الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فذكروا آثاره، وأبدوا تقديسهم لها، واتخذوها مطية إلى إظهار مشاعرهم نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوطئة لمدحه.
ذكر الآل والصحابة:
حين تحدثنا عن الفنون الشعرية التي تقرب من المدائح النبوية، والتي عدها بعض الباحثين من المدائح النبوية، مرّ معنا مدح آل البيت، الفن الشعري الذي انتشر عند الشيعة وغيرهم، وذهبنا إلى أن مدح آل النبي كان مقصودا لذاته، وإن كان تعظيم آل النبي نابعا من تعظيمه، وأن قصائد مدح آل البيت لا تدخل في نطاقق المديح النبوي، وإن ذكر النبي فيها، لأنها نظمت أساسا لمدح آل البيت، ولا يمكن أن يذكر آل البيت دون أن يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد ذكر آل النبي والصحابة في المدائح النبوية، فحين يذكر مادحو النبي سيرته، لا ينسون أصحابه وآله الذين حملوا معه رسالة الإسلام، وجاهدوا في الله حق جهاده، وضربوا أروع الأمثلة على التضحية والإيمان والإخلاص لله ورسوله، فكان لهم على مدّاح النبي حق ذكرهم والإشادة بهم، وهذا ما فعله معظم شعراء المدائح النبوية، حتى غدا ذكر الآل والصحابة من مضمون المدحة النبوية، يردّدونه في ختام القصيدة حين يجمعونهم في صلاتهم على النبي معه، أو في أثناء القصيدة عند عرضهم لجهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وبطولته، ولمواقف من سيرته.
فالبوصيري عند ما ختم قصيدته بالصلاة على النبي، قال:
ثمّ الصلاة على المختار ما طلعت
…
شمس النّهار وما قد شعشع القمر
ثمّ الرّضا عن أبي بكر خليفته
…
من قام من بعده للدّين ينتصر
وعن أبي حفص الفاروق صاحبه
…
من قوله الفصل في أحكامه عمر
وجد لعثمان ذي النّورين من كملت
…
له المحاسن في الدّارين والظّفر
كذا عليّ مع ابنيه وأمّهما
…
أهل العباء كما قد جاءنا الخبر
والآل والصّحب والأتباع قاطبة
…
ما جنّ ليل الدّياجي أو بدا السّحر «1»
وإذا كان البوصيري قد فصّل في هذه القصيدة، فذكر أسماء الصحابة، وبدأ بذكرهم، فإنه في قصيدة ثانية، بدأ بمدح آل البيت بعد أن استوفى مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثنّى بصحابته الكرام، فقال:
آل النّبيّ بمن أو ما أشبّهكم
…
لقد تعذّر تشبيه وتمثيل
وهل سبيل إلى مدح يكون به
…
لأهل بيت رسول الله تأهيل
إنّ المودّة في قربى النّبيّ غنى
…
لا يستميل فؤادي عنه تمويل
وكم لأصحابه الغرّ الكرام يد
…
عند الإله لها في الفضل تخويل
قوم لهم في الوغى من خوف ربّهم
…
حسن ابتلاء وفي الطّاعات تبتيل
كأنّهم في محاريب ملائكة
…
وفي حروب أعاديهم رآبيل «2»
ويكاد يكون ذكر الآل والصحابة مدحا مستقلا في مدحة عائشة الباعونية، فبعد أن أفرغت ما بجعبتها في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، التفتت إلى الصحابة، فمدحتهم بقولها:
جلّ الذي خصّ سادات بهم شرفوا
…
آلا وصحبا كرام الأصل والشّيم
في الله قد بذلوا أرواحهم وسلوا
…
وجودهم وخلصوا صدقا لربّهم
واستودعوا فوعوا واستحافظوا فرعوا
…
واستنهضوا فسعوا نصرا لدينهم
(1) ديوان البوصيري: ص 274.
(2)
المصدر نفسه: ص 230- تمويل: كثرة المال. رآبيل: أسود. مفردها رئبال.