوال تكثر الدعوات للإصلاح والتخفيف عن الناس، بطرق شتى، منها الشعر الذي ينتشر بين الناس، ويصل إلى الحكام، والذي يظهر مواطن الخطأ في المجتمع، ويشير إلى طرق تجاوزه باقتضاب، وبإشارات مبطنه، فيلهج به الناس، ويرددونه، ليدفعوا من بيده المقدرة على الإصلاح إلى فعل ذلك.
وعرف الأدباء العرب آنذاك أثر الشعر في النفس الإنسانية، فقال حازم القرطاجني عن الشعر:«من شأنه أن يحبّب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه، لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمّن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها، أو متصوّرة بحسن هيئة تأليف الكلام، أو قوة صدقه، أو قوة شهرته، أو بمجموع ذلك» «1» .
ولذلك شبّه الأدباء آنذاك أثر الشعر بأثر السحر، وأطلقوا على بعض الشعر (السحر الحلال)«الذي يلعب بالعقول، ويدع الإعجاب بحسنه يقوم ويقول» «2» .
وإلى جانب الشعر نجد الوعظ والخطب على المنابر، والرسائل والكتب التي تحدد المشاكل وتضع لها الحلول، وقد وصلنا من هذا العصر عدد من الرسائل والكتب في هذا الباب، والتي عزا بعض مؤلفيها قيامهم بتأليفها إلى توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم في المنام، فصاحب كتاب (التيسير والاعتبار) قال عن سبب تأليفه لكتابه: «ولمّا رأى العبد الأصغر الفقير في المنام سيد المرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام، وقد قلّده أمرا، يفهم من تأويله النصيحة للإسلام والمسلمين.. فأقام العبد منتظرا ما رآه في المنام من وعد
(1) حازم القرطاجني: منهاج البلغاء ص 71.
(2)
الصفدي: الغيث المسجم 1/ 289.
(3)
ابن الأثير: المثل السائر 1/ 206.